“للا السندريلا” من قصة عالمية إلى سلسلة هزلية تفتقر لعنصر الإضحاك
كوميديا مشتتة بنص وحوار يقتربان من الابتذال
النشرة الدولية –
العرب – حنان مبروك –
ضمن السباق الرمضاني هذا العام، تنافس السلسلة الهزلية “للّا السندريلا” التي تسقط قصة سندريلا الشهيرة على الواقع التونسي محاولة تقديم عمل كوميدي ساخر يفوز فيه الشر على الخير وينتقد العديد من القضايا والمشكلات من المجتمع التونسي.
تتخذ المسلسلات الهزلية أهمية كبرى ضمن برمجة القناة الأولى التونسية، حيث عودت متابعيها من التونسيين الذين دأبوا على مشاهدة منوعاتها خلال الإفطار على متابعة المسلسلات الهزلية مباشرة بعد أذان صلاة المغرب، ولاقت الأعمال التي عرضتها طوال العقود الماضية شهرة لا تزال مستمرة حتى أنها تعيد بث البعض منها بشكل دوري ولعلّ أشهرها سلسلة “شوفلي حل” التي ما زالت تجذب عددا كبيرا من المشاهدين.
هذا العام، اختارت القناة أن تبث سلسلة جديدة ومختلفة، عنوانها “للا السندريلا” وهي من إخراج المصري إبراهيم فخر الذي أخرج في السابق العديد من المسلسلات من أشهرها “زلزال” بطولة محمد رمضان ومسلسل “خيط حرير” بطولة مي عزالدين.
والمسلسل من إنتاج سونيا بن بلقاسم وبطولتها إلى جانب ثلة من النجوم منهم دليلة المفتاحي وياسين بن قمرة وسماح السنكري وفرحات هنانة ومحرز حسني ويسرى المناعي وحنان الشقراني.
قد يظن أحدنا بمجرد معرفة عنوان السلسلة الهزلية أنها تحكي قصة سندريلا الشهيرة، تلك الفتاة الطيبة، فائقة الجمال، يتيمة الأم، والتي يقرر والدها الزواج من امرأةٍ لتساعده في تربية ابنته؛ نظرا لانشغاله بأعماله، فتزوّج من امرأة لديها فتاتان اسمهما كاترين وجانيت يتسمن جميعهن بكرههن للفتات وشرّهن المطلق، حيث يعاملن سندريلا أسوأ أنواع المعاملة، ويجعلنها تعمل كالخادمة في منزلها بمجرد خروج والدها من البيت، يقدمن لها أسوأ أنواع الطعام والثياب ويرغمنها على النوم في الغرفة العلوية.
يظل حال سندريلا هكذا إلى أن تساعدها ساحرة في حضور حفل اختيار عروس للأمير شارل. يعجب بها الأمير لكنها تضطر للمغادرة عند الساعة الثانية عشرة، تاركة خلفها فردة حذائها البلوري، فيقرر الأمير البحث عن صاحبة الحذاء إلى أن يجدها ويتزوج بها، وينقلب حال سندريلا.
لكن السلسلة لم تستمد من قصة سندريلا سوى الاسم والفكرة العامة وبعض التفاصيل الأخرى.
فللّا السندريلا هنا هي فتاة تونسية شديدة الذكاء والدهاء، هي من تمارس المقالب وتعرقل حياة زوجة والدها وابنتيها، وهي من تلاحقها الشرطة لانشغالها الدائم بالسرقة وتورطها في مشكلات لا حد لها.
في للا السندريلا، يغيب الأب كليا جراء وفاته، تحضر الفتاتان نانسي وهيفاء، كإحالة على كاترين وجانيت، واللتان سميتا هكذا لظن والدتهما أنهما يشبهان الفنانتين نانسي عجرم وهيفاء وهبي.
تمتلك نانسي وهيفاء سلوك كاترين وجانيت المستفز نفسه، ذلك السلوك الذي يراوح بين الغباء والدلال المبالغ فيه. ويحضر “البواب” الذي يجسد شخصيته الممثل فرحات هنانة والذي يرغمه صمته على سر كبير على تحمل تصرفات الأم “فيفي” وعيش حياة الذل إلى أن تطرده من منزلها.
المسلسل كغيره من المسلسلات التونسية ذهب إلى إبراز صورة مشوهة عن المرأة التونسية رغم أن العمل بإشراف نسائي
في هذه السلسلة التونسية، يتحول الأمير شارل إلى ضابط شرطة يدعى “أمير” يحب سندريلا على إثر علاقة تجمعه بها عبر الهاتف والتي توهمه خلالها أنها ابنة وزير الداخلية، لكنه في الحقيقة يراها يوميا ويلاحقها للزج بها في السجن بعد تعدد سرقاتها وتورطها في مشاكل على علاقة بالإرهاب وغيره.
وسبق أن أوضحت منتجة المسلسل سونيا بن بلقاسم أن حلقات القصة مبنية على المغامرات الكوميدية والتشويق الخفيف على المتابعين، ولا تخلو من الرومانسية، كما اعتمدت القصة المزج بين قصة “سندريلا” الخيالية وبطلة قصتنا “سندريلا” الحقيقية، لكن شتان بين هذه وتلك.
وبالفعل تخوض البطلة رحلة لا تنتهي من المغامرات، تلاحقها فيها الشرطة في كل مكان لكنها تفشل دائما في الإمساك بها ووضع حد لمسلسل السرقات النسائية المتكررة في المنطقة.
في القصة الأصلية، العمل مجرد رواية لحكاية خيالية جميلة ينتصر فيها الخير على الشر، لكن السلسلة التونسية تأتي كوميدية ساخرة، تضع إصبعها على الداء في الكثير من القضايا، كمسألتي الرشوة والفساد اللتين تنتشران في قطاع الوظيفة العمومية وحتى في صفوف العاملين في الأمن، وسلوكيات سائقي سيارات الأجرة “التاكسي”، وتحول الحدائق العمومية والمناطق الخضراء إلى مكب للنفايات، وحتى شركات صناعة مواد التجميل الطبيعية التي يمتهن بعضها الغش والترويج لخلطات وتركيبات تضر البشرة ولا تنفعها.
في هذه القصة، الشر هو الفائز دوما، والحيلة هي سلاح سندريلا لتخرب حياة الجميع.
لئن كانت قصة العمل ككل، جاذبة للانتباه، حيث تطرق لمواضيع متنوعة تهم التونسيين باقتضاب وسخرية سوداء، لكنه وقع في مشكلة أخرى وهي الكم الهائل والمكثف من القضايا والمشاكل والمواضيع التي قد يتطرق إليها في الحلقة الواحدة فتجعله يمر على بعضها مرورا سريعا بينما يأخذ مساحة زمنية أطول في الحديث عن بعضها الآخر، مما جعل السيناريو مرتبكا ونسق الأحداث وزمن الحكاية غير متوازنين.
كذلك جاء الحوار في هذا العمل، فهو لم يلتزم بالثيمة العامة ولم يكن في أغلبه كوميديا، بل سقط في العديد من المواضع (حتى الحلقة العاشرة من المسلسل) في الابتذال وفي الميل نحو اعتماد حوار بذيء خاصة في حالات الشجار باعتماد الممثلين لكلمات بذيئة مثل “ترهدين (نفاق) النساء، يا كلبة، يا رقاصة ليلتك بـ100 دينار، يا بايرة (عانس) ” وغيرها من الكلمات والإيحاءات الحركية التي لا ترتقي لتكون مادة فنية ضمن سلسلة هزلية تقدم للأسرة التونسية خاصة منها الأطفال المجتمعين لمشاهدة سلسلة عائلية على مائدة الإفطار.
مواقف الممثلين وحركات أجسادهم هي الأخرى لم تكن كوميدية في أغلب المشاهد، بل أحيانا تكون أقرب للتهريج من الكوميديا، وبعضها لم تكن سوى أصوات مرتفعة وصراخ مبالغ فيه.
ويمكن القول إنه كان من الأفضل لو تم التطرق إلى مشاغل المواطن والمواقف الحياتية بأسلوب ساخر فعليا حتى تكون الابتسامة تلقائية والضحكة مباغتة وتظهر مدى حرفية الفنان الكوميدي من خلال تقديمه صورة كاريكاتيرية تلقائية للمتفرج تراعي تغير الزمن حتى في توظيفها للمؤثرات الموسيقية فليس الموقف المضحك منذ عشر سنوات هو الذي يضحك المتفرج اليوم.
وذهب المسلسل كغيره هذا العام من المسلسلات التونسية إلى إبراز صورة مشوهة عن المرأة التونسية رغم أن العمل بإشراف نسائي، ويغلب على طاقمه الحضور الأنثوي، يظهر ذلك جليا من الحوار المعتمد وتقنية الوصف المتعمد لسلوكيات النساء، فحتى الحلقة العاشرة منه لم يتطرق إلى أي امرأة كان لها حضور ضمن سياق الأحداث بوصف يثمن قيمتها وإنجازاتها، بل تتعمد سندريلا رمي عبارات هنا وهناك تنتقد النساء من لباسهن وصولا إلى سلوكهن الروتيني.
وربما يمكن ربط هذا التقصير باستئثار منتجة العمل بكل الأدوار المهمة فيه فهي صاحبة الفكرة والمؤلفة والبطلة والمنتجة في آن واحد، والجمع بين كل هذه الأدوار قد يسهم في خروج العمل عن غايته الأساسية في شكله النهائي، وهذا لا ينطبق فقط على “للا السندريلا” بل حصل مع العديد من الأعمال حتى العربية منها فكلما احتكر فرد واحد أهم الأدوار كلما كان العمل حين عرضه على الجمهور غير محكم وفيه حلقة مفقودة.
ورغم ذلك تقدم السلسلة الهزلية صورة جميلة، وأزياء مختارة بعناية، وتظل مقارنة بما تعرضه القنوات التونسية هذا العام عملا مقبولا لا ينحو نحو الكثير من العنف اللفظي والسلوكي.