لبنان بين التهدئة الإقليمية وعودة نظرية “وحدة الجبهات”

يأمل اللبنانيون في أن تكون الانتخابات الرئاسية من نتائج نزع فتيل التوتر في المنطقة

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

عشية ذكرى الحرب الأهلية 13 أبريل (نيسان) 1975-1989، يدور لبنان في حلقة مفرغة، يراقب التسويات والاتفاقيات الإقليمية، من دون أن يكون فاعلاً أو مستغلاً للحظة الدولية. تاريخياً كانت التفاهمات الخارجية تنعكس إيجاباً على الداخل، عبر تسويات أو تفاهمات، أو اتفاقات كـ”اتفاق الطائف” عام 1989 الذي أوقف حرباً أهلية دامت 15 عاماً. أما اليوم فيبدو الوضع مختلفاً، تفاءل الناس خيراً مع التهدئة، التي تحصل في المنطقة، بخاصة بعد الاتفاق ما بين السعودية وإيران، ولكن على ما يبدو أن لبنان يسير على درب موازية لتلك الأجواء. ما حصل في الجنوب اللبناني من عملية إطلاق للصواريخ السادس من أبريل الحالي، سلط الأضواء مجدداً على دور لبنان كساحة لـ”محور الممانعة”، معيداً التذكير بشعار “وحدة الجبهات” والمقصود جبهات غزة والضفة الغربية والجولان وجنوب لبنان، والتي كان قد أرسى قواعدها أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله، أي “الضربة مقابل الضربة”.

سوسن مهنا

في يوليو (تموز) 2020 دعا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى “العمل على إقرار نظام الحياد كباب خلاص للبنان من عزلته المشرقية والغربية”. مناشداً رئيس الجمهورية حينها ميشال عون “التدخّل لرفع الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحر وتطبيق القرارات الدولية، وعدم إقحامه في الصراعات الإقليمية وإلحاقه بركب المحاور”. وأثارت وقتها تلك الدعوة، زوابع سياسية لم تهدأ فصولاً، وصولاً إلى تخوين كل من يدعو إلى حياد البلد. وبعد الأحداث الأخيرة في الجنوب، استنكر بيان المطارنة الموارنة بعد اجتماعهم الشهري، 12 أبريل، “المحاولات الهادفة لتحويل الجنوب إلى صندوق لتبادل الرسائل”، وطالب الجيش وقوات الطوارئ الدولية بتطبيق القرار 1701، وناشد “القوى الإقليمية والمجتمع الدولي مساعدة لبنان على تحمّل الأعباء”، كما المسؤولين اللبنانيين لـ”تحكيم ضمائرهم”. مشدداً على أن التحرك السياسي والدبلوماسي المحلي والعربي والدولي “يُعطي أملاً على صعيد إنجاز الاستحقاق الرئاسي”.

الاستحقاق الرئاسي

بداية يناير (كانون الثاني) الماضي، جدد نصرالله، التشديد على شرطه الرئاسي الأساسي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، والذي يتمثل بشخصٍ “لا يطعن المقاومة في ظهرها، ولا يتآمر عليها ولا يبيعها”، محذّراً من عواقب غياب هذه الصفة في أي شخصية تريد أن تصل إلى سدّة الرئاسة. وقال نصرالله “نحن متواضعون بهذا الهدف، وهذه الصفة ليست للمزايدة، بل هي شيء طبيعي، لأن وجود رئيس لا يطعن المقاومة في ظهرها، يعني أنه لن يأخذ البلد إلى حرب أهلية، ويريد الوفاق والحوار، أي يساعد في حماية لبنان أمام التهديدات والمخاطر الإسرائيلية وهذه مصلحة وطنية”. وعن هذا الأمر يقول البطريرك الراعي “الشعب يريد رئيساً يحمي ظهر لبنان وصدره لا ظهر هذا أو ذاك، رئيساً لا يخونه مع قريب أو بعيدٍ ولا ينحاز إلى المحاور، ورئيساً يطمئنه هو ويحمي الشرعية لتضبط جميع قوى الأمر الواقع”. وتتمحور الخلافات حول مواصفات المرشح، بين الأفرقاء اللبنانيين في حين أن “الثنائي الشيعي” يدفع نحو رئيس توافقي “يستطيع أن يحكم”، ترى المعارضة وبخاصة الأحزاب المسيحية الكبرى أن الرئيس العتيد يجب أن يكون “سيادياً وإصلاحياً”. وتأتي عملية إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، لتعيد خلط الأوراق، بخاصة أن العملية أتت بتسهيل من “حزب الله”، أو بعلمه، وإن كان قد نفى تورطه في الأمر. في حديث صحافي للنائب السابق فارس سعيد، يقول إن “المنطقة تشهد حراكاً عسكرياً كبيراً، يتزامن مع الحراك السياسي الذي يتحكم بموضوع إعلان النيات بين السعودية وإيران، لترتيب العلاقات بينهما وإعادتها إلى طبيعتها. وهذه التحركات العسكرية التي هي تحت إشراف وإدارة إيران، وبالتحديد (الحرس الثوري)، وبشكل خاص (فيلق القدس)، هي التي تقوم بإطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني، ومن سوريا. وهذا كله حصل بعد زيارة إسماعيل هنية إلى بيروت وإسماعيل قاآني إلى الشام”، مشيراً إلى أن “كل ذلك، يؤشر وكأن هناك قراراً من جانب “الحرس الثوري” الإيراني، ليس إلى تفجير المنطقة، وإنما إلى خلق توترات في المنطقة”. يُذكر أن مسؤولاً إيرانياً كان قد تحدَّث في وقت سابق عن أن إيران تسيطر على أربع عواصم، هي بيروت، ودمشق، وبغداد، وصنعاء.

لكن شعار “وحدة الجبهات” ألا يضر لبنان أكثر من التدخلات الخارجية؟ وهل لبنان سيبقى ساحة مفتوحة؟ يقول الكاتب والباحث السياسي حسن الدّر لـ “اندبندنت عربية”، “إن المقاومة في لبنان ملتزمة قواعد الاشتباك المثبّتة منذ سنوات: أي اعتداء على لبنان واللبنانيين سيردّ عليه بالمثل، ومنفتحة على البحث في استراتيجية دفاعية يتوافق عليها جميع اللبنانيين، وأن تكون قائمة بالأساس على حماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية”.

وفي ظل الأجواء التي توحي بالإصرار على إعادة استخدام لبنان كصندوق بريد، يشير رئيس جهاز الإعلام والتواصل في “القوات اللبنانية” شارل جبور إلى أن “المدخل لمعالجة الخلل في لبنان يكون من خلال قيام دولة فعلية، وهذه الدولة محتجزة ومختطفة من قبل فريق الممانعة. بالتالي المكمن الأساس في معالجة الخلل في التركيبة اللبنانية، يكمن في إعادة الاعتبار للدولة السيادية، وطالما أن السيادة منتهكة ومغيبة طالما لبنان في أزمته”. ويشدد جبور “على أنه لا يمكن للأمور أن تستقيم في أي دولة، يوجد داخلها ازدواجية سلاح، سلاح ثورة إيرانية وسلاح دولة شرعية غير قادرة على الإمساك بمفاصل الدولة الاستراتيجية”.

حيادية لبنان

هذا التباين والخلاف يفتح الباب على مصراعيه للنقاش حول الأسس التي نشأ عليها النظام اللبناني، وحول هوية وفكرة ودور لبنان منذ عهد الاستقلال عام 1943، وأي رئيس سيعيد الشرعية اللبنانية المفقودة. علماً أن “اتفاق الطائف” تحدث عن لبنان العربي الهوية والانتماء، والمنفتح على كل الثقافات، وهو ملتزم ميثاق جامعة الدول العربية وبعضويته في منظمة الأمم المتحدة. لكن بعد التدخلات الخارجية وزيارة الموفدين العرب والأجانب للبنان، وبعد الدعوات التي وجهتها وتوجهها فرنسا لمسؤولين ومرشحين لبنانيين، يطرح السؤال نفسه هل لا يزال الأفرقاء اللبنانيون بمختلف توجهاتهم قادرين على الحديث عن السيادة والحياد. يقول شارل جبور “إن التدخل الخارجي هو نتيجة لتعطيل فريق “الممانعة” للآليات الديمقراطية للانتخابات الرئاسية، وإزاء هذا التعطيل حصل هذا التدخل، ولو كان هناك احترام لتلك الآليات الانتخابية، ولثقافة الديمقراطية، والمهل الدستورية، والتي احترمت حتى إبان الحرب الأهلية، لما تدخل المجتمع الدولي”. ويشرح الباحث حسن الدرّ الفكرة ويقول “على رغم أن مفهوم الأمن والسيادة الوطنية ارتبط منذ القدم بعوامل تقليدية ذات صلة بالجغرافيا، إلا أن الصراعات الدولية التي أفرزت تحالفات واتحادات متنافسة غيرت مفهوم السيادة عملياً، وإن بقيت حبراً على ورق دساتير الدول الكبيرة والصغيرة”. ويستطرد بالشرح بالاستشهاد بالكاتب روبرت روثشتاين Robert Rothstein في كتابه الدول الصغيرة Small States  حيث صنف الدول إلى كبرى وكبيرة وصغيرة وصغرى، وأشار بوضوح إلى أن الدول الصغيرة (نسبة إلى مساحتها الجغرافية وعدد سكانها ولبنان منها) مسلوبة الإرادة من حيث التأثير في صناعة القرارات الإقليمية والدولية، وهذه الدول تخضع عادة لتأثير الدول الكبرى أو الكبيرة، التي ترتبط معها بتحالفات أو نزاعات وهي بالكاد تستطيع إدارة شؤونها الداخلية”، مضيفاً أنه “وبكثير من البراغماتية، وفي مراجعة تاريخية بسيطة نجد أن انتخابات الرئاسة في لبنان، خضعت دائماً لمؤثرات خارجية، وتأثرت بموازين القوى الإقليمية والدولية في حينها”. ويضيف الدرّ “أما اليوم وفي ظل الانسداد في الأفق السياسي الداخلي صارت العيون شاخصة إلى مفاعيل اتفاق السعودية مع إيران وانعكاساتها على لبنان”.

هل سيكون هناك حوار أو تسوية؟

وفي ظل انسداد الأفق السياسي هل سيقبل الفرقاء الذهاب نحو تسوية جديدة، وما هي صفات المرشح للرئاسة التي ستحظى بموافقة الجميع؟

يشدد رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب “القوات اللبنانية”، على أنهم يتمسكون بالمرشح الذي يتمتع بصفتي السيادة والإصلاح، وسبب هذا التمسك، أن أزمة لبنان هي بسبب تغييب الدولة ولأنه يستحيل الولوج إلى الإصلاح والخروج من الأزمة المالية، من دون معالجة الأزمة الوطنية السياسية اللبنانية السيادية. ويشدد على أن “الانتخابات الرئاسية تحصل في مجلس النواب انطلاقاً من آلية ديمقراطية واضحة المعالم، وهذا أمر ثابت ونهائي”، أم عن التسويات، فـ”اتفاق الطائف حصل ضمن تسوية”، ولا يعتبر شارل جبور أن هذا الاتفاق تدخل، ويشير إلى أن هذا الاتفاق حصل برعاية عربية ودولية مردفاً “نحن بحاجة لمثل تلك الرعاية، ليس من أجل انتخابات رئاسية، بل من أجل تثبيت السيادة اللبنانية، وتطبيق القرارات الدولية وترسيخ فكرة السلاح الواحد”. بدوره يقول حسن الدرّ “إنه وبعيداً من التصريحات الشعبوية والمواقف الاستهلاكية نجد أن الرئيس نبيه بري، دعا إلى طاولة حوار مرتين ورفضت دعوته، وكان يقول المشكلة داخلية والخارج ليس مهتماً بلبنان لانشغاله بالحرب الدائرة في أوكرانيا. ودعا 11 مرة إلى انتخاب الرئيس حتى تحولت الجلسات إلى مهزلة”، بحسب تعبيره.

زر الذهاب إلى الأعلى