تطبيقات الذكاء الاصطناعي اليسيرة خطيرة وليست تحوُّلاً معرفياً نوعياً
النشرة الدولية –
بوسطجي – هالة نهرا –
رغم تطوّر الذكاء الاصطناعيّ وتطبيقاته اليسيرة المتوفّرة راهناً بين أياديكم كلّكم وإمكانية قيامه بأمورٍ مساعِدة لعديمي أو متوسّطي الذكاء ومعدومي الموهبة أو الغرقى في مستنقع الركاكة والرداءة، في بعض المجالات والأفضية، فإنه لا يزال غبيّاً بعض الشيء ومحدوداً وسوف يبقى ناقصاً جدّاً أمام عظمة العقل الخلّاق الذي لا يكفّ عن التقدّم والتجلّي والتلألؤ، فلا يعلو شيءٌ فوق العقل البشري، والذكاء الاصطناعيّ هو من نتاجات العقل الطبيعيّ البشريّ الذي يظلّ بذلك متفوّقاً حتماً على الاصطناعيّ ويبقى الذكاءُ الطبيعيُّ هو المرجع الأعلى والأصل في التحليل والابتكار والاختراع ومجالات الإبداع كلّها والاستنتاج المنطقيّ المتعدّد الخلفيات والأبعاد والتخيُّل والحدس والربط والتميّز اللغويّ على مستوى الأفراد المتميّزين وسواها من المسائل، والذكاء الاصطناعي مجرّد فرعٍ محدود سوف يبقى مفتوحاً على إمكانية تجرُّع المزيد إلى ما لا نهاية وهذا المزيد يظلّ يتراكم ولا ينضب وسيبقى مشرَّعاً في الوقت عينه على النقصان والثغرات والفجوات الخطيرة والخلل بطبيعة الحال.. ورغم عقلانية بعض إجابات الذكاء الاصطناعي في الدردشة إلا أنه يخطئ كثيراً وإجاباته ميكانيكية؛ فإذا طرح عليه في الوقت ذاته العشرات والآلاف من الناس السؤال نفسه سوف يجيب بالطريقة نفسها وبالأسلوب عينه ميكانيكياً بلا أيّ تمييز، وسوف تكون الإجابات مستنسخة بائخة ممجوجة مكرورة داخل صندوقٍ واحد ومقولَبة نمطية ومنمذجة.. وأسلوبه في القصائد كما أرى إنشائيٌّ سخيف بمستوى تلامذة مدارس في المتوسّط غالباً بلا فرادة وبلا روح وبلا قابلية التحليق وإحساسه زائفٌ مصطنعٌ، والأهمّ أن تتذكّروا أنّ العالِم والألسنيّ المفكّر والباحث العالمي الكبير نعوم تشومسكي هو ورفاقه يشكّكون بـ “ذكاء “ChatbotGPT”
وبرامج الذكاء المثيلة، ومثلما يمكن تلقين الذكاء الاصطناعيّ معلومة أنّ الأرض كروية على سبيل المثال فهو يتلقّى أيضاً معلومة خاطئة أنّ الأرض مسطَّحة أو قد تميل إلى ذلك في استنتاجه المعوجّ إذا منحته إيّاها كما يقول تشومسكي، وبإمكانه أن يتعلّم أيّ شيء أكان مغلوطاً أم صائباً فيتعثر نتيجةً لذلك في الإجابة ويتناقض وفقاً للتلقين والبرمجة. إنّ كل ما يصدر عنه ميكانيكيٌّ آليٌّ وصغيرٌ جداً حدّ التقازم أمام سطوة العقل وذكاءاته لدى الفرد (لأنّ الذكاءات هي بصيغة الجمع لدى كل فرد) وأمام إمكانيات العقل ومجاهله الهائلة الرهيبة غير المكتشفة بعد وومضات والتماعات العقل المفاجئة. الذكاء الاصطناعيّ ليس نوعاً من الذكاء الجمعيّ ولا يمتلك المعرفة المطلقة ولن يمتلكها ولن يحلّ محلّ العقل البشريّ المرجعيّ والأساسيّ الذي لا غنى عنه على الإطلاق.
***
شرحٌ إضافيٌّ ورؤيتي البحتة:
الأفراد الذين يعتمدون على الذكاء الاصطناعيّ بدلاً من التفكير فيتعطّل تفكيرهم وعقلهم بذلك، سوف يصبحون متخلّفين جداً ويسقط ذكاؤهم تباعاً، باستثناء الذين يُعَدّون متوسّطي أو عديمي الذكاء أساساً وعديمي الموهبة فقد يساعدهم الذكاء الاصطناعيّ في الطفو في الفكر ومجالاتٍ أخرى قليلاً، لكنه لن يعلّمهم السباحة في محيط الفكر وسواه، ولن يصلوا إلى الشاطئ بذلك، وسوف يتخبّطون ويتحوّلون إلى اتّكاليين محدودي التفكير وضيّقي الأفق، وأتحدّث عن التطبيقات المعمَّمة بين أيادي الجميع حالياً. لكماتٌ للعقل والأدمغة والذكاء البشريّ الطبيعيّ أن يتقدّمَ النقلُ على العقل؛ لم تقع الحضارة العربية في حفَر الانحطاط إلّا حين ضُرب العقل العربيّ وتقدّمَ النقلُ على العقل، واليوم العقلُ الإنسانيُّ في العالم بأسره مهدَّدٌ وهذه من تباشير أو مؤشّرات الهبوط في حال لم يتنبّه المعنيّون للأمر. مصيبةٌ أن يعتمد الغبيُّ على ذكاءٍ اصطناعي فيطفو قليلاً ويختلط لديه الحابل بالنابل دون قدرته على التمييز بين الصواب والخطأ من جهةٍ، وبين الجيّد والرديء من جهةٍ أخرى، وبلا أدنى قدرة على الغربلة.. ومصيبةٌ أن يعتمد الذكيُّ على ذكاءٍ اصطناعيّ فيرجع إلى الوراء عقلُه ويصبح نسخة مشوَّهة عن “مشاعية” الذكاء الاصطناعيّ المختلّ في استباحة حقوق الملكية الفكرية في عدم ذكر المراجع المختلط حابلها بنابلها وقبيحها بجميلها والسيّء والهابط فيها بالجدير بالتقدير والخطأ بالصواب، وبلا أيّ فرادة أو روح جليّة أو قدرة على إنتاج الجديد الفرديّ المغاير الذي يحتاج إليه العالم كثيراً. نجد كمّاً هائلاً من الأغبياء اليوم حول العالم الذين يحملون هواتفَ ذكيةً ويدوّنون سيلاً من الحماقات أو المغالطات سهواً أو عمداً في أُطُرٍ وأفضية تكنولوجية متطوّرة وللاستنتاج تتمة والتراكمُ الكميُّ في العقل هو الذي يفضي إلى تحوّلٍ نوعيّ فيه يجنّحه ويُعرَف أيضاً بالتغيّر الكيفيّ، والتغيّرُ الكيفيُّ سيفهمه من يقرأ الفلسفة وليس تغيّراً أسلوبياً في الصياغة لدى المتذاكين كأنْ يكتب الذكاء الاصطناعيّ “أكل الولد التفّاحة” فينقلها المتذاكي بصيغة “التفّاحة أكلها الولد” ويعتقد بذلك أنّه يموّه النقل من شدّة غبائه أو كأن يقول “أُكلت التفّاحةُ”؛ المسألة ليست بهذه السذاجة المتذاكية ولن تكون ولن تنجح، وللتغيّر الكيفيّ دلالةٌ فلسفيةٌ عميقة جداً. أمّا الذكاء الاصطناعيّ، فمخاطره كبيرة جداً على العقل والمجتمعات والأوطان والأرض وليس عاكساً البتّة للتحوّل المعرفيّ النوعيّ (يتبع…). || هالة نهرا