أوكرانيا تقسم العالم طاقيا إلى قسمين!
بقلم: أنس بن فيصل الحجي
ارتفاع كبير في واردات الصين من النفط السعودي والإيراني بعد الإعلان عن الاتفاق بين الرياض وطهران
النشرة الدولية –
كان من أحد أهم نتائج الهجوم الروسي على أوكرانيا والعقوبات التي تبعته أن العالم انقسم إلى قسمين، بعد أن تغيرت اتجاهات التجارة العالمية في النفط والغاز والفحم. فهناك من يستورد من روسيا، وهناك من استغنى كلياً أو جزئياً عن روسيا وبدأ الاستيراد من دول أخرى. وعلى رغم أن الدول الأوروبية ما زالت تستورد النفط الروسي بطريقة أو بأخرى على رغم العقوبات، فإن هناك انقساماً آخر، وهو أنها انتقلت من شراء الغاز الروسي عبر الأنابيب إلى شراء الغاز الروسي المسال، ومن شراء البنزين والديزل الروسي إلى شرائه من الصين والهند وبعض دول الخليج.
إلا أن هناك تطورات جديدة ومهمة في أسواق النفط، بخاصة في ما يتعلق بواردات الهند والصين، وخصوصاً من روسيا والسعودية وإيران.
ما يميز الهند عن غيرها من الدول هي معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة التي أدت إلى زيادة طلبها على النفط بشكل ملحوظ. وتشير بيانات نشرتها “رويترز” إلى ارتفاع الطلب على الوقود في الهند بمقدار خمسة في المئة خلال شهر فبراير (شباط)، ووصل الطلب على النفط إلى أعلى مستوى له تاريخياً، بحسب إحصاءات الحكومة الهندية. وعزز من ذلك قيام شركات التكرير المستقلة باستيراد كميات إضافية من النفط الخام الروسي لإعادة تصديرها على شكل منتجات نفطية. وتشير البيانات إلى ارتفاع صادرات المنتجات النفطية من الهند إلى أوروبا. ويذكر أن الحظر الأوروبي على النفط الروسي لا يشمل المنتجات النفطية المكررة في بلد آخر، وهذه أحد ألاعيب الأوروبيين للحصول على المنتجات النفطية، بينما يتظاهرون بأنهم يعاقبون الروس. بعبارة أخرى، عملية “غسل النفط” الروسي مقبولة رسمياً في أوروبا بحسب اتفاقية العقوبات.
فقبل الهجوم الروسي استوردت الهند نحو 100 ألف برميل يومياً من روسيا، وكان العراق هو المصدر الأول للهند، إلا أن الخصومات الكبيرة على النفط الروسي جعلت الهند تتحول إلى استيراد النفط الروسي بكميات كبيرة ومتزايدة شهراً بعد آخر، حتى وصلت الواردات إلى نحو مليوني برميل يومياً. وتشير بيانات شركة “كبلر”، وهي شركة متخصصة في مراقبة حركة السفن حول العالم، إلى أن متوسط واردات الهند من روسيا في الربع الأول من العام الحالي بلغ 1.7 مليون برميل يومياً. وجاء العراق في المركز الثاني بمقدار 949 ألف برميل يومياً، ثم السعودية في المركز الثالث بمقدار 829 ألف برميل يومياً.
وعلى رغم أن زيادة واردات الهند من روسيا جاءت على حساب العراق جزئياً، فإن الخاسر الأكبر هو الولايات المتحدة، إذ انخفضت واردات الهند من الولايات المتحدة من نحو 500 ألف برميل يومياً في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى نحو 100 ألف برميل يومياً في شهر مارس (آذار) الماضي. وحصل انخفاض مماثل عندما انخفضت الواردات من الولايات المتحدة إلى نحو 200 ألف برميل يومياً في الصيف الماضي، ولكن تدخل وزارة الخارجية الأميركية جعل الهند ترفع وارداتها من الولايات المتحدة. فما هو موقف الأميركيين الآن؟ هم من دافعوا عن الهند وقالوا إنها تشتري النفط الروسي تحت السقف السعري، مقابل أن تشتري النفط الأميركي، والآن انخفضت وارداتها.
وعلى رغم زيادة الصين استيرادها من النفط الروسي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فإنه من الملاحظ ارتفاع كبير في واردات الصين من النفط السعودي والإيراني بعد الإعلان عن الاتفاق بين الرياض وطهران على عودة العلاقات الدبلوماسية برعاية بكين. فقد قفزت واردات الصين النفطية من السعودية من 1.4 مليون برميل يومياً في فبراير إلى 1.86 مليون برميل يومياً في مارس، وهي زيادة تقارب نصف مليون برميل يومياً. وفي الوقت نفسه زادات واردات الصين من إيران من 758 ألف برميل يومياً إلى 973 ألف برميل يومياً، بزيادة تجاوزت 200 ألف برميل يومياً. والملاحظ أن الزيادة في شهر مارس كنسبة متقاربة لكلا البلدين، خصوصاً إذا تم حساب النفط الإيراني الذي يأتي إلى الصين عبر دول أخرى.
وفي الوقت الذي لا يمكن فيه تجاهل العوامل السياسية في زيادة واردات الصين من كل من السعودية وإيران، فإن بعض المتخصصين أشاروا إلى أن النفط الإيراني يباع بخصومات أكبر من النفط الروسي، ومن ثم فهناك طلب عليه، بخاصة من المصافي المستقلة في الصين، ولهذا يتوقع أن يزيد الطلب الصيني على النفط الإيراني. كما أن الزيادة الأخيرة في واردات الصين من السعودية جعلت مستوى الواردات في مارس مماثلاً لما كان عليه في ديسمبر الماضي، ومن ثم فلا جديد في هذه الزيادة، ولكن إذا كانت هذه الحالة فلماذا زادات الصين وارداتها من السعودية وأسعارها أعلى من غيرها؟
وإذا نظرنا إلى مستوى الواردات في مارس وديسمبر، سنجد أنه لم يتم الوصول لها إلا في خمسة أشهر فقط منذ بداية 2020، أي 5 من 39 شهراً، ومعظمها في فترة انخفاض الأسعار في 2020 وبداية 2021.
خلاصة الحديث هنا أنه سواء كان الموضوع سياسياً أو اقتصادياً، فإن خسائر دول الخليج لحصصها السوقية من تحويل روسيا لنفطها إلى آسيا ما زالت محدودة، وأن الخاسر الأكبر لحصته السوقية هي الولايات المتحدة الأميركية، على رغم أن صادراتها للنفط الخام ارتفعت إلى مستويات تاريخية في الأشهر الأخيرة.