اليابان كما لم أعرفها
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

قراءاتي عن الشخصية اليابانية أثارت في نفسي الإعجاب، وهي ما دفعتني إلى قراءة كل ما هو جديد، وأحدثها مجلة خاصة باللغة العربية وتحت عنوان «نيبونيكا» «نافذة على اليابان».

إن ما سمعته عن تجارب حية ومعايشة ميدانية قلب الصورة رأساً على عقب، فليس كل ما تقرأه هو الواقع، ولهذا تبقى انطباعات من زارها واختبرها هي المرآة الحقيقية.

نتوقف عند الحالة الثقافية السائدة لدى عموم الشعب الياباني، فلكل ثقافة في العالم هويتها الخاصة،

نذهب إلى كيفية التمتع بالراحة وهي بالتأكيد أكثر من مجرد الجلوس في تكاسل، فالعقل والجسم يمكن شحنهما من خلال ممارسة أنشطة تختلف عن الروتين اليومي.

إن التأمل وما يعرف بنظام «الزازن»، وهي تدريبات هوائية تمارس في الأمكنة المفتوحة، تمثل وسيلة ممتازة لإنعاش الجسد والروح.

فقد وصل «مذهب الزازن» البوذي إلى اليابان في القرن الثاني عشر، وخلاصته أن الراحة والسكينة الذهنية تأتيان من الحياة المنظمة، فهما تساعدان في صفاء الذهن والتركيز على اللحظة الحاضرة، وجلسة واحدة من «الزازن» تمنحك الفرصة لتكون واعياً بذلك.

ونحن البشر، كما تقول أدبيات هذا المذهب، نميل إلى التفكير في الماضي والقلق من المستقبل والتوتر من أشياء ليست جزءاً من الواقع، ولو أمكننا أن نحرر ذهننا وجسدنا من هذا التوتر لما وجدنا أنفسنا غارقين في هموم لا ضرورة لها.

الممارسات البوذية في الحياة اليومية ليست اختراعاً بقدر ما هي وسيلة للخروج من القوقعة والانعزال واليأس، وإذا أردت ضخ سلام نفسي فعليك أن تتدرب ولو لعشر دقائق يومياً، لأعمال التنظيف وعند تناولك الطعام، دون أن تسرح في ذهنك.

يعرف اليابانيون قصة «الكومينكا» وهي بيوت قديمة تم بناؤها طبقاً لقواعد البناء اليابانية القديمة، أقل بيت عمره 100 عام وهي من الإرث الثقافي، جرى تحويل بعضها إلى مقاه أو مطاعم وباتت مقصداً للسياح، أحدهم قدم وصفاً مذهلاً «ضع قدمك داخل الكومينكا تجد نفسك في مكان توقف عنده الزمن، فالأضواء تأخذك إلى عوالم أخرى والحوائط الطينية بألوان أرضية، والتهوية تشعرك بهواء بارد، أما في الشتاء فهناك موقد النار المشهور إنها ببساطة فنادق العصر وعلى الطريقة اليابانية.

في طوكيو، وهي أكثر المدن ازدحاماً في العالم، أماكن يمكنك أن تستمتع بها، تختلط فيها الموسيقى ببخور عطرية للراحة وإنعاش الجسد والعقل.

لم نقترب بعد من الحمامات والمنتجعات الساخنة فهذه لها قصة أخرى، بل عن أماكن تتخصص في تقديم الحلوى، ظهرت من بداية عصر «إيدو» في القرن التاسع عشر، لها تاريخ طويل أطول من بيوت الشاي والتي تؤدي دور المقاهي.

«اليابان كما عرفتها» من الكتب التي استمتعت بقراءتها، فهي تجربة حية عايشها قبل وفاته الصديق المرحوم فخري شهاب أعطتني عصارة ثقافية عن مرحلة ما بعد الحرب العالمية، وكيف نهض هذا البلد الآسيوي بعد قنبلتي هيروشيما وناغازاكي النوويتين؟

بلد شاسع ومتنوع يدعو للدهشة، بعد أن تعرض لهزيمة بشعة وشنعاء ثم استفاق من جديد ليدخل في نادي أهم الدول الصناعية المتقدمة تكنولوجياً، اليابان اليوم هي بخلاف الأمس، والصورة لم تعد كما قرأناها في الكتب، فمن سيتصدى لدراستها؟

Back to top button