مجلس الأمن القومي الأميركي والانسحاب من أفغانستان

النشرة الدولية –

* خدمة «نيويورك تايمز»

خلصت مراجعة أجرتها إدارة بايدن طيلة عامين بشأن الانسحاب الأميركي الكارثي من أفغانستان إلى أنه كان على المسؤولين الأميركيين البدء في عملية الإخلاء في وقت مبكر، وألقت باللائمة في ذلك على سلف الرئيس جو بايدن، دونالد ترمب.

أصدر «مجلس الأمن القومي» مؤخراً ملخصاً من 12 صفحة للنتائج التي توصلت إليها الحكومة بشأن الانسحاب في أغسطس (آب) 2021، الذي سرعان ما أفضى إلى عنف. وفي الوقت الذي سارع فيه المسؤولون الأميركيون إلى إجلاء الناس من المطار الدولي في العاصمة كابل، نفذ انتحاري من «تنظيم داعش» اعتداء أسفر عن مقتل 13 جندياً أميركياً، وما يصل إلى 170 مدنياً.

في مرحلة ما، صعد حشد من الأفغان التواقين إلى الفرار إلى أجنحة طائرة شحن عسكرية أميركية وسقطوا من السماء فور إقلاعها. وفي غضون أيام من انسحاب الولايات المتحدة انهارت الحكومة الأفغانية، وتولت «طالبان» زمام الأمور.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، الذي أرسل أسئلة طرحها صحافيون على مدار أكثر من ساعة حول مراجعة الحكومة: «من الواضح أننا لم نؤد عملنا في أفغانستان على ما يرام بنفس سرعة (طالبان) في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للوثيقة، فقد غيرت الحكومة سياساتها لتنفيذ عمليات الإجلاء لتجري في وقت أقرب عندما تسوء الظروف الأمنية.

غير أن كيربي أكد أن الإجراءات التي اتخذها ترمب – بدءا من اتفاقه مع «طالبان» لسحب القوات الأميركية بحلول ربيع عام 2021، وتخفيضه المتعجل لأعداد القوات، وفشله لاحقاً في نقل المتعلقات الانتقالية إلى فريق خليفته – جعلت بايدن أمام خيارات جيدة محدودة. وفقاً للتقرير، عندما تولى بايدن مهام منصبه، كان هناك 2500 جندي فقط في أفغانستان، بتخفيض يقارب 10 آلاف جندي عندما تولى ترمب منصبه، وهو العدد الذي يقل عن تعداد قوات «طالبان» المتنامية.

في هذا الصدد، قال كيربي: «كان هناك شعور عام بالتدهور والإهمال الذي ورثه الرئيس»، مضيفا «لا تقلل أبداً من شأن تأثير اتفاق الدوحة على الروح المعنوية والاستعداد للقتال على قوات الدفاع والأمن الوطني الأفغاني»، مشيراً إلى الاتفاق الذي أبرمه ترمب مع «طالبان» لسحب القوات من أفغانستان.

استطرد كيربي قائلا: «كان لها (الاتفاقية) تأثير مدمر للغاية على استعدادهم لمواصلة القتال من أجل بلادهم. الآن لم نر ذلك، لم نر ذلك، ويتمثل جانب من عدم رؤيتنا في أننا لم نتمكن من رؤية الخطط».

ومن ناحيته، قال ستيفن تشيونغ، المتحدث باسم حملة إعادة انتخاب ترمب، إن إدارة بايدن «تحاول تشتيت أنظار الشعب الأميركي عقب انسحابها الكارثي من أفغانستان الذي أدى مباشرة إلى مقتل أميركيين وتشجيع الإرهابيين»، مضيفا أن العالم «أصبح مكانا أكثر خطورة في عهد جو بايدن».

الملخص الذي صدر الخميس لا يقول بشكل مباشر إن المسؤولين ارتكبوا أخطاء أثناء مناقشتهم لإخلاء البلاد وتقييم مقدار الوقت الذي سيستغرقه ذلك. لكن الوثيقة تقول في موضعين إن الحكومة ستعطي الأولوية لعمليات الإجلاء السريعة.

وقالت الإدارة في الملخص: «نعطي الأولوية الآن لعمليات الإجلاء المبكرة عندما نواجه وضعاً أمنياً مهيناً»، مضيفة «فعلنا ذلك في كل من إثيوبيا وأوكرانيا»، في إشارة إلى استمرار الصراعات الدائرة هناك.

دافع الملخص الذي تم استخلاصه من المراجعات التي أجريت عبر الوكالات الحكومية، بما في ذلك وزارة الخارجية والبنتاغون، إلى حد كبير عن تصرفات بايدن وإدارته. وسيجري إرسال التقارير السرية الكاملة الواردة من الوكالات مع لجان في مجلسي النواب والشيوخ في وقت لاحق الخميس، وفقاً لمسؤول كبير في الإدارة.

في مواجهة كثير من الأسئلة حول الطبيعة الفوضوية للانسحاب، دافع كيربي مراراً وتكراراً عن جهود الحكومة للتدقيق في هوية الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، وجهود الجيش لنقل المدنيين والقوات جواً من أفغانستان، والتفكير السريع للطاقم الطبي على الأرض الذي قدم الرعاية، قائلاً: «لم أر ما يستدعي كل هذا الحديث عن الفوضى». كما أشاد بعمل الجنود والدبلوماسيين وقال إن أحداً منهم لن يفقد وظيفته بسبب الأحداث التي جرت أثناء الإخلاء، مضيفا «هذه الوثيقة ليست بغرض المساءلة، بل الفهم». ورداً على سؤال متكرر عما إذا كان الرئيس يتحمل مسؤولية الانسحاب، قال كيربي إنه «القائد العام، وهو مسؤول تماما عن العمليات التي يقوم بها رجالنا ونساؤنا والأوامر التي يتلقونها».

في البداية، دافع بايدن عن الانسحاب باعتباره «نجاحاً غير عادي»، وأعلن نهاية حقبة استخدمت فيها الحكومة الأميركية القوة العسكرية؛ لإعادة تشكيل دول أخرى. لكن استطلاعات الرأي في ذلك الوقت أظهرت أن أقل من 40 في المائة من الأميركيين أيدوا طريقة تعامله مع الانسحاب، وطالبوا بايدن في النهاية بمراجعة «من أعلى إلى أسفل» للانسحاب.

ووفقاً للملخص، قال المسؤولون إن السرعة التي استولت بها «طالبان» على البلاد – رغم تأكيدات الحكومة الأفغانية بقدرتها على الحفاظ على الاستقرار – لدليل على أن الحكومة الأميركية قد أخطأت في تقييم عامل «الاتصال العدواني» المتعلق بمخاطر المستقبل.

وتقول الوثيقة إنه في الأشهر التي سبقت انسحاب الجيش، اختارت إدارة بايدن «عدم التصريح بصوت عال وعلني حول أسوأ سيناريو محتمل من أجل تجنب الإشارة إلى انعدام الثقة» في الحكومة الأفغانية.

صدر الملخص وسط تحقيق أجراه أعضاء «لجنة الشؤون الخارجية» بمجلس النواب في قرارات إدارة بايدن في أفغانستان. دخل الجمهوريون والديمقراطيون في نقاش مرير وحزبي حول من يتحمل المسؤولية عن الانسحاب المميت، الرئيس الحالي الذي أشرف على العملية أم الرئيس السابق الذي أبرم اتفاقات مع «طالبان».

في الأسابيع الأخيرة، تحدث بعض أفراد الخدمة الذين نجوا من الانفجار في كابل عن الخسائر البشرية التي خلفتها العملية. على سبيل المثال، روى إيدان جوندرسون، متخصص سابق في الجيش، كيف كان يهرع لعلاج إصابات أفراد الخدمة، ونقل جثث الأفغان الذين سقطوا أثناء محاولتهم التشبث بأجنحة الطائرة قبل أن تقلع من المطار، وكيف حاول مساعدة المدنيين العالقين على دخول المطار.

أضاف جوندرسون بصوت متقطع خلال جلسة استماع الشهر الماضي، قائلا: «حاولت إنقاذ حياة عدد لا يحصى من مشاة البحرية. لقد بذلنا قصارى جهدنا جميعا».

تابع النائب مايكل ماكول، رئيس اللجنة، من ولاية تكساس، الشهر الماضي، تحقيقاً عن دور وزارة الخارجية في الإخلاء، وأصدر أمر استدعاء لوزير الخارجية أنتوني بلينكن، يطالب فيه بالإفراج عن برقية أرسلها مسؤولو السفارة في كابل في يوليو (تموز) 2021.

وكتب ماكول على «تويتر» الخميس يقول إن «تبييض وجه هذه الإدارة القبيح لفشلها في أفغانستان لأمر شائن وغير عادل ومهين تماماً».

إن اعتراف إدارة بايدن بأن عملية الإخلاء كان يجب أن تبدأ في وقت مبكر لهو قلب للحقائق من قبل كبار المسؤولين، بما في ذلك بايدن وجيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، الذي أصر على أن الإخلاء في وقت مبكر ما كان ليمنع الفوضى في المطار.

في مايو (أيار) 2021، شارك كثير من منظمات اللاجئين في مكالمة عبر تطبيق «زووم» مع المسؤولين في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض للمطالبة بالبدء في إجلاء الأفغان الذين عملوا مع الولايات المتحدة، المعرضين للتهديد بعد عودة «طالبان».

وفي سياق متصل، قال تيم يونغ، المتحدث باسم «دائرة لوثر للهجرة واللاجئين»، إحدى المجموعات المشاركة في المكالمة، في مقابلة إن «الولايات المتحدة قدمت وعدا بالحماية، ومع ذلك بدا أنه لم يجر التفكير كثيراً في تفعيل خطة للالتزام بالوعد». كان المسؤولون في ذلك الوقت غير ملزمين بالإخلاء المبكر. على الرغم من أن بعض الرحلات الجوية بدأت في أواخر الربيع، فإن المسؤولين لم يشرعوا في نهاية المطاف في إجلاء كامل للأفغان أو الأميركيين حتى اقترب وقت انسحاب الجيش.

الأسبوع الماضي، عندما سئل بايدن ما إذا كان يستعد لعرض نتائج المراجعة للجمهور، قال كيربي إن بايدن شارك بالفعل وجهات نظره بشأن الانسحاب، مضيفا «لقد سمعتم من الرئيس. فقد تحدث عدة مرات عن قراره بالانسحاب من أفغانستان».

كان بايدن في طريقه بالفعل إلى «كامب ديفيد» لقضاء عطلة عيد الفصح، حيث طرح كيربي الأسئلة.

* خدمة «نيويورك تايمز»

Back to top button