الكويت أواخر السبعينيات… حقبة تنويرية بزمن الطيبين
«لابا» و«أجيال» في حلقة حوارية رابعة من «ذاكرة الأندلس»
النشرة الدولية –
الجريدة الكويتية –
محطات جوهرية وذكريات استثنائية استعادتها الحلقة الحوارية الرابعة من «ذاكرة الأندلس»، فكان أن اختزلت تاريخ الحركة الفنية والغنائية ونشاط الحركات الثقافية والطلابية في الكويت خلال مرحلة السبعينيات، التي شهدت تجلياً في الحركة الفنية والغناء، وتأسيس المسرح الحديث، إضافة إلى تألق الصحافة والمنابر الثقافية والأنشطة الطلابية والرياضية.
وسط حضور نخبوي جمع عشاق الأندلس من صحافيين وكُتاب ووجوه ثقافية معروفة، نظمت أكاديمية لوياك للفنون- «لابا» بالتعاون مع شركة أجيال العقارية، حلقة ذاكرة الأندلس الرابعة بعنوان «خاتمة السبعينيات»، طارحة آفاق المستقبل والنهضة المنشودة.
ومن خلال ثلاثة محاور أساسية، حاولت الأكاديمية الغوص في كيفية إحياء دور سينما ومسرح الأندلس، وإعادة إرساء المنارات الثقافية التي رسمت هوية الكويت في تلك الحقبة الذهبية، فسطعت كمعالم مرموقة وصلت إلى أقاصي العالم العربي.
وقد استُهلت الحلقة الرابعة بتعريف من الباحث حمزة العليان، الذي رحَّب بضيفَيه، الفنان مصطفى أحمد، أحد رموز الجيل الذهبي للأغنية الكويتية الذي أثرى الوسط الفني بعطاءاته وأغانيه، ووزير الإعلام السابق د. سعد بن طفلة.
ذكريات جميلة
وعن وقفاته الطربية الأصيلة على خشبة مسرح الأندلس، سرد مصطفى أحمد ذكرياته الجميلة عن تلك المرحلة، قائلاً: «لم نكن معتادين على اعتلاء مسارح بمستوى الأندلس، فكان الصعود الأول محفوفاً بالرهبة والخوف. لقد كانت حفلات الأندلس تقتصر على الأعياد الوطنية، وتحتضن كبار الفنانين من الراحل سعود الراشد وعبدالله الفضالة ومحمود الكويتي وعوض الدوخي، إلى جانب فنانين من دول عربية عديدة. كل هذا بفضل الشيخ جابر العلي، الذي نشر الفن الكويتي في أرجاء العالم، وأتاح للفنانين العرب أن يعرفوا الكويت ويغنوا لها».
وأضاف: «بعد ذلك، انضم إلى فناني الأندلس كل من غريد الشاطئ وعبدالحميد السيد وصالح الحريبي، قبل أن نلتحق بهذه الكوكبة، بناءً على رغبة الشيخ جابر العلي باحتضان المغنين الشباب، فكان أن غنيتُ على خشبة الأندلس، إلى جانب عبدالمحسن المهنا وعبدالكريم عبدالقادر وحسين جاسم».
وبعد عرض مقطع من أغنية «مادرينا بك»، التي أداها الفنان مصطفى أحمد خلال حفل أقيم بمناسبة دورة كأس الخليج في الكويت عام 1976، استذكر أحمد تلك الحفلة، التي نُظمت في سينما الأندلس على شرف الفرق المشاركة، قائلاً: «غنيتُ حينها (سرى ليلي سرى) وغيرها، وكان المشرف على الحفلة الراحل محمد السنعوسي، الذي خصص مجموعة من الفتيات للرقص على المسرح، وطلب إعادة هذه الأغنية خمس مرات».
مصطفى أحمد الذي سجل أول أغنية له (ليش تنسى الأيام) عام 1963 في برنامج «ركن الهواة»، كان أن انطلق بمسيرته الفنية أواخر عام 1964، ليعاصر بذلك الحقبة الذهبية للأغنية الكويتية في عقدَي الستينيات والسبعينيات، ويترك بصمات واضحة في الطرب والغناء وفن السامريات. ورأى أن «الأغنية الكويتية كانت مميزة خلال الستينيات، في إيقاعها ولحنها وكلماتها، بحيث يدرك المرء هويتها بمجرد سماعها، سواء كانت أغنية كويتية أو سعودية أو إماراتية أو قطرية، لكن اليوم، مع الأسف، لم يعد للأغنية الكويتية هوية تحت ذريعة التطور و(الجمهور عايز كذا)، وضاع بالتالي ثقل الكلمة. لقد أصبح جيل الستينيات والسبعينيات وأغانيه من الذكريات».
وإذ استذكر زمنهم الجميل، عبَّر الفنان الكبير، الذي لُقب بـ «فتى الكويت»، عن سعادته بأغانٍ أداها قبل 40 و50 عاماً، ضمنها «ترى الليل عودني»، وهي أغنية سامرية ما زالت تُغنى لليوم في الأفراح والمناسبات والجلسات الخاصة. وعن تعامله مع العديد من الملحنين من أبناء الكويت ومن الخليج ومصر، تحدث عن «تفاهم كبير مع المؤلفين والملحنين الكويتيين، غير أن العمل كان ينتابه الكثير من التغيير والتعديل، في حين أن أغنية (سرى ليلي سرى) تعاونت فيها مع إخواننا السعوديين، وأُنجز العمل بسرعة».
من جهته، عاد العليان بالذاكرة إلى عام 1977 حين زارت الفنانة الإيرانية غوغوش الكويت لإحياء حفل فني، وستعود اليوم إلى أرض الكويت بعد 46 سنة، وكان ذلك حينها دلالة على مدى حيوية الكويت والمجتمع والحركة الفنية والثقافية، ومدى انفتاحها وتطورها، حيث كانت تأتي بأهم المطربين في منطقة الشرق الأوسط، لإقامة حفلات على مسرح الأندلس وغيره.
بدوره، أثنى د. سعد بن طفلة على سلسلة حلقات ذاكرة الأندلس، ورأى أن «العبور نحو التغيير والمستقبل يعد من أصعب الأمور. فقد وصلنا إلى طريق مسدود، وندور في حلقة مفرغة، ونكرر نفس التجربة على مدى الستين سنة الماضية، وكل مرة تزداد الأمور تعقيداً».
واستطرد: «أصبحتُ أؤمن بعد الربيع العربي أن الحرية الاجتماعية مقدمة على الحرية السياسية، خصوصاً بعد أن أتت قوى لا تؤمن إلا بالوصول للسلطة عن طريق الحريات السياسية، لتصادر كل أنواع الحريات الاجتماعية، بما في ذلك الفن والثقافة».
النهضة الثقافية
بدوره، توجه الكاتب خالد الطراح -أحد الحاضرين- بالشكر إلى أكاديمية لابا، ورئيسة مجلس الإدارة والعضوة المنتدبة للوياك و«لابا» فارعة السقاف، على تنظيمهم الندوة، معتبراً أن «الإعلام الرسمي لا يكترث للثقافة أو للتصدي للغلو والإرهاب الفكري، لكن لا يمكننا أن نغفل الدور الذي لعبه تشرذم العمل السياسي والمدني، حيث نجد القوى المستنيرة لا تقف بجانب بعضها البعض. فنحن اليوم أسرى الماضي، لا نقدم مشروعاً ثقافياً مستنيراً يكون هو البديل».
وفي ختام الحلقة، لفتت السقاف إلى أن «الهدف من الندوات ليس الندب والبكاء على الماضي، بل استعادة الذاكرة، علنا نشعل شمعة وسط الظلام الذي زحف علينا منذ التسعينيات».
وأشارت إلى أنه «منذ تأسيس لوياك ولابا نواصل المحاولات لمواجهة التحديات، ويُحسب لشركة أجيال تبنيها مشروع الأندلس. ورغم أن محاولاتنا ليست بالقوة المنشودة، لكن مساعي المجتمع المدني ما زالت قائمة وجديرة بالتشجيع، وهناك مبادرات عديدة برزت عامي 2013 و2014 حتى عام 2019، لكنها اندثرت عام 2020 بعد جائحة كوفيد 19 وما زالت تصارع».
وناشدت الحكومة أن تعي «أهمية دعم المشروع الثقافي، الذي يحتاج إلى ضخ الأموال، وبالتالي ضرورة ضلوع القطاعين الخاص والمدني بالنهضة الثقافية، فهي ليست مشروعاً أحادياً يقتصر على الدولة، وعندما كان المجلس الوطني للثقافة يحرص على تلك الأهمية، كنا نشهد انتعاشاً أفضل. فالحكومة مطالبة اليوم باللحاق بمجلس التعاون الخليجي، الذي نجده في حالة سباق لجهة المشروع الثقافي. على الكويت أن تختار مسارها، خصوصاً أننا كمجتمع مدني مرهقون مادياً، لكننا أخذنا على عاتقنا مسؤولية الاستمرار في السباحة عكس التيار بالشراكة مع بعض المؤسسات، كمركز الأندلس، الذي يحتضن هذه الندوات الثقافية، ولن نتوقف في سبيل إحياء نبض الفنون والثقافة في الكويت».
وتخلل الحلقة الحوارية عرض مشهد من دفعات التجنيد الإجباري بالتزامن مع موسيقى الجيش، وما تمثله من ذكريات جميلة وتجربة جديرة عززت الانصهار، وأعطت صورة رائعة عن المجتمع الكويتي، وإمكانية تحفيزه نحو عمل وطني جماعي أفضل.