“البحار”… قرية كويتية من القرن الثامن عشر… فعالياتها تشكل جزءاً أصيلاً من الموروث الشعبي للبلاد
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – نورة النعيمي –
ما إن تطأ قدماك شارع الخليج العربي في مدينة الكويت عاصمة الدولة حتى يخيل إليك أنك انتقلت إلى عصر آخر وعادت بك الأيام إلى الوراء عشرات السنين لترى أهالي الكويت من البحارة وهم يستعرضون ثقافة أهل البحر بصورتها الحقيقية ومعالمها الواقعية.
لكن الحقيقة أن هذه الأجواء هي جانب من فعاليات “قرية يوم البحار الكويتي” التي تشكل جزءاً أصيلاً من الموروث الشعبي للبلاد، ومشتركاً ثقافياً بين دول الخليج العربي، بهدف التعريف بكل تفاصيل تراث الحياة البحرية في أعوام الماضي الأصيل بجميع ما يجسده هذا التراث من مخزون ثقافي ثري.
القرية تمنح الزوار فرصة معايشة القرن الـ18 بكامل تفاصيلها من خلال رحلة في حياة البحارة القديمة التي تجسد الواقع، الذي كان يعيشه الكويتيون في الأزمنة الماضية، و”يوم البحار” أحد مكونات المرحلة الثالثة من شاطئ الشويخ ويعتبر أحد المعالم البارزة في الكويت، التي أعيد بناؤها وفقاً للطراز المعماري الكويتي القديم وتبلغ مساحته خمسة آلاف متر مربع.
إنشاء القرية
الباحث التاريخي صالح المسباح قال إن “فكرة إنشاء القرية بدأت عام 1986 عندما افتتحت بمساحة واسعة على شواطئ الكويت ببناء بعض المحلات ذات الاهتمام البحري وشيدت بمواد أولية بسيطة معاد تدويرها وعرض فيها كل ما يتعلق بتاريخ البلاد وموروثها الثقافي، واستمرت في نشاطها حتى الغزو العراقي للكويت صيف 1990”.
وأضاف المسباح أنه “بعد تحرير الكويت أقرت الجهات ذات العلاقة هدم ما تبقى من القرية وإعادة بنائها، لكن تم اختصار المساحة إلى الثلث فقط، وأعيد افتتاحها منتصف التسعينيات بـ20 محلاً فقط، بعد أن كانت 120 محلاً في السابق، ومنحت المحلات لكبار السن وأصحاب المهن الحرفية”.
وأشار إلى أن القرية، التي أصبحت منذ عام 2018 تتبع وزارة الإعلام فقط، تعني كثيراً للكويتيين، لأنها “تعرف الأجيال الجديدة على تراث أجدادهم في الماضي، إضافة إلى عاداتهم وتقاليدهم، كما تعرض لهم صوراً ونماذج مطبوعات تاريخية من التراث البحري الكويتي والخليجي وتمنحهم فرص التجوال في أروقة الماضي عبر محلات متخصصة في صناعة مجسمات السفن والصدف وأدوات الصيد والصناديق القديمة التي توضع الأغراض فيها ومهفات الهواء المنسوجة من سعف النخيل”.
ملامح الماضي
شكل السفن القديمة ليس الوحيد الذي يرسم حياة الماضي في القرية، فهناك مهن اندثرت أو ما زالت تصارع الاندثار يحاول بعض الحرفيين في دكاكين القرية إعادة إحيائها وتقديمها إلى الأجيال الجديدة عن طريق تشجيع العاملين فيها ومحاولة توريثها لعدم ضياع هذا الإرث الثقافي، الذي ظل صامداً لعقود عدة، كحرفة القلاف المعني بصناعة التحف الخشبية وبعض المحلات الخاصة بأعمال السدو وأخرى خاصة بالألعاب الشعبية الكويتية ومحلات الصفارين لبيع الأواني الكويتية القديمة ومحلات للألبسة الشعبية القديمة.
وعلى طرفي الممر الرئيس للقرية تقع سلسلة من المحلات التي تعنى ببيع المعروضات التراثية ذات الهوية البصرية لمنتجات أيام البحار.
البائع ثامر السيار يقف في محل الشاكوري وهو اسم يطلق على الرجل المسؤول عن قيادة السفينة يستعرض في أركان محله الهدايا والتحف التذكارية والأواني المنزلية المطبعة برسومات مستوحاة من البيئة البحرية والمستلهمة من تراث الأجداد وتعاملهم مع البحر في سبيل طلب الرزق لعقود طويلة.
وقال السيار، إن “شراء هذه المنتجات يشهد طلباً متزايداً، سواء من الزوار الخليجيين أو من السياح”.
وعلى الرغم مما تتضمنه زوايا القرية من فعاليات وعروض بحرية تعكس ثراء التراث البحري وتعزز حضوره في المشهد الثقافي المحلي والإقليمي، فإن بعض الباعة يرون أن الإقبال عليها قل عما كان عليه سابقاً.
الحرفي جمال العلي قال، إن “الإقبال خف على القرية بعد أعمال الصيانة عما كان عليه سابقاً”، ويطمح إلى إقبال متزايد من المدارس والمهتمين بثقافة التراث البحري.
ودعا العلي الزوار إلى تكثيف الزيارات للقرية والاستمتاع بجميع الأنشطة والفعاليات الفنية والثقافية والتعرف على المواقع التي تبرز ثراء التراث البحري وتظهر ثقافة أهله بمعالمها الواقعية الصادقة مما يرسخ مكانة قرية البحار كوجهة بارزة للتراث والثقافة والسياحة ويعزز دورها في صون التراث البحري والمحافظة على الأصالة والعراقة.