قصيدة أدونيس وسبب إبدال النجم مرسيل خليفة كلمة بأُخرى كما يُفصح
النشرة الدولية – هالة نهرا –
طرحتُ على المبدع الكبير الفنان الصديق العزيز مرسيل خليفة سؤالاً لم يطرحه أحدٌ من قبل على صاحب “جدل” حول أغنية “قالوا مَشَتْ” من شعر الشاعر الرائع أدونيس، وإنّ مَوْسَقة النص أخّاذة وفريدة وهائلة تنمّ عن اكتناهِ أبعاده وخلفياته الدلالية وترجمتها “دِياسيميائياً” برهافةٍ وجماليةٍ نغميةٍ آسرة إبداعياً.. لكنّ ما لفتني أنّ أدونيس قد كتب – استناداً إلى النص/ القصيدة الموجود(ة) بين يديّ: “تومي فيلتفتُ الصباحُ لها من لهفةٍ…”. أما مرسيل خليفة، فلحّن “تومي فيلتفتُ الغروبُ لها من لهفةٍ…”. وهذا الفارق بين المصطلحَين يكادُ يقترب بعض الشيء من التضادّ الدلاليّ تقريباً وليس كلّياً؛ الغروب شاعريٌّ بلا شك ومسجّى بنورٍ رومانسيّ لكنه لا يصبّ في معنى الصباح ولا ينتسب إليه ولا إلى الإشراق والنور الغامر الطويل الممتدّ. ما قد أثار رغبتي في معرفة السبب الإبداعيّ وراء ذلك، وإذا كان مجرَّد عبارة عن حدسٍ فانتازيّ موسيقيّ فنيّ وما قد ارتآهُ باجتهاده مرسيل في إبدالِهِ كلمة بأُخرى لمنح المعنى بُعده الرومانسيّ أم غير ذلك من أسبابٍ واحتمالاتٍ قد تكون متعلّقة ربّما جزئياً باللفظ وضروراته في الغناء والمقاربة بين حرف “غ” وحرف “ص” (مع شَدّة) أثناء التأدية الغنائية والجنوح نحو الحرف الأكثر خفّةً في وقْعه على المسامع (؟). وهذه الأغنية في جميع الأحوال في غاية العذوبة والألق والروعة.. ويمكن اعتبار سؤالي سؤالاً إستِطيقياً ودلالياً في الوقت عينه، ينطلق من الفضول المعرفيّ وحبّ الإبداع في الشعر والموسيقى والفنّ.. كل المتابعين والمحبين في العالم يتشوّقون لمعرفة الجواب.
قصيدة أدونيس طبقاً للنسخة الأصلية وردَ فيها:
“قالوا مشتْ، فالحقلُ من ولَهٍ متلبِّكٌ، والقمح يكتنزُ
بُعث التناغمُ عبْرَ خُطوتها والهيدَبى والوّخْدُ والرجَزُ
تومي فيلتفتُ الصباحُ لها من لهفةٍ، ويُتغْتغُ العنَزُ…”.
فكان جواب الفنان اللبناني والعربي المرهف مرسيل ممهوراً بلغته الأدبية الرفيعة وثقافته الشاهقة ورؤيته التي تُوائم بين الشعر والموسيقى والغناء فكتب: “الشِّعرُ… في الصباح تسمعُهُ، في خريرِ المياهِ، ونسمة الهواءِ، وانكسار الضوءِ على وردةٍ خجلى.. في الصباح والغروب/ أينما تولّي عينيك ثمّة شِعرٌ.. هو العُود في بهاءِ نقرته.. واعتبرتُ أنّ “العنز” يتغتغ عند الغروب… وبعد (فيلتفتُ الغروبُ لها).. تعمُّده إفشاء سرّ المُضمر في لفظٍ صريحٍ وإضافة نورها عندما تومي فيراها الغروب”.
وبذلك – بشفيف عبارات مرسيل في الإيضاح- ثمّة لدى المتلقّي صورتان شعريتان معاً بالتوازي؛ واحدةٌ للصباح مثلما كتب أدونيس الشاعر الهائل، وأُخرى للغروب برؤية مرسيل.. وطيفُ الذي يوشك أن يلامسَ الضدَّ الوامض في المعنى صار يُظهر حُسنَ طيف المعنى الآخر الذي يكاد يلامس الضدَّ، في إطارٍ جدليٍّ ديالكتيكي جماليّ عذب ولمّاح.
* هالة نهرا: ناقدة فنية وصحافية وكاتبة وشاعرة.