عاد النظام السوري… أم لم يعد!
بقلم: خير الله خير الله
النشرة الدولية –
عاد النظام السوري إلى جامعة الدول العربيّة أو لم يعد. لن يصنع ذلك أي فارق من أي نوع. ما هو مهم أمران. أولهما مصير الشعب السوري ومستقبل سوريا الواقعة تحت خمسة احتلالات طبعا، والآخر هل يطرأ تغيير على السلوك الإيراني في دول المنطقة، خصوصا في ما يخص العراق وسوريا ولبنان.
ثمّة أسئلة في غاية الأهمّية تتجاوز الانفتاح العربي على النظام السوري وعودته إلى جامعة الدول العربيّة وحضور بشّار الأسد، بشخصه الكريم، القمة العربيّة المتوقعة في الرياض بعد أسابيع قليلة… أو حضور من يمثله للقمّة. لن يقدّم ذلك ولن يؤخّر ما دام القرار في دمشق قرارا تتخذه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران ولا أحد غيرها، خصوصا في ضوء الغرق الروسي في الوحول الأوكرانيّة.
في مقدّم الأسئلة المهمّة التي يفترض طرحها هل يقتنع النظام السوري بأنه لم ينتصر سوى على الشعب السوري؟ إنّه الانتصار الوحيد المسموح له به، تماما مثلما أنّه ليس مسموحا لـ”حزب الله” سوى بتحقيق الانتصار تلو الآخر على لبنان واللبنانيين فقط.
ما الذي يستطيع بشّار الأسد عمله بهذا الانتصار على الشعب السوري؟ في النهاية، لن يستطيع النظام السوري المحافظة على وحدة سوريا، كما يتمنّى ذلك العرب المخلصون الذين هبوا لمساعدة الشعب السوري بعد الزلزال الذي تعرّض له في الأسبوع الأوّل من شباط – فبراير الماضي.
ثمّة واقع سوري يرفض النظام الاعتراف به. ليس متوقعا أصلا اعترافه بهذا الواقع نظرا إلى أنّه لم يكن في يوم من الأيام مهتما بالتخلص من الاحتلال الإسرائيلي. منذ احتلت إسرائيل الجولان في حزيران – يونيو 1967، وكان حافظ الأسد لا يزال وزيرا للدفاع، انحصر همّ النظام في كيفية المتاجرة بالجولان المحتل وليس باسترجاعه. اهتم النظام، بعدما صار حافظ الأسد رئيسا للجمهوريّة، بكيفية استمرار حال اللاحرب واللاسلم التي تعني، بين ما تعنيه، بقاءه في دمشق بغض النظر عن ثمن هذا البقاء. هذا ما يفسّر إلى حد كبير لماذا لم تقدم إسرائيل على أي خطوة تستهدف النظام منذ بداية الثورة الشعبيّة في آذار – مارس من العام 2011. كشفت التصرفات الإسرائيلية اهتماما واضحا ببقاء نظام لعب دوره في تفتيت لبنان وتدمير مؤسساته وأدّى في الوقت ذاته كلّ المطلوب منه من أجل ألّا تقوم لسوريا قيامة في يوم من الأيّام.
لم يعد مهمّا انفتاح العرب على النظام السوري وعدم انفتاحهم عليه. تجاوزت الأحداث هذا الانفتاح. على سبيل المثال وليس الحصر، ما العمل بالوجود التركي في الشمال السوري، وهو وجود فرضته عوامل عدة من بينها الثورة السوريّة وقبلها اتفاق أضنة للعام 1998 الذي أعطى الجيش التركي حرّية التدخل في العمق السوري؟
احتلت تركيا نحو 35 في المئة من جزيرة قبرص صيف العام 1974، أي منذ نصف قرن تقريبا. ما الذي تغيّر منذ الاحتلال التركي لجزء من قبرص باستثناء أن الجيش التركي ما زال موجودا في الجزيرة؟ لم يتغيّر شيء. سيكون مستبعدا خروج الجيش التركي من الشمال السوري، فاز رجب طيب أردوغان أم لم يفز في الانتخابات المقررة في الرابع عشر من أيّار – مايو المقبل. يوجد عقل تركي يقوم على فكرة أن البلد ظلم وعليه استعادة أمجاده عن طريق التوسّع!
يوجد الاحتلال الإسرائيلي، والاحتلال التركي، والاحتلال الروسي، والاحتلال الأميركي، والاحتلال الإيراني. هذا هو الواقع السوري الذي يهرب منه النظام. النظام يهرب أيضا من القرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أواخر العام 2015. يرفض النظام السماع بهذا القرار كونه يعرف جيدا أنّه نهايته. القرار، الذي اتخذ بإجماع أعضاء مجلس الأمن، واضح كلّ الوضوح. يركز على “فترة انتقالية” وعلى انتخابات “حرة” بإشراف الأمم المتحدة بعد الفترة الانتقالية التي مدتها 18 شهرا.
مثلما يرفض بشّار الأسد السماع بالقرار 2254، يرفض السماع بعودة اللاجئين السوريين إلى المناطق التي أخرجهم منها مستعينا بالميليشيات المذهبيّة التابعة لإيران وبالقوات الروسيّة التي قصفت مواقع وأحياء مدنيّة مع تركيز خاص على المدارس والمستشفيات. هذه هي سوريا التي صار نصف شعبها خارج أراضيها… هذا إذا تجاهلنا الذين نزحوا من منطقة سورية إلى منطقة أخرى.
باختصار شديد، إننا أمام نظام يرفض شعبه كما أنّه مرفوض من شعبه وأكثريته السنّية التي عانت الأمرّين من نظام أقلّوي حاقد على كلّ مواطن يرفض أن يكون عبدا لديه.
تبدو المسألة السوريّة في غاية التعقيد. لا ينفع معها التعاطي مع النظام، لا لشيء سوى لأنّ لدى النظام أجندة خاصة به من جهة ولأن المطروح في نهاية المطاف مستقبل إيران في سوريا من جهة أخرى. من سيتولى إعادة إعمار سوريا في حال بقي قسم كبير منها، بما في ذلك دمشق والمناطق المحيطة بها، تحت السيطرة الإيرانية المباشرة وغير المباشرة؟
بعد ثورة شعبيّة مستمرّة منذ اثني عشر عاما، من حق العرب التركيز على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا وعلى السعي إلى مساعدة الشعب السوري من زاوية إنسانيّة في انتظار اليوم الذي ستقرّر فيه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران ما الذي تريده من الاتفاق الذي عقدته مع المملكة العربيّة السعوديّة برعاية الصين. سيظل السؤال المهيمن هل تستطيع “الجمهوريّة الإسلاميّة” ممارسة مزيد من المناورة والفصل بين الشق اليمني في الاتفاق والشق الآخر المتعلّق بسلوكها خارج حدودها، خصوصا في سوريا ولبنان والعراق؟ في انتظار معرفة الجواب الإيراني عن هذا السؤال، يصعب القول هل يمكن عمل شيء لسوريا في عالم يزداد وضعه تعقيدا في كلّ يوم، بل في كلّ ساعة.
تعطي الحرب الأوكرانيّة التي دخلت سنتها الثانية فكرة عن هذه التعقيدات التي باتت العلاقات الأميركيّة – الصينية جزءا لا يتجزّأ منها.