هالة نهرا: الدوغمائية والعقل التأويلي مكونات الثقافة الكونيّة

النشرة الدولية –

جريدة الرياض – حوار – خالد الخضري

عن واقع الأدب والشعر خاصة ودوره في تعزيز القيم الإنسانية، وأهم إشكاليات الثقافة العربية والمساحة الإبداعية فيها وغيرها من المواضيع الأدبية تحدثت عنها الشاعرة والناقدة اللبنانية هالة نهرا في حوار جاء فيه:

 

كيف تنظرين إلى واقع الشعر العربي في الوقت الراهن عموماً، وهل تتابعين الشعراء السعوديين؟

 

رغم وجود بعض الطفيليين، فإنّ الشعر العربيّ يتقدّم راهناً، والشعراء المبدعون رجالاً ونساءً، سواء كانوا من الشباب أم من المخضرمين، يحفرون ظلال المعاني وومضاتها، والإشراقات الحدسية، وأفكاراً جديدة في آفاق اللغة التي يجترحون بعض جماليّاتها المغايرة بخطى حداثية متتابعة. ثمة تنوّعٌ أسلوبيّ يتراكم نوعياً، وتجديدٌ جزئيّ يثري، وبصماتٌ مضيئة تؤسّس للآتي الذي سيتكشّف لاحقاً. الشعر السعودي جزءٌ من المشهد الشعري العربي وثمّة شعراء حداثيون مبدعون في المملكة نتابع نتاجهم باهتمامٍ وشغف. سيتغذّى كثيراً الشعر السعودي تباعاً بالنهضة الثقافية ومناخ الانفتاح المحمود في المملكة حالياً.

 

ما دور الشعر في تعزيز القيم الإنسانية وتقديم محتوى إبداعي ممتع؟

 

للشعر في العالَم دورٌ كبير في محاولة صوغ عالم موازٍ أكثر رأفةً وجمالاً وعدالةً وإنسانية وفي تعزيز القيم الإنسانية وصونها. قد يكون المحتوى الإبداعي ممتعاً وجاذباً كالمغناطيس، وقد لا يكون ممتعاً أحياناً إذا كان هدف الشاعر يتجاوز الإمتاع والجمال اللغويّ الفتّان، نحو رسالةٍ تتدثر بالالتزام أو نحو صرخةٍ إنسانيةٍ فجّة أو قضيةٍ يريد إيصالها للمتلقّين.

 

تُرجمت بعض أعمالك الشعرية إلى لغاتٍ عدّة. ما أهمية ذلك بالنسبة لك؟

 

حين تُترجَم بعض القصائد والنصوص وتُنقل إلى لغاتٍ أخرى يقرأ الآخَر الذي لا يجيد العربية نتاجنا. الترجمة في غاية الأهمّية في إيصال قصائدنا وثقافتنا وأفكارنا وتصوّراتنا ورؤانا للعالم، وفي التفاعل الثقافي والحضاري حول العالم مع نتاجنا مثلما نتفاعل نحن أيضاً مع ما يصل إلينا من نتاج العالم، إنْ بلغاته أو منقولاً إلى العربية. شعوب الأرض إخوتنا في الإنسانية.

ما ثقافة السؤال وهل استطاعت برأيك من خلال الكتابة الوصول إلى الآخر، وتحقيق أهدافها؟

 

ثقافة السؤال في مفهومي هي باختصار الثقافة الرحبة والمرنة المنفتحة على سعة المعرفة عموماً ووساعة العقل بين الأنا والآخَر والعالَم، حيث تغتني المعرفة بالحوار البنّاء والمساءلة المعرفية الذاتية واستنطاق المعنى ومروحة تأويلاته في محاولاتٍ متواضعة جداً أمام شعاع المعرفة ومحيطاتها، وبالجسور والأسئلة الكبرى، والأُخرى المتفرّعة منها مثلما تتفرّع من النهر السواقي، وهي لا تكتفي بالأجوبة الكلاسيكية الجاهزة ولا تعدّ الأجوبة نهائيةً ومطلَقة لكي تتطوّر باستمرار وتعنى بالعقل بصفته المحرك الفعلي للمعرفة.

 

ما أقرب أعمالك إليك وماذا عن جديدك؟

 

كتبي الصادرة عن “دار الفارابي” أحبّها كلّها كثيراً، من باكورتي “إضاءات موسيقية وفنية”، مروراً بديواني الشعري “الفرح عنوان الأبد”، وصولاً إلى كتاب “موسيقات وفنون وثقافات”. ثمة كتابان جديدان لي سيصدران لاحقاً عندما تتحسّن ظروف لبنان الذي يمرّ بانهيارٍ متعاظم حالياً، للأسف الشديد.

 

كيف ترين واقع الأدب النسوي في المملكة من ناحية المحتوى والانتشار؟

 

الأدب النسوي في المملكة يتقدّم حالياً مقارنةً بالماضي، لا سيما في أفضية الشعر والرواية، وينتشر بشكل واضح، وثمة مبدعات سعوديات نقرأ عنهن ولهن ونحترمهن ونشجّع الأدب النسوي السعودي والعربي وأصواته الحرّة الواعدة الجميلة.

 

من خلال تجربتك في الصحافة الثقافية العربية كيف ترين مستواها عربياً وماذا تحتاج؟

 

الصحافة الثقافية هي النافذة المفتوحة على الآخَر وعلى بهاء الثقافة وأنوارها وتجلّياتها وأهمّية الفكر الوازن والفنون والإبداع، وتحتاج للحرّية المسؤولة التي تعي الضرورة، وهذه الحرّية التي لا تتوفّر دائماً إلا في بعض المنابر والمنصّات والوسائل الإعلامية، وتحتاج الصحافة الثقافية إلى دعمٍ واحتضانِ الكُتّاب فيها والكفاءات والأدمغة والطاقات ورعايتهم على الصعد كافة مع تبنّيهم، لبناء وعيٍ جديد نظيف غير هامشيّ لدى القرّاء ومحاولة الإسهام تفاعلياً في إغناء المشهد الثقافي العربي وبناء نهضة ثقافية عربية بعد انحطاطٍ طال جزءاً من العالم العربي.

 

ما إشكاليات الثقافة العربية وكيف يمكن حلّها برأيك؟

 

هذا سؤال كبير جداً وعميق لا يمكن الإجابة عنه في أسطرٍ معدودة. باختصار جداً في هذه المساحة المحصورة أقول إن ثمة فجوة حالياً عموماً بين وعي معظم النخب العربية والفعل، وثمة وعي سياسي وثقافي واجتماعي مأزوم لدى جزء كبير من الجماهير العربية، وتتأرجح الإشكاليات أيضاً بين ثنائية التقليد والتجديد، أو التراث والمعاصرة والحداثة، وسؤال كيفية الإسهام والتأثير في نظام الثقافة الكونيّ في ظل العولمة، وبين الدوغمائية والعقل التأويلي الجدلي المنفتح، وبين قداسة المنطق من جهة، ومنطق القداسة من جهةٍ أخرى، وأمور أخرى جوهرية كثيرة.

 

متى تصبح الكتابة الأدبية الإبداعية وثيقة؟

 

تصبح الكتابة الأدبية وثيقة حين تؤرّخ جزئياً مثلاً بصورةٍ إبداعية، أو توثّق أحداثاً وتحوّلات ومحطّات ولو بطريقةٍ غير مباشرة إبداعياً، أو عندما تروي حكاية شعبٍ أو بيئاتٍ فيه أو حين ترتبط بالذاكرات الفردية والجمعية أو حين ترتبط بحضارة الإنسان وتجاربه وتطلّعاته وهواجسه وأسئلته ورؤاه الواقعية والمستقبلية واستشرافه، وحين تكون طليعية في الرؤية فتتحول أثراً منقوشاً على صفحات وجه الحضارة، وفي حالاتٍ أخرى أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى