متى ستحل مشكلة أنبوب كركوك-جيهان؟
بقلم: أنس بن فيصل الحجي
بالنسبة إلى إسرائيل البديل لوقود كردستان جاهز وهو النفط الروسي
النشرة الدولية –
منذ أقل من شهر، أقرت محكمة التحكيم التجاري الدولية التي تتخذ من باريس مقراً لها، أن تركيا خالفت الاتفاق المبرم مع الحكومة العراقية عام 1973 في شأن أنبوب النفط الذي ينقل النفط العراقي من كركوك إلى ميناء جيهان التركي، ونتج من ذلك وقف الضخ في الأنبوب، ووقف التحميل في ميناء جيهان لكميات تتراوح ما بين 400 و450 ألف برميل يومياً.
القضية بدأت عام 2014 عندما قدمت الحكومة العراقية شكوى تفيد بأن الحكومة التركية خالفت اتفاق 1973 والتعديلات التي اتفق عليها لاحقاً، عندما اتفقت مع حكومة كردستان ونقلت النفط من حقول كردستان نيابة عن الحكومة الكردستانية، ثم قامت بتحميل النفط في ناقلات بناء على إرشادات الحكومة الكردستانية وليس الحكومة العراقية، وقامت الحكومة الكردستانية باستلام عائدات تلك الحمولات، ودفعت للحكومة التركية أجرة نقل النفط في الأنابيب المارة بالأراضي التركية، كما ذكرت وسائل الإعلام أن القرار يقضي بأن تدفع تركيا للعراق مبلغ 1.5 مليار دولار.
وعلى رغم توقع عديد من الناس عودة الضخ في الأنبوب، إلا أنه كان واضحاً منذ البداية أن الأمر أكثر تعقداً مما يعتقدون، وأن الضخ والتحميل لن يعودا قريباً، وهو أمر نوهنا له منذ اليوم الأول في تقرير أرسل للعملاء والمشتركين وقتها. والواقع أن ما نشر في وسائل الإعلام هو ما نشرته الحكومة العراقية، وهو جزء من الحقيقة، إذ إن الحكومة العراقية كسبت قضية من خمس قضايا، لأن المحكمة اعتبرت كردستان جزءاً من العراق، ومن ثم فهي تمثله، بينما حكمت المحكمة لصالح العراق في نقطة واحدة وهي أن العقد المبرم مع تركيا وكل التعديلات التي أجريت عليه لاحقاً، ينص على أن تقوم الشركة العراقية “سومو” بإعطاء إرشادات التحميل للمسؤولين الأتراك، بينما اتبع المسؤولون الأتراك إرشادات الحكومة الكردية، بعبارة أخرى، ذكر اسم الشركة واسم الحكومة العراقية في العقد هو الذي جعلها تربح هذه الفقرة من القضية، ولو لم يتحدد ذلك في العقد، لما وافقت المحكمة مع العراق.
وعلى فرض عودة ضخ النفط في الأنبوب وبدء التحميل وفقاً لإرشادات “سومو”، هل تتغير وجهات شحنات النفط من كردستان؟ الجواب مهم لأن أكبر مستورد للنفط من كردستان هي إسرائيل، وهي ثاني أكبر خاسر من توقف الضخ في الأنبوب، والخاسر الأول هو حكومة كردستان.
قرار المحكمة، على رغم أنه في ظاهره بين تركيا والعراق، إلا أنه ضربة قوية لحكومة كردستان، لأنه يعني في النهاية أنه لا يمكن لها أن تصدر النفط من دون موافقة الحكومة المركزية.
إلا أن حكومة كردستان تلقت ضربة كبيرة قبل ذلك في منتصف فبراير (شباط) الماضي، عندما قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق بإلغاء قانون النفط والغاز لعام 2007 في كردستان، وذلك لتعارضه مع الدستور العراقي، كما قضت بتسليم الإنتاج النفطي للحكومة الاتحادية، وهذا يعني تحويل العقود التي وقعتها حكومة كردستان إلى الحكومة العراقية، ولهذا عواقب عدة قد تؤدي إلى إنهاء بعض العقود وانخفاض الإنتاج في كردستان.
وهناك من يقول إن أي غرامات يجب أن تدفعها تركيا وفقاً لقرار المحكمة ستدفعها كردستان في النهاية، لأن الاتفاق الكردي – التركي يقتضي تحمل كردستان هذه التكاليف، وإذا كان ذلك صحيحاً، فهذه ضربة ثالثة للإقليم لأن المبلغ كبير (1.5 مليار دولار)، في المقابل سيحصل الإقليم على نسبة معينة من إيرادات النفط العراقي ككل، ولكن تحت إشراف الحكومة المركزية.
ومشكلة إقليم كردستان أنه مغلق وليس له أي منفذ بحري، ومن ثم فإن استقلاله يعني وقف ضخ النفط تماماً إلا تحت إشراف إحدى هذه الدول، (العراق وتركيا وإيران)! ومن الواضح أن الخيار العراقي هو الأفضل!
وعلى خلاف كثير من التوقعات، قد يستمر وقف الإنتاج في شمال العراق ووقف الضخ في الأنبوب لفترة طويلة من الزمن، وكما ذكرنا في نشرتنا اليومية باللغة الإنجليزية، نصدق عودة الضخ في الأنبوب عندما نرى السفن في ميناء جيهان محملة بالنفط.
المشكلات القانونية والخلافات المادية بين كردستان والحكومة العراقية كثيرة، والاتفاق الأخير بينهما لإعادة الضخ كان “موقتاً” حتى تتم الموافقة على الموازنة الجديدة أو تبني قانون النفط الجديد، ولكن في ضوء هذه المشكلات وموافقة العراق على تخفيض الإنتاج طوعياً بحسب الاتفاق الأخير مع كبار دول “أوبك+”، ليس من صالح الحكومة المركزية الإسراع بإعادة الضخ من كردستان، بخاصة أنه من صالحها إعادة التحكم بالشركات الدولية، وفقاً لشروطها هي، وليس للشروط التي وقعتها حكومة كردستان. كما يجب بت مصير الأنبوب الذي بنته كردستان لتلافي مرور النفط في الأراضي العراقية خارج كردستان.
أما تركيا، فصحيح أنها تخسر يومياً عوائد مرور النفط بالأنبوب، ولكن هناك إشكالات كثيرة، فهناك القضية التي رفعتها الحكومة التركية على الحكومة العراقية تطالبها بتعويضات كبيرة، وهي ترفض دفع أي غرامات للحكومة العراقية، ومن ثم فإن وقف الضخ يعني أن في يد الحكومة التركية ورقة ضغط قوية لضرب عصافير عدة بحجر واحد، وثمة من يقول إن هناك عقوبات على تركيا إذا أوقفت الضخ في الأنبوب أو أوقفت التحميل من دون عذر قاهر، وهذا سيجبرها على إعادة الضخ والتحويل بسرعة. ولكن نظرة سريعة إلى العقد الأصلي وكل التعديلات التي جرت عليه لاحقاً، تفيد بعدم وجود عقوبات، وعلى فرض ذلك، فإن لدى تركيا عديداً من الوسائل الفنية والقانونية التي يمكنها الاعتماد عليها لكي لا تقع العقوبات عليها، فأي تسرب صغير يمكن أن يوقف الأنبوب شهرين من دون أي عقوبات، وأي توقيع ناقص في الأوراق يمكن أن يؤخر الضخ أسابيع.
ونظرة إلى العقد الأصلي وكل التعديلات التي جرت عليه، نجد أن الأتراك ضمنوا حقوقهم بشكل مثير للإعجاب، مثلاً، العقد الأصلي وقع عام 1973 بعد عامين من وقف ربط الدولار بالذهب، إلا أن تركيا أصرت على أن تكون أجرة الأنبوب بالدولار، وربطت الدولار بالذهب بسعر معين.
وفي التعديلات اللاحقة، أدخلوا في العقد زيادات على الأجرة تتوافق مع مستويات التضخم في الولايات المتحدة، والمقصود هنا عدم الاستهانة بالأتراك.
خلاصة القول إن الوضع الحالي لا يشجع أياً من الحكومتين العراقية أو التركية على الإسراع بضخ النفط في الأنبوب، في الوقت الذي ستعاني منه كردستان وشركات النفط فيها، وهناك قضايا عدة حلها يحتاج إلى وقت. وإذا عاد الضخ فإن هذه القضايا العالقة قد توقف الضخ مرات عدة مستقبلاً.
أما بالنسبة إلى إسرائيل، فإن البديل لنفط كردستان جاهز، وهو النفط الروسي!