جمال الشعر العربي في الحب، وسفير القصيدة الدكتور عبد العزيز خوجة
بقلم: ناهد الأغا
النشرة الدولية –
الجزيرة السعودية –
الحب سر كبير وجميل وهو أسمى مشاعر الحياة يدغدغ القلب بشعور خفي لاتتغنى به إلا من استشعرته وعاشت هيامه فسطرت أحاسيسَ يصعب تفسيرها حتى على اللغة والإعراب.
على الكون الشاسع ولياليه الحالكة بامتداده الواسع ولياليه حالكة السواد.
هي ساعي البريد والحمام الزاجل محملاً بأنّات المحبين وآهات العاشقين إلى المتيمين وهي متنفس الحياة والمعراج الذي يعرج حاملاً معه همسات الحيارى إلى السماء حيث لا وجود لعذال الهوى وبصبصة الحاسدين.
هي الأنثى وكل أنثى هي ملهمة الشعراء في محطاتهم الغزلية من أجل وجود يخفق بالحب ويتغزل بالحياة، فأستعيد هنا أطلال قصائد شعراء مجيدين في كل العصور، استهلت معلقاتهم بالجاهلية، وقصائدهم بما تلاها من عصور بذكر الغزل والتشبب بالمرأة، والتي بها يطيل الشاعر ويطيل في وصف أعذب ما جاس في نفسه ووجدانه، وإحساسه، لما في ذلك من ميل للنفس، ومكانة في القلوب وقربٍ في خاطر كل شخص، فالبرغم من الفراق والبعد، وقف إمريء القيس وقفة الحنين والاشتياق، واستهل معلقاته الخالده، في قوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وبها عَرفَ الشعراء موطنهم وديارهم، فكأنما اختزل المكان بوجه وأثر المحبوبة فعنترة بن شداد، في مقدمة معلقته، يتساءل ويبحث عن أثر ديار محبوبته، التي لم يعد يرى شيئاً فيها سواه، ويقول:
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ
أم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي
وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا
بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ
وليس المشهد ببعيد عما قاله الشاعر المخضرم حسان بن ثابت رضي الله عنه، الذي يرى أن ديار سلمى لم تُحلل، وأنشد قبل إسلامه قائلاً:
أسَأَلتَ رَسمَ الدارِ أَم لَم تَسأَلِ
بَينَ الجَوابي فَالبُضَيعِ فَحَومَلِ
فَالمَرجِ مَرجِ الصُفَّرَينِ فَجاسِمٍ
فَدِيارِ سَلمى دُرَّساً لَم تُحلَلِ
وبعدما أسلم وحَسُنَ إسلامه، ذكر الأطلال المشوبة بذكر المرأة، وأثرها في النفس، وأنشد قائلاً:
عفتَ دِيارَ زَينَبَ بِالكَثيبِ
كَخَطِّ الوَحيِ في الرَقِّ القَشيبِ
فَأَمسى رَسمُها خَلَقاً وَأَمسَت
يَباباً بَعدَ ساكِنِها الحَبيبِ
إلى أن وصل المطافُ بي إلى شاعر مُجيد سفير القصيدة عبدالعزيز الخوجة، وأبدع شعراً في أبيات وجيزةٍ، متغزلاً ًبعفة ورقي، وعنفوانٍ بمن جادت عليه بأجود التعاليم، وأنفس الأحاسيس، وأفضل التجارب،، فقال:
من عَلَّمَنِي الحب؟
من عَلَّمَنِي أنْ أكْتُبْ
من تِلْكَ الأُنثى جَاءَتْ وسَقَتْنِي الحُبَّ الأَعْذَبْ؟
مَنْ فَتَحَتْ أَبْوابَ فُؤادي المُتْعَبْ؟
مَنْ حَكَمَتْ؟ مَنْ أَمَرَتْ؟
من أبْكَتْنِي إنْ شاءَتْ؟
مَنْ جَعَلَتْنِي أَطْرَبْ؟
مَنْ قالتْ لا مَنْجَى مني.. لا مَهْرَبْ؟
مَنْ قالَ أسَاسًا أنِّي يَوْمًا أهْرَبْ؟
مَنْ أَسْقَتْنِي كأسًا أشْرَبُها نَشْوانًا لا تَنْضَبْ يا أُنثي؟
يا أجْمَلَ حُبٍّ في تاريخِ العِشْقِ ولَمْ يُكْتَبْ
يا أُنْثَى، يا أحْلَى أنْثَى في الدُّنْيَا في كلِّ المَشْرِقِ والمَغْرِبْ
إنِّي أهْوَاكِ وأهْوَاكِ وأهْوَاكِ
قسمًا بِجَمَالِكِ لا أَكْذِبْ
أراه أجمل حب في تاريخ العشق لم يكتب، لأن الحروف التي يكتبها القلب، يصعب على كل المظان التاريخية قراءتها وفك لُغزها، لأن القلب نبض فخفق، فعشق، فهام، فمات، ولابواكي له، لأن دمعة من مات القلب لأجلهم عند الحق غالية، ومثلهم لا يليق لهم البكاء، ولا يصلح الوقوف باكيا ًعلى بابهم، فإن الباب الذي عرفوه وعرفهم لا يُغلق في وجه قلب متعب هائم، ويُشرع بابه في اليقظة والنوم، والحقيقة والخيال.
حقاً هو لغة ومصطلحات، تسحر العقول والأفئدة، وترحل بهم إلى عالم من الخيال، وكأن المُحب ذاهب عقله، صدق مجنون ليلى، حين قال:
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم
العشق أعظم مما بالمجانين