هل نجت إسرائيل من “ميني” حرب أهليّة نهائياً ام تأجّلت؟

النشرة الدولية –

النهار العربي – علي حمادة –

عاشت إسرائيل من ليل الأحد إلى ليل الاثنين -الثلثاء ساعات عصيبة، بعدما تخطت المواجهة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتوليفته الحكومية من جهة، وقسم كبير من الشارع الإسرائيلي من جهة أخرى، كل الحدود التي كان يستحيل تصورها قبل أزمة مشروع التعديلات الحكومية على قانون القضاء التي تمنح عموماً سلطات واسعة للسلطة التنفيذية، ومن خلفها الغالبية في الكنيست الإسرائيلي، قدرات واسعة تحد من صلاحيات القضاء، وعلى رأسه المحكمة العليا. وكانت موجة الاحتجاجات التي استمرت أكثر من عشرة أسابيع قد تفاقمت إلى حد بعيد، تخطى إطار الصراع بين ائتلاف في السلطة ومعارضيه، إلى درجة أن التظاهرات التي عمت البلاد في المرحلة الأخيرة، ضمت شرائح واسعة من الجمهور الإسرائيلي غير المسيّس الذي نزل إلى الشارع لمواجهة ما أسماه محاولة نتنياهو وائتلاف الأحزاب الذي يشكل الأكثرية في الكنيست تحويل إسرائيل إلى أتوقراطية دينية. وحتى ليل الأحد الفائت، تمكن نتنياهو وحكومته من احتواء الاحتجاجات، ومواصلة دراسة التعديلات في اللجان في الكنيست من أجل إقرارها. لكن كل شيء انقلب تلك الليلة مع انفجار الشارع في أرجاء إسرائيل التي شهدت أكثر من 150 نقطة تظاهر، وشاركت فيها فئات متنوعة من المجتمع الإسرائيلي من مختلف الفئات العمرية، وتنتمي إلى قطاعات مهنية متنوعة. في تلك الليلة التي شدّت انتباه العالم أجمع إلى أن شيئاً ما يحدث في إسرائيل مختلفاً تماماً عما سبق، كان منتظراً من نتنياهو أن يبادر لاتخاذ قرارات صعبة تداركاً للموقف، لا سيما بعدما ارتفعت تحذيرات من الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ من أن بلاده باتت على شفا حرب أهلية، إضافة إلى نداءات ومواقف صدرت عن ضباط في الجيش، وآخرين من الاحتياط، دون أن ننسى عدداً من رؤساء أركان الجيش الإسرائيلي، ورؤساء حكومات سابقين، ما أشار إلى أن إسرائيل كانت قد دخلت أزمة مستعصية تهدد تماسكها. وبدلاً من ذلك واصل نتنياهو مساره نحو الارتطام الكبير، لا سيما بعدما رد على انتقادات وزير الدفاع يواف غالانت الذي دعا إلى تعليق مشروع التعديلات القضائية بإقالته، فكان الانفحار الكبير على كل المستويات في الشارع، والأهم في القطاعات الإنتاجية في البلاد، ومرافق الدولة والوظيفة العامة، بدا واضحاً أن التوليفة الحكومية المتطرفة التي يقودها وزير الأمن إيتمار بن غفير ووزير المالية يتسلئيل سموتريتش إلى جانب بنيامين نتنياهو، قد وصلت إلى حائط مسدود، وأن المجتمع الإسرائيلي بمختلف شرائحه وقواه الحية يتمرد على الحكومة، في الشارع، كما في المؤسسات العامة والخاصة.

صحيح أن إقالة وزير الدفاع كانت خلافاً داخلياً، لكنها شكلت الذروة بالنسبة إلى الشارع الذي رأى فيها أن حكومة نتنياهو مصممة على المضي قدماً في فرض التعديلات القضائية، فاشتعل الشارع اشتعالاً لم يسبق أن حصل في تاريخ الكيان الإسرائيلي. وما حصل ليل الاثنين – الثلثاء على مستوى الداخل الإسرائيلي وفي الخارج على مستوى الضغوط من الولايات المتحدة وأوروبا، أجبر نتنياهو على التنازل وتأجيل البحث في التعديلات إلى الدورة المقبلة للكنيست، أي بعد شهر من الآن.

كان واضحاً أن تعنّت رئيس الوزراء الإسرائيلي ومعه متطرفو الحكومة، كان سيقود البلاد إلى عصيان مدني واسع النطاق، كان من شأنه لو حصل أن يرفع من درجة انكشاف إسرائيل أمنياً واقتصادياً إلى حد بعيد، ويشل البلاد برمّتها. لكن ضغط الشارع المدعوم بالنخب، والحلفاء في الخارج، أجبر الحكومة على تعليق قرار التعديلات بحثاً عما يمكن أن يهدئ الشارع، أو أملاً في تبريد المعارضة في الأسابيع الأربعة المقبلة. وقد تجنبت إسرائيل ليل الاثنين – الثلثاء مواجهة في الشارع بين معارضي التعديلات والشارع اليميني المتطرف المؤيد للتوليفة الحكومية.

هل انتهت الأزمة؟ بالتأكيد لم تنته بل تأجلت، لأن بنيامين نتنياهو وحلفاءه يعتبرون أن ما حصل أضعف الحكومة وقد يشلها، خصوصاً إذا ما اختلّت توازنات الكنيست الحالية التي يشكل فيها الائتلاف اليميني الحاكم أغلبية بسيطة.

انتصر معارضو نتنياهو لكن إلى حين. فالمواجهة الكبرى ستحصل بعد شهر، إلا إذا فُتح حوار بين القوى والأحزاب الرئيسية للتوصل إلى تسوية توقف التدهور الحاصل في الداخل.

زر الذهاب إلى الأعلى