في خلفيات “الحماسة” لفرنجيّة… شبهة شراكة لبنانيّة بين فرنسا و”حزب الله”
فارس خشان

النهار العربي –

النشرة الدولية –

من الصعب أن تنجح فرنسا في إنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وفق ما ترتئي أنّه “الأنسب”، لأنّ قوى وازنة في الداخل والخارج، تشتبه، بناءً على أدلّة متوافرة لديها، بأنّ باريس باتت تجد مصلحتها في إقامة شراكة حقيقيّة مع “حزب الله” بصفته الطرف القادر على “العطاء”.

وقد مُنيت فرنسا، منذ دخولها بقوة إلى الملف اللبناني، بعد انفجار مرفأ بيروت، في الرابع من آب (أغسطس) 2021، بخسائر معنويّة فادحة، وإن كانت قد حققت بعض الصفقات التجارية والاقتصادية الناجحة، كـ”دفعة على الحساب” من المكاسب التي يمكن أن تحصدها بواسطة شريكها اللبناني الجديد.

ومن يدقق بمسار الأمور، يكتشف أنّ المبادرة الفرنسية التي حملها الرئيس إيمانويل ماكرون، حققت عكس أهدافها، فهي رفعت لواء التحقيق اللبناني في انفجار مرفأ بيروت، فتفجّر القضاء تحت ضربات “المشتبه بهم”، وهي سلّطت سيف النقمة على الطبقة السياسيّة اللبنانيّة، فإذا بها تعوّمها وتعيد الاعتبار إليها وإلى أدوارها وتدعم رمزًا من رموزها لرئاسة الجمهوريّة، وهي حملت لواء حكومة الاختصاصيين المستقلّين، فإذا باللبنانيّين يجدون أنفسهم متورطين بحكومتين مشكلتين من مندوبي القوى السياسيّة المتورطة بانهيار البلاد.

وقبل ظهور نتائج الدخول الفرنسي القوي إلى لبنان، كانت لـ”أمّ الحنون” جماهير مؤيّدة، أخذتها الحماسة إلى مستوى “استجداء” ماكرون أن يعيد الانتداب إلى “بلاد الأرز”، ولكن في ضوء ما تكشّف، خسرت فرنسا الجميع.

وما تقوم به الرئاسة الفرنسيّة حاليًا، في موضوع تذليل العقبات أمام وصول مرشّح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهوريّة، لا يختلف كثيرًا عمّا قامت به، في فترة “المبادرة الفرنسيّة”، فهي، يومها، ومن دون أن تكشف “طبّتها”، تحرّكت، وفق ما يريح “حزب الله”، وعادت ورعت كلّ ما يطلبه. حاليًا، ومن دون أيّ اكتراث بإخفاء تنسيقها مع “حزب الله”، تعمل لإنجاز استحقاق رئاسي، بمعطيات تثير غضب من يفترض بهم أنّهم كانوا الأقرب إليها، معتبرة أنّه لولا قنوات تواصلها مع “حزب الله” لما كانت قد لعبت أيّ دور في توصّل لبنان وإسرائيل، بالوساطة الأميركيّة، إلى اتفاق الترسيم الحدودي البحري، فاستحقت تنويه الرئيس الأميركي جو بايدن.

ولا تختلف الأهداف التي سبق أن تضمّنتها المبادرة الفرنسية عن تلك التي تحملها مساعيها الرئاسيّة، ولكن، بدل أن تنكب باريس على تشريح الأسباب التي أدت إلى انهيار الوضع اللبناني، بعد المبادرة، بأضعاف عمّا كان عليه قبله، عادت وحملت الأهداف نفسها وراهنت على “الأحصنة” نفسها. وهذا النهج الفرنسي، أفقد دورها جاذبيّته، فـ”الشريك الجديد” يستغلّها لتكريس هيمنته على لبنان، فيما “الأصدقاء القدامى” لا يجدون حرجًا في إعلان رفضهم لما تقوم به، وسط عدم اكتراث شعبي، لأنّ وعود “الجنّة الفرنسيّة” ظهرت كأنّها مجرّد ” بناء قصور في إسبانيا”!

ويبدو واضحًا أنّ “حزب الله” يعزف على الوتر الفرنسي، إذ إنّه لم يكتفِ بالإعراب عن “حبوره” بتوقيت استقبال باريس لفرنجية، على اعتبار أنّه أتى بعد إسقاط القوى المناوئة له لـ”التوقيت الشتوي” و”تلزيم المطار”، بل انقض على أكثر المرشحين “الوسطيّين” جدية، أي الوزير السابق جهاد أزعور الذي يملك “مواصفات المرحلة”، نظرًا لخلفيته المالية والاقتصادية، وذلك بعدما حمل اسمه إلى باريس رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، بالتزامن مع تثبيت خياره الحاسم ضد وصول فرنجيّة “المساوي في جوهر التحدّي” للمرشح ميشال معوّض.

إنّ وضع “حزب الله” للماء في “طاحونة فرنسا”، لم يكن من خلال رفض أزعور، بل من خلال هجوم سبق أن خفت طويلًا، شنّه رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” على “صندوق النقد الدولي”، ما أعطى باريس حجة جديدة لتسويق فرنجية، على اعتبار أنّ أيّ مرشح غيره، ما لم يحظ بموافقة “حزب الله”، فسوف يؤدّي إلى كوارث، إذ إنّ الحزب لن يسهّل لأحد آخر إمكان التوصل إلى اتفاق حقيقي مع “صندوق النقد الدولي”، مفتاح الإنقاذ في لبنان.

ولكنّ القوى المناوئة لـ”حزب الله” ليست في وارد التسليم بأيّ دور يمكن أن يُخرجها مهزومة من معركة الرئاسة، وهي، من أجل ذلك، بدأت تصعّد مواقفها، ولو بوتيرة مضبوطة حتى تاريخه، ضدّ فرنسا، وتعرب عن اعتقادها بأنّ وصول مرشح “الثنائي الشيعي” أسوأ من الشغور الرئاسي، وتحضّر الأرضية لتحالف “موضوعي” هدفه منع وصول فرنجيّة إلى الرئاسة.

صحيح أنّ القوى المناوئة لـ”حزب الله” ما زالت عاجزة عن التوافق على مرشّح موحّد، ولكنّ الصحيح أكثر أنّها متيقنة بأنّها لا بد ّ من قطع الطريق ليس على سليمان فرنجيّة، بصفته الشخصيّة، بل على سليمان فرنجية بصفته “الختم” الذي ستمهر به فرنسا شراكتها اللبنانيّة مع “حزب الله”.

ولا يمكن الاستهانة بـ”عناد” هذه القوى، فهي نفسها في عام 1988، أسقطت مرشح اتفاق الولايات المتحدة الأميركية ونظام حافظ الأسد، بظروف أكثر تعقيدًا من الظرف الراهن، وهي لن تتأخّر، مهما كان الثمن، في إسقاط مرشح اتفاق فرنسا و”حزب الله”!

زر الذهاب إلى الأعلى