صوت تكسير المواعين في الغرف المجاورة
بقلم: مصطفى أبو لبدة
إرم نيوز –
خلال الأسبوعين الماضيين، تتابعت وترادفت تطورات جامحة طالت المرُكّب الاقتصاد – سياسي الأممي، بتغييرات من النوع الذي كان في السابق يستغرق سنوات إن لم يكن عقوداً.
مِن الانهيارات المصرفية في الولايات المتحدة وأوروبا، إلى تحديد الكونغرس الربع الثالث من العام الحالي موعدا محتملا لإفلاس الحكومة الأمريكية إن هي تخلفت عن رفع سقف مديونيتها البالغة 3.1 تريليون دولار.
ومِن اقتحام الصين دبلوماسية الوساطة في أعقد المشاكل الدولية بالشرق الأوسط وأوكرانيا، مرورا بمذكّرة اعتقال أممية، غير قابلة التنفيذ، بحق الرئيس الروسي فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين، وليس انتهاء بإعادة تأهيل النظام السوري. ففي الأثناء أصبح الحديث عن الدولار الرقمي ليس فقط بديلا عن الورقي وإنما نهاية منظورة للدولار الذي أضحى عبئا على حامله.
كانا أسبوعين من سويّة الوقت الذي يقال فيه: عليك أن تظل هادئًا، فأنت لا تعرف من سيفعل ماذا. علتْ فيهما أصوات تكسير الصحون والمواعين الزجاجية، وهي تُسمع من وراء الحيطان في مختلف غرف العمارة الدولية، برسالة تقول إنها عمارة نظام عالمي يتأكد الآن أنها كانت “مبنية على الغش”.
فما بين الثامن من مارس والحادي عشر منه تعثرت ثلاثة بنوك أمريكية هي سيليكون فالي وسيلفرغيت وسيغنيتشر. وفي اليوم الخامس عشر من فوضى بيع الأسهم وسحوبات العملاء التي بلغت في أحدها 42 مليار دولار، دخل بنك كريدي سويس غرفة الإنعاش باقتراض 54 مليار دولار من المركزي السويسري لمنع انهياره.
الأمريكان لم يتمكنوا حتى الآن من وضع الأمور في نصابها، وسيأخذهم بعض الوقت والكثير من الجهد، لفهم ما حدث من الانهيارات المصرفية.
ولمنع إطاحة المزيد من البنوك متفاوتة الحجم، فقد اتفقت يوم الاثنين الماضي ستة بنوك مركزية غربية بينها مجلس الاحتياطي الفيدرالي (الأمريكي) على إجراء منسق لاختصار فترة خطوط المبادلة للتمويل بالدولار، لتصبح يومية بعد أن كانت طوال العقود الماضية سبعة أيام.
معلومة فضائحية لافتة غابت عن التغطيات الصحفية الكثيفة لهذا الذي جرى مع البنوك الأمريكية التي طاحت، وهي أن المركزي الأمريكي كان يمتلك معلومات عن حجم الأزمة ومآلاتها، سرّبها للجهات الإسرائيلية المعنية التي قامت بسحب بليون دولار من مراكزها في بنك سيليكون فالي قبل أن يضع المركزي الأمريكي يده عليه يوم الجمعة الماضي.
تقارير الجهات الرسمية اكتفت خلال الأيام الأربعة الماضية بتحميل المسؤولية للبنك المركزي الذي اعتمد سياسة التشدد برفع الفائدة من أجل مكافحة التضخم، فجاءت النتيجة كارثية بتصفية مراكز السندات مرفقة بهلع يضخمه ضعف أداء إدارات قياس المخاطر.
كان واضحاً من التغطيات الوثيقة أن الأمريكان لم يتمكنوا حتى الآن من وضع الأمور في نصابها، وأنه سيأخذهم بعض الوقت والكثير من الجهد، لفهم ما حدث من الانهيارات المصرفية كزلزال تنتظره هزات ارتدادية قادمة تطال المؤسسات والعملاء والاقتصادات وأموال الناس.
كانا أسبوعين حاشدين بأصوات تكسير المواعين الزجاجية، لنظام عالمي يتفكك بالإجهاد وبالاهتراءات الداخلية.
فالأزمة في حقيقتها أكبر وأعمق مما اقتصرت عليه التغطيات الصحفية والبيانات الرسمية. فقد نشرت شبكة أبحاث العلوم الاجتماعية، يوم السبت الماضي، نتائج دراسة مسحية متخصصة كشفت أن 186 بنكاً أمريكياً قد تفشل إذا قام نصف المودعين بسحب أموالهم. وأظهرت الدراسة أن المشكلة تكمن في أن أصول مثل هذه البنوك هي سندات حكومية أو أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري، وجميعها تأثرت سلباُ برفع أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي.
وفي المجمل، كما تقول الدراسة، فقد تعرضت قيم الأصول المصرفية إلى انخفاضات كبيرة فاقمت من هشاشة النظام المصرفي أمام عمليات الإيداع والائتمان، وألقت مزيداً من الأسئلة الصعبة على مستقبل الدولار الذي بات يُعرّض الأصول للخطر، ويستدعي سرعة البحث عن أدوات تجارية بديلة، كالتي عرضها البنك الفيدرالي بإصدار دولارات افتراضية (رقمية) لضبط سقف المديونية بعد أن وصلت أرقاماً فلكية تهدد بإعلان تعسّر الحكومة في النصف الثاني من العام الحالي وتوقفها عن دفع الرواتب والالتزامات.
خلال الأسبوعين الماضيين تتابعت على النظام العالمي المتداعي عمليات اختراق لعبت فيها الصين دوراً اقتحامياً غير معهود في الإقليم النفطي وعلى حدود الناتو، وجاء ذلك مصحوباً بانهيارات مسموعة في التركيبة الاقتصادية التي بنتها الولايات المتحدة على حطام الحرب العالمية الثانية وجعلت الدولار عنوانها.
كانا أسبوعين حاشدين بأصوات تكسير المواعين الزجاجية، لنظام عالمي يتفكك بالإجهاد وبالاهتراءات الداخلية.