صراع «الجنرالين» ينهي حكم المدنيين في السودان
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
السياسيون وزعماء الأحزاب أفسدوا الديموقراطية باللجوء إلى الجيش والاستقواء به، وهناك حالة تكوين هجينة بين الإسلام السياسي واليسار والقوميين وبين العسكر، وميليشيا الدعم السريع صارت حارساً لنظام عمر البشير كي تحميه من الجيش، لكن زعيمها انقلب عليه ثم تنازعته طموحات أقلها الوثوب على سلطة الحكم!
ما ينطبق على حكم العسكر في مصر ودول أخرى عربية، ليس بالضرورة أن يتكرر في السودان، فهنا استخدمت الأحزاب والسياسيون العسكر كجسر للوصول إلى السلطة، وعندما أراد جنرالات السودان نقل تجربة العسكر في مصر، اتخذت منحى مختلفاً، فقد جعلت من الجيش زبوناً دائماً للسلطة، وفي اللحظة التي أرادوا فيها إقامة صناعات عسكرية وإيجاد موارد مستقلة للجيش خلقوا دولة موازية للدولة الأصلية، وأصبحت الموارد تستثمر من قبلهم بعيداً عن الدولة الأم.
إذا نظرنا إلى فترة حكم السودان منذ الاستقلال في الأول من يناير عام 1956 حتى اليوم فسنجد أن العسكر اسستأثروا بالسلطة لمدة تزيد على 53 عاماً من عمر الاستقلال في حين أن «العصر المدني» إذا صح التعبير، لم يزد على عشر سنوات ولثلاث فترات.
ثمة حقائق لا بد من النظر إليها عند قراءة الحدث السوداني:
الحقيقة الأولى: أن حكم العسكر والانقلابات المضادة مرض لا يخص السودان وحده، بل الأنظمة العربية التي ابتليت بهم، فقد حولوا بلدانهم إلى أنظمة متسلطة تحكمها أجهزة الأمن والمخابرات، فصادروا الحريات وأفقروا الشعوب تحت شعارات كاذبة، أنتجت طبقة من العسكر يغطيها الفساد، بمعنى استأثروا بالسلطة والمال معاً دون أن يجرؤ أحد على محاسبتهم.
الحقيقة الثانية: فشل اندماج الميليشيات بالمؤسسة العسكرية باعتبارها جسماً غريباً عن القوات المسلحة، ففي السودان تحولت قوات الدعم السريع إلى دولة داخل الدولة، ولم ينجح أبداً تدجينهم في الجيش، بل أصبحت هذه القوات بزعامة «حميدتي» تملك إمبراطورية مالية واقتصادية خاصة عبر تجارة غير مشروعة.
عملياً انتهت ميليشيا الجنجويد في الوقت الذي أدت فيه الغرض، أي منذ عام 2013 والحرب الحالية «بين الجزالين» بدأت معالمها منذ عادت ميليشيات قوات الدعم السريع من حربها في اليمن محملة بالأموال وبجيوب منتفخة، إضافة إلى عامل فقدان الثقة بين حميدتي والبرهان وكيفية نقل السلطة إلى المدنيين والحراك الشعبي، والاندماج كان مشروعاً فاشلاً من أساسه وهو وضع شاذ استوجب من قيادته التقلب في المواقف وتغير التحالفات وعقد الصفقات.
الحقيقة الثالثة: أن الهوية القبلية غيّرت من عقيدة المؤسسة العسكرية، لا سيما في عهد عمر البشير الذي حكم 30 سنة، توغلت في عهده تلك القبلية داخل القوات المسلحة بحيث صار المعيار هو الولاء للقبيلة لا الكفاءة أو الجوانب المهنية الخاصة بالوظيفة العسكرية البحتة، مثلاً، «حميدتي» ينتمي إلى «قبيلة المحاميد» وهي قبيلة عربية حضورها الأقوى والأشمل في دارفور ولها امتدادات في تشاد ومالي والنيجر، بالرغم من أنه عمل على إدخال عناصر أخرى إلى قوات الدعم السريع في الفترة الأخيرة، والقادة العسكر الآخرون لهم الانتماءات القبلية نفسها التي تحدد حجم النفوذ والسطوة، فالفريق إبراهيم عبود أول عسكري يقود أول انقلاب عام 1958 هو من أبناء قبيلة «دنقلة» أيضا أقصى الشمال، في حين الفريق عمر البشير ينتمي إلى قبيلة «الجعالين».
بالرغم من الزخم المدني والشعبي الذي تميزت به ثورة ديسمبر 2018 فإنها ستكون الخاسر الأكبر من الصراع المسلح والدائر حالياً بين «الجنرالين»، فقد أسقطوا البشير وأتوا بالبرهان، لذلك كان التغيير شكلياً، والجيش تحول إلى ساحة صراع بين التيارات والقوى السياسية (إسلاميين– يساريين– قوميين) بعد أن دخلت الأحزاب السياسية في المؤسسة العسكرية، بحيث يمكن القول، إن الجيش انخرط بالعمل السياسي باستدعاء الأحزاب إلى بيئته وحضنه، كما هو الرأي عند بعض المحللين الاستراتيجيين، بقول أحدهم: الضباط الذين سيطروا على السلطة تم حملهم على أجنحة الأحزاب السياسية.
خلاصة الأمر، السياسيون وزعماء الأحزاب أفسدوا الديموقراطية باللجوء إلى الجيش والاستقواء به، وهناك حالة تكوين هجينة بين الإسلام السياسي واليسار والقوميين وبين العسكر، وميليشيا الدعم السريع صارت حارساً لنظام عمر البشير كي تحميه من الجيش، لكن زعيمها انقلب عليه ثم تنازعته طموحات أقلها الوثوب على سلطة الحكم!