هل سيتوالى تساقط البنوك الأمريكية بعد إفلاس ثلاثة منها؟
النشرة الدولية –
اهتمت وسائل الإعلام المختلفة بخبر إفلاس ثلاث بنوك أمريكية في أقل من أسبوع، بداية من بنك “سيلفير غيت” ثم “سيليكون فالي” وأخيرا “سيجنتشر”، مع ترنح بنك “فيرست ريبابليك”، وسط مخاوف من أن يؤدي انهيار البنوك الأمريكية إلى انفراط العقد وتكرار الأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت في 2008 نتيجة الانخفاض الحاد في ذلك الوقت لأسعار العقارات في الولايات المتحدة وتعثر المقترضين عن سداد الديون، ما أدى إلى انتشار حالة من الفزع قادت المودعين إلى التسابق على سحب ودائعهم من البنوك، تخوفا من حدوث أزمة سيولة وانهيار للنظام المصرفي ما تسبب في حدوث أزمة انتقلت من الولايات المتحدة إلى دول عديدة، وأدت وقتها إلى إغلاق العديد من الشركات حول العالم.
المسؤولون في الولايات المتحدة سارعوا هذه المرة أيضا إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لمنع تساقط أوراق “الدمينو” وانتقال الأزمة إلى بنوك أخرى وانهيار النظام المالي برمته، عبر قيام وزارة الخزانة والفدرالي وشركة تأمين الودائع الفيدرالية بإصدار بيان مشترك تضمن اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية الاقتصاد الأميركي بالسماح لجميع المودعين في بنكي سيليكون فالي وسيجنتشر باسترداد أموالهم، مع فتح تحقيق حول الانهيار يستهدف خصوصا مبيعات الأسهم الأخيرة، كما أعلن بنك “جي بي مورغان” وفقا ل”فوربس” أنه يتوقع أن يقوم الفيدرالي الأمريكي بضخ تريليوني دولار في النظام المصرفي ضمن برنامج القروض الطارئ، ما سيخفف من أزمة شح السيولة التي يعاني منها القطاع.
موجة ذعر في القطاع المصرفي
وكالة الأنباء الفرنسية ذكرت إن أزمة مصرف “سيليكون فالي” الذي أغلقته السلطات الأمريكية الجمعة، والمسمى على منطقة وادي السيلكون الشهيرة في ولاية كاليفورنيا، التي تضم جميع شركات التكنولوجيا الأكبر في العالم، تسببت بموجة ذعر في القطاع المصرفي مع تساؤل الأسواق عن عواقب أكبر إفلاس مصرفي في أمريكا منذ الأزمة المالية 2008، مع مخاوف حول متانة القطاع المصرفي ككل، خصوصاً مع الارتفاع السريع في أسعار الفائدة، الذي يؤدي إلى انخفاض قيمة السندات في محافظهم، حيث فقدت أكبر أربعة مصارف أميركية ما مجموعه 52 مليار دولار في البورصات، وأعقبتها المصارف الآسيوية ثم الأوروبية، وتناولت الوكالة الفرنسية أحد أسباب انهيار بنك “سيليكون فالي” قائلة:” لم يعد المصرف قادرا على تلبية عمليات السحب الهائلة التي قام بها عملاؤه لأموالهم، وهم ينشطون خصوصا في مجال التكنولوجيا، كما لم تنجح محاولاته زيادة رأس المال بسرعة”.
دور الجهات الرقابية
الهزة الاقتصادية في الولايات المتحدة انتقلت إلى أوروبا وتحديدا في سويسرا، حيث هوى سهم بنك “كريدي سويس” إلى أدنى مستوى في تاريخه، وتم إيقاف التداول على أسهم البنك لعدة مرات، قبل أن يعلن اعتزامه اقتراض ما يعادل حوالي 54 مليار دولار من المصرف المركزي في سويسرا لتعزيز السيولة التي لديه، وأعلنت الهيئات التنظيمية السويسرية إنها على استعداد لدعم المصرف إذا لزم الأمر، ولكن يبدو أن ذلك لم يكن كافيا لتهدئة المستثمرين حيث استمر انخفاص سهم البنك بشكل حاد، الأمر الذي دعى الهيئات التنظيمية السويسرية لتنسيق اجتماع طارئ في عطلة هذا الأسبوع لمناقشة وحث بنك “يو إس بي”، وهو أكبر المصارف السويسرية، للاستحواذ على “كريدي سويس"بالكامل أو بشكل جزئي، بحسب تقرير نشر في صحيفة فايننشال تايمز
بدورها طرحت صحيفة “وول ستريت” تساؤلاً حول انهيار بنكي “سيليكون فالي” و”سيلفيرغيت”، وهو أين كان المنظمون في الولايات المتحدة عندما تحطم البنكين؟ ولخصت الإجابة في ما سمته بالخطأ البسيط والمتمثل في نمو البنكين بسرعة كبيرة باستخدام الأموال قصيرة الأجل المقترضة من المودعين الذين يمكنهم طلب السداد في أي وقت، واستثمارها في أصول طويلة الأجل لم يكونا قادرين أو غير راغبين في بيعها، مع الإشارة إلى أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي كان المنظم الفيدرالي الأساس لكلا البنكين، وأضافت أن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية التي تشرف على الأسواق المالية (SEC)، أطلقت تحقيقا حول الانهيار، وقد لا يؤدي إلى توجيه اتهامات بشكل رسمي وفقا للصحيفة.
ثماني دول تراقب
وكالة بلومبيرغ رصدت تداعيات انهيار بنك سيلكون فالي في بريطانيا، والتي سارعت باحتواء الأزمة باستحواذ بنك “HSBC” على فرع البنك الأمريكي لديها، مع تعهد وزير الخزانة جيريمي هنت بحماية أموال المودعين، وفي كندا أعلنت السلطات عن سيطرتها بشكل مؤقت على فرع بنك “سيلكون فالي” في تورنتو بغرض حماية حقوق ومصالح دائني الفرع في محاولة منها للحد من تداعيات انهيار البنك على الشركات الناشئة، وإلى جانب بريطانيا وكندا لدى “سيلكون فالي” فروع في الصين والدنمارك وألمانيا والهند وإسرائيل والسويد أيضاً.
بعد دوامة الإغلاق من جراء فيروس كورونا، ثم أزمة الحرب الروسية في أوكرانيا، وكذلك أزمة التضخم وارتفاع معدلات الفائدة في أمريكا، لن يتحمل العالم مجددا تكرار ما حدث في 2008 عندما ورطت الولايات المتحدة الجميع معها في أزمة اقتصادية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وكذلك لن يتحمل الحزب الديمقراطي الأمريكي الدخول في أزمة اقتصادية جديدة تقضي على آماله في معركة الرئاسة القادمة، وهو ما جعل الحكومة الأمريكية تسارع بالتدخل لضمان عودة الودائع لأصحابها ومنع انتقال العدوي إلى بنوك أخرى.