مرض كراهية التجّار
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
يدعو البعض، وبسذاجة مفرطة، إلى محاربة التجّار، وربما القضاء عليهم، غير مدركين دور التجّار أو رجال الأعمال في المجتمع والاقتصاد. فلولاهم، خاصة مع بداية نشأة الكويت، وتمويلهم لمالية الدولة بما كانوا يدفعونه من ضرائب، مع منتصف القرن الـ19، وحتى بدأ إنتاج النفط فيها، لما كانت الكويت على ما هي عليه الآن.
يتناسى أو ينسى البعض ان كل المشاريع الحيوية الأولى، من بنوك وشركات طيران وغذاء وتأمين ونقل، كان وراءها تجار، وهذا من طبيعة الأمور، فتأسيسها ليس من مسؤولية الطبقات الأخرى، ولا حتى ملاك الأراضي والودائع، بل من صميم عمل التجار، الذين لديهم المال والدراية والرغبة في المغامرة.
ولو تخيلنا، بطريقة كاريكاتيرية، أن الدولة قضت على كامل طبقة التجار، وقامت بزيادة رواتب موظفي الدولة عشرة أضعاف، وأسقطت الديون، فإن الأموال التي بين يد الأفراد سوف لا تعني شيئاً، في غياب التاجر الذي يسعى ويغامر ويخاطر ليستورد الملابس ومواد البناء والأغذية والأدوية وملايين السلع الأخرى!
وما لا يود البعض فهمه أن التجارة لا تختلف عن أية مهنة أو وظيفة أخرى. فكما أن هناك تاجراً سيئاً، فإن هناك طبيباً ومهندساً وسائق سيارة يماثلونه في السوء، وهكذا.
***
في عدد القبس 3 مايو 1974 عقدت دورة في غرفة التجارة، أي قبل نصف قرن، عن «الفوائض النفطية»، وأدلى في ختامها نخبة بخلاصة آرائهم في هذا الموضوع، حيث بدأ الراحل عبدالرحمن العتيقي كلمته رافضاً قبول اللوم بأن دول النفط العربية مقصرة في استثمار أموالها عربياً، وبيّن أن جميعها لم تكن لديها فوائض باستثناء الكويت، ومع أن من الواجب استثمار أموالها عربياً، غير أن انتقال الأموال لهذا الغرض يتطلب الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهذا ما لم يكن متوافراً، وكان ذلك أمراً معيقاً أمام الاستثمار.
تحدّث بعده الراحل، رئيس غرفة التجارة عبدالعزيز الصقر، وتعرّض لمشكلة تزايد السكان في العالم، فدعا إلى التركيز على الزراعة في العالم العربي لتحقيق الاكتفاء. وعن مجالات الاستثمار في العالم، قال إنها واسعة وإنها تستوعب فوائض النفط، وقال إننا بحاجة إلى كثير من التنسيق، وذكر صعوبات المواصلات في العالم العربي، كما أكد ضرورة توفير الكوادر البشرية المدربة، وبيّن أن أسطول ناقلات النفط الكويتي لا ينقل إلا 2.7 في المئة من الإنتاج.
وتحدّث بعده محافظ بنك الكويت المركزي، السابق، السيد حمزة عباس، فقال إن التنمية على المستوى العربي يجب أن تتم من خلال شركات استثمار مشتركة تقوم بدورها إلى جانب صناديق الإنماء الحالية.
وتحدّث بعده المرحوم أحمد الدعيج، مطالباً بتعليم الإنسان وتدريبه والاهتمام بصحته أولاً.
***
من كل ذلك نرى أن اهتمام «غرفة التجارة» بتنمية الاقتصاد وإقامة المشاريع الكبرى ليس وليد الساعة، بل يعود إلى عقود طويلة سابقة. والتجار هم بناة الدولة وعمودها الفقري، اقتصادياً وعمرانياً!
ملاحظة: الوحيد الذي بقي على قيد الحياة، من بين المتحدثين أعلاه، هو الأستاذ حمزة عباس، أول مدير لمجلس النقد، وأول محافظ للبنك المركزي الكويتي، وأكثر شخصية محترمة ظُلمت، ولم ينل ما يستحق من تقدير، بالرغم من تاريخه المهني المعروف والمشرّف.