السعودية وقواعد اللعبة الجديدة
بقلم: رجا طلب
النشرة الدولية –
شكل الاتفاق السعودي – الإيراني بشأن تطبيع العلاقات برعاية صينية صدمة كبرى لكل من الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الأوروبي والأهم لدولة الاحتلال ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الذي كان يعتبر أن إيران تشكل التحدي الأكبر «لإسرائيل» وأن إدخال السعودية في «برنامج التطبيع الإبراهيمي» سيكون بمثابة الضربة القاصمة لإيران وسيعطي «إسرائيل» المزيد من القوة الدبلوماسية القادرة على إحداث اختراق تاريخي في انهاء العربي– الإسرائيلي وعلى درجة تصل بقيمتها الاستراتيجية إلى مستوى اتفاقيات كامب ديفيد بين تل أبيب والقاهرة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، غير أن هذا الاتفاق قلب الأمور راساً على عقب وأدخل واشنطن ومعها دولة الاحتلال في حالة من عدم التوازن وفي ظرف حرج للطرفين وهو ما سيدفع كل منهما أو كليهما معاً للبدء في التفكير منذ الآن في كيفية تخريب ونسف هذا الاتفاق.
صحيح ان التحركات بين بكين وطهران كانت ظاهرة، وكذلك بين بكين والرياض ولكنها كانت تُفسر على انها قائمة على ارضية المصالح الثنائية المشتركة لكل طرف مع الصين التي باتت تشكل قطبا كامل القوة في مواجهة واشنطن، ولم يكن على ما يبدو في حسابات لا واشنطن ولا تل ابيب ان تصل الامور الى اتفاق كامل لتطبيع العلاقات بين الرياض وطهران، وهو التطبيع الذي سيغُلق في حال نجاحه وخاصة على الصعيد الامني والسياسي كل منافذ «الاستمرار في صناعة التناقضات» بين الرياض وطهران وتوظيفها لخدمة المصالح الاميركية في المنطقة بالدرجة الاولى والمصالح الإسرائيلية اللصيقة بها بالدرجة الثانية.
والسؤال الرئيسي والمركب الذي يمكن طرحه في هذا المقام (ما هي حسابات المملكة العربية السعودية)؟، وهل انتهى عصر التحالف مع واشنطن؟ أم أن الذي يجرى هو نوع من تنويع الخيارات؟
في محاولة الإجابة على هذا السؤال المركب يمكن القول إن الرياض وفي ظل الرؤية الجديدة تعمل وبدرجة عالية من الوعي القائم على المعطيات الواقعية والارقام على تنويع الخيارات والتحالفات اقليميا ودوليا باعتباره الخيار الافضل لبلد اقليمي كبير وعملاق من عمالقة الطاقة في العالم، لان بقاء هذا العملاق السعودي في حدود تحالف فرضته ظروف ومناخات دولية بعد الحرب العالمية الثانية أي منذ 78 عاما وفي ظل وجود عالم ثنائي القطبية وقتذاك وما رافقه من سياسات معقدة، بات يشكل قيداً قاتلاً بل أشبه ما يكون بالانتحار لبلد يملك كل إمكانيات الانطلاق كقوة ذات تأثير إقليمي وعالمي قوى وفاعل وباتت التنمية الاقتصادية ونقل اقتصاده من اقتصاد ريعي يعتمد على بيع النفط والغاز الى اقتصاد منتج ومنفتح زراعيا وصناعيا وسياحيا بالإضافة الى الاقتصاد الرقمي وجذب الاستثمارات في المجالات كافة بات أولوية كبرى لا تراجع عنها.
يبدو أن السعودية باتت تلمس وبهدوء فواصل التناقضات بين الرياض والسياسات الأميركية في الإقليم والعالم والتي إن انساقت وراءها المملكة خلال العقود الماضية حيث اليقين من أن بقاء الوضع على ما هو عليه سيبقى الرياض بيدقاً في خندق ليس خندقها وسيفاً في معارك ليس لها فيها لا ناقة ولا جمل، كما يبدو الرياض تلقت معلومات دقيقة من موسكو وبكين كيف أن واشنطن لا ولم تراع المصالح السعودية في الكثير من القرارات الاستراتيجية التي اتخذت تجاه المنطقة والإقليم وبخاصة في عهد إدارة اوباما والإدارة الحالية (العراق اكبر مثال على ذلك)، وهو ما عزز التوجه الاستراتيجي للرياض للانطلاق باتجاه «تنويع الخيارات والتحالفات والبدء بتغيير قواعد اللعبة».
تبقى هذه المحطة المهمة التي أنجزتها بكين ومن ورائها موسكو، قيد التجربة وتحديداً لجهة «التقلبات الإيرانية» ومدى التزام طهران بالبند المتعلق بعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى (المقصود هنا الدول الخليجية والعربية)، فالقرار الايراني الرسمي ومنذ الإطاحة بالرئيس الاصلاحي محمد خاتمي عبر انتخابات تمت «هندستها» بدقة للإطاحة به عام 2005، هو في قبضة اليمين المتشدد الذي يؤمن «بتصدير الثورة» ودعم النفوذ الإيراني في الإقليم وتحديداً في الدول العربية، وهي مسألة تجعل من استهداف هذا الاتفاق أمراً ممكناً ولربما سهلاً لكون الاتفاق بروحه وأسسه يتناقض مع العقلية الصانعة والمهيمنة على القرار في طهران.