الفقر والثراء والأصل والفصل
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

لا دولة في العالم تخلو من التفرقة بين مواطنيها، سواء كانت تفرقة طبقية، دينية، مذهبية، عرقية، أو غيرها. وقد تكون تفرقة مجتمعية، تتعلق بالأفراد أنفسهم، أو تمتد للدولة نفسها بحيث تحرم فئة منها من حقوق أو مزايا محددة.

وقد تكون التفرقة من الأغلبية ضد الأقلية، وهي الحالة الغالبة، أو من الأقلية الحاكمة أو الأكثر غنى وتعليماً، ضد الأغلبية الأقل تعليماً والأكثر فقراً! وكلما زاد تخلف المجتمع، زادت حدة التفرقة فيه، مع استثناءات قليلة، كما الحال في بريطانيا، حيث تتوافر طبقية بسبب نظام الملكية ونظام الألقاب، ولكن ليس صعباً الانتقال من طبقة لأخرى أعلى، وهذا ما يصعب حدوثه في دول عدة، كالهند مثلاً!

***

تاريخياً، كان للثراء الكبير والنجاح الاجتماعي، وتغيير المذهب أو الدين أو الاسم العائلي، أثر كبير في انتقال الفرد من طبقة لأعلى.

ما لا يعرفه البعض أن من يعاملون غيرهم، بطبقية، يعانون غالباً من المعاملة نفسها من الطبقة الأعلى منهم، الذين يعتقدون أنهم يفوقونهم أصلاً أو ثراءً. فلا تخلو أية فئة من تقسيمات أخرى بداخلها!

حتى أغلب الأسر الحاكمة تشكو بحدة من الطبقية، وتتعالى بعض مكوناتها على البعض الآخر!

***

ما تشعر به الأقلية من تفرقة في المعاملة، من الأغلبية، في غالبية المجتمعات، أمر عادي، ومتوقع، ويجب أن يتم التعامل معه بصورة طبيعية، فغالباً ما دفعت التفرقة الكثير لأن يبدعوا ويبرزوا ويخلقوا لأنفسهم مكانة في المجتمع ما كانت ستتحقق لو كانوا من المنتمين مثلاً للأغلبية، وهذا ما وجدته بوضوح في الكثيرين، أو في دول عدة، وكيف أصبح ابن المزارع الفقير رئيساً للجمهورية، وابن المحاسب ملياديراً، وكيف تحول الضابط القازاقي المغمور إلى ملك أو شاه لإيران، لتسعى أعرق البيوتات المسماة بالأرستقراطية إلى مصاهرة أسرته، التي جعلتها الصدف أكثر «أرستقراطية» منها، فقط لأنها وصلت إلى ثراء أكبر أو لسدة الحكم.

كانت الكويت أسبق من غيرها، في المنطقة، في محاولة محو الفوارق بين فئات المجتمع، عندما اختارت دمجها وصهرها وإزالة الفوارق بينها عن طريق توزيع أراض سكنية بالقرعة، وهذا ما رأينا في بداية ستينيات القرن الماضي في السرة والدعية والشعب، وبعدها وإن بشكل أكثر كثافة في بيان ومشرف، وبدرجة أقل تالياً في الأندلس والعارضية.

تبين لاحقاً لبعض المستفيدين من تشرذم المجتمع أن المزج الإيجابي لمكوناته لم يكن في مصلحتهم «انتخابياً»، فسعوا، بما يشبه التنظيف العرقي، خصوصاً مع تزايد وتيرة التجنيس العشوائي، إلى السماح للفرز القبلي والمذهبي لأن يأخذ مداه، عن طريق فتح باب بيع أو تبادل بيوت السكن بين منطقة وأخرى، لغرض تعزيز الصوت الانتخابي، في المنطقة «أ»، بنقله من المنطقة السكنية «ب»، حيث لا قيمة له! وهكذا نشأت، بعلم الحكومة ورضاها، مناطق انتخابية كاملة ذات لون قبلي أو مذهبي واحد.

لفولتير مقولة شهيرة: «حقق النجاح في حياتك، وسيغنيك ذلك عن الزهو بتاريخ أجدادك»! ويبدو أن فشل البعض في حياتهم كأفراد دفعهم إلى الزهو بتاريخ أسرهم، أو قبائلهم.

وعلى من يشكو من التفرقة التوقف عن الشكوى و«التحلطم»، وأن يسعى جاهداً لأن يبلي أحسن البلاء في الحياة، وستأخذ بقية الأمور مجراها الطبيعي معه.

***

تساءل صديق عن سبب إسدائي المديح لسيرة الراحل عبدالعزيز الصقر، وكيف أن الرجل كان، اجتماعياً وسياسياً، صاحب آراء سياسية واجتماعية تخالف آرائي ومواقف الجماعة التي يفترض أنني أنتمي لها، أو هكذا يعتقد الصديق. رددت عليه بأن أي تصرف يجب أن يوضع في إطاره الزمني، ولو كنت محله ولدي نفس مخاوفه من «التركيبة السكانية» في بداية الخمسينيات والتسعينيات، لما ترددت في فعل ما فعل، وبالتالي ليس من العدل أن أغمط الرجل حقه، وكل جميل أفعاله وأركز على موقف ما، وقد يستحق هو وغيره الشكر مني.

زر الذهاب إلى الأعلى