ما السيناريوهات المنتظرة لوضع اللاجئين السوريين بعد “قمة جدة”؟
القمة ستشكل علامة فارقة لعديد من الملفات في المنطقة
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
شكلت عودة سوريا إلى الحاضنة العربية، مجالاً واسعاً، للبحث في قضايا كثيرة عالقة وبحاجة لحلول وحسم، ذلك بعد أن كانت قد عُلقت عضويتها في الجامعة العربية منذ 12 عاماً، علماً بأن وزراء الخارجية العرب، اتفقوا على عودة مشروطة لسوريا، وأن من ضمن شروط العودة التي تمت مناقشتها تهريب المخدرات وملف اللاجئين المتواجدين في دول الجوار، ومنها الأردن وتركيا فضلاً عن لبنان وغيره، كما، وضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج في الحل، وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.
وبينما رأت بعض الجهات المعارضة أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية هو قرار معنوي، يمنح الدول الراغبة بإعادة اللاجئين إلى بلدهم تشجيعاً إضافياً كلبنان، والأردن وتركيا، أشارت جهات موالية إلى أن تلك الخطوة تعد مهمة جداً بخاصة أن باستطاعة الدول العربية أن تساعد في قضايا أساسية مثل مسألة اللاجئين، ومشكلة تهريب المخدرات، ووصول المساعدات الإنسانية لضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في السادس من فبراير (شباط) الماضي، ونظراً لأهمية التطورات الأخيرة وانعكاساتها على أجواء الإقليم بعد الاتفاق ما بين السعودية وإيران، تتجه الأنظار قاطبةً إلى القمة العربية التي ستعقد في مدينة جدة غداً الجمعة 19 مايو (أيار) الحالي.
أزمة اللاجئين السوريين حول العالم
تشكل أعداد النازحين واللاجئين السوريين أرقاماً هائلة، إذ اضطر أكثر من 13 مليون شخص إما للفرار خارج البلاد أو النزوح داخل حدوده. واستضافت دول جوار سوريا، أكثر من 5.6 مليون لاجئ سوري، وهي أكبر مجموعة من اللاجئين حول العالم، إضافة إلى أعداد كبيرة في دول أخرى، وأصبح السوريون يشكلون أكبر عدد من اللاجئين في العالم، حيث ينتشرون في أكثر من 127 دولة، ويتواجد العدد الأكبر منهم في تركيا، بينما يستضيف لبنان والأردن أعلى نسبة لاجئين مقارنة بعدد السكان، ومع الانهيار الاقتصادي الخطير في لبنان، أصبح أكثر من 90 في المئة من النازحين السوريين يعيشون في فقر مدقع، ويعتمدون على الاقتراض والديون المتزايدة للبقاء على قيد الحياة، أما في الأردن، يشكل اثنان في المئة فقط من أسر اللاجئين التي تستطيع تلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية. وعلى رغم أن بعض أجزاء سوريا لم تشهد أي أعمال عدائية منذ 2018، إلا “أن سوريا ما زالت بلداً غير آمن”، بحسب ما تؤكد “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، وأنها “لن تسهل عمليات العودة الجماعية إليها في غياب شروط الحماية الأساسية”، لكنها ذكرت أنها ستساعد اللاجئين الأفراد الذين يقررون العودة طواعية. ومع هذا، لم تشهد أعداد اللاجئين العائدين إلى سوريا، بشكل طوعي، ارتفاعاً كبيراً، ولا تزال السلامة والأمن في سوريا في طليعة المخاوف بالنسبة إلى اللاجئين عند اتخاذ قرار العودة إلى ديارهم.
مخاوف من العودة
ونقلت وكالة “سانا” السورية في 17 مايو، تصريحاً لوزير الخارجية والمغتربين السوري فيصل المقداد، عقب لقائه نظيره اللبناني عبدالله بو حبيب، على هامش التحضيرات للقمة العربية في جدة، تأكيده “…على أن اللاجئين السوريين يجب أن يعودوا إلى وطنهم وهذه العودة تحتاج إلى إمكانات، لكن سواء شجعتهم الدول الغربية على العودة أو عرقلت ذلك، فسوريا ترحب بكل أبنائها، مشيراً إلى أن اللجوء مسألة فيها عبء، لكن سوريا تريد لكل أبنائها اللاجئين أن يعودوا إلى وطنهم، ليكون هذا العبء على الوطن وليس على الآخرين”.
بدوره صرح نائب وزير الخارجية أيمن سوسان، أن الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية ناقشت عودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم وقراهم، مشترطاً إطلاق عملية إعادة إعمار سوريا ورفع العقوبات عن النظام لأجل عودتهم.
العودة انتحار
لكن في المقابل يقول أحد اللاجئين في حديث صحافي، “إن العبور إلى سوريا بمثابة انتحار حقيقي، لا سيما أنه وأقرانه من عشرات الشبان متخلفون عن الخدمة العسكرية في جيش النظام السوري وينحدرون من عائلات شاركت في الحراك الشعبي ضد النظام منذ ربيع 2011 في سوريا، ويتابع أن عشرات الشبان السوريين الذين تم ترحيلهم عبر نقطة عبور المصنع اللبنانية سلموا قسراً إلى عناصر الفرقة الرابعة في الطرف السوري من الحدود، وبات مصيرهم مجهولاً منذ بدء حملة الترحيل الأخيرة من لبنان”.
عن هذا الأمر يقول الدبلوماسي السابق الباحث في “مركز الدراسات الدولية” بسام بربندي، المقيم في واشنطن، لـ “اندبندنت عربية”، “من المشكلات الواجب معالجتها بعد حل مشكلة الأمن، إيجاد بيئة آمنة اجتماعية واقتصادية لعودة اللاجئ، وهو ما يطالب به النظام كمرحلة أولى”. ويضيف “إن اللاجئ السوري لا يشعر بالأمان للعودة إلى بلده، بالتالي يفضل البقاء في دول اللجوء مع كل المنغصات السياسية والاجتماعية، والتمييز العنصري ضده، لسبب أن عودته تعني موته أو اختفاءه”. ويشدد أنه “نظرياً لا يوجد مانع للسوري الموجود في الأردن والعراق ولبنان ومصر، (وهي الدول التي لديها علاقات سياسية مع نظام الأسد والحدود الرسمية تعمل بشكل يومي)، أن يعود إلى بلده، عكس تركيا التي حتى الآن لا يوجد علاقات سياسية والحدود مغلقة نظرياً”. ويرى الدبلوماسي بربندي، أن “قمة جدة” أو غيرها من اللقاءات إذا لم تعالج موضوع الأمن والاستقرار للسوري اللاجئ، كمرحلة أولى، وتجد ضمانات عربية وأممية فكل الاجتماعات لن تنفع بإيجاد حل حقيقي لهذه الأزمة”.
ومن وجهة نظر أخرى، يقول عضو المكتب السياسي في الحزب “السوري القومي الاجتماعي” طارق الأحمد، في حديث مع “اندبندنت عربية” من دمشق، عن الملاحقات الأمنية، “إن الكلام غير دقيق، ومن عادوا بمئات الآلاف. قد يكون من الصعب الحصول على لوائح بالأسماء، ولكن يمكن الاستدلال من خلال المناطق التي كانت مهجورة وعادت إليها الحياة، في الغوطة الشرقية، وفي حمص وحماه وحلب وعديد من المناطق”. ويشرح الأحمد أنه “بشفافية” بالنسبة إلى دولة عانت من حرب لمدة 12 عاماً، هل يعتقد أحد أن الحياة فيها طبيعية؟ “الأعداد الكبيرة في السجون بسبب أن الدولة تحاول أن تضبط عديداً من حالات الفساد، وحالات اكتشفتها الدولة السورية، مارسها فاسدون من الموالاة والمعارضة على حد سواء، فقامت السلطات السورية بملاحقتهم أمنياً وحاكمتهم وزجتهم في السجون. جاء ذلك بسبب غياب الناس خارج البلد، حيث قاموا عبر وكالات وهمية محاولة الاستيلاء على بيوت الناس، وهذا أمر يحسب للدولة السورية، لأنها كشفت عن كثير من الشبكات المتعاونة، حتى مع بعض المسؤولين في الدولة وهذا ما أعلنه الرئيس بشار الأسد. غير ذلك المناطق كلها كما كانت قبل الحرب هي ذاتها بعده، أي بالنسيج السكاني والانتماءات ذاتها”.
“ورقة” في الانتخابات التركية
يتحدث كثير من المراقبين أن اللاجئ السوري تحول إلى معطى انتخابي في الانتخابات التركية، ويعلق الدبلوماسي بسام بربندي على الأمر بالقول، “إن مشكلة اللاجئين السوريين أصبحت ورقة ضغط ومساومة بين البلدان المستقبلة لهم وبين نظام الأسد، فمثلاً كان أحد الشعارات الانتخابية لكل المرشحين للرئاسة التركية، هو تسهيل عودة المهجرين السوريين إلى بلدهم، وفي السياق أعلنت تركيا أنه عاد أكثر من 100 ألف سوري إلى مناطق تواجد الجيش التركي، أو مناطق النفوذ التركي والمشكلة بالنسبة إليهم هي إيجاد فرص عمل.
أما عضو المكتب السياسي في الحزب “السوري القومي الاجتماعي”، فيعلق بالقول “معلوم، مع الأسف، استعمال ورقة اللاجئين كمعطى انتخابي تركي، سواء لجهة المرشح والرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، أو كليتشدار أوغلو وما يمثلان، لكن في الحالين بالنسبة إلى الدولة السورية الموضوع يحتاج إلى تنسيق وتعاون مشترك، بالتالي ما يعنيها هو السياسة التركية التي ستتمخض عن الانتخابات. أما بالنسبة إلى الدول العربية فسوريا مستعدة أن تنطلق منذ الغد بالتنسيق مع أي وفد لبناني، أو أردني، أو خليجي، أو مصري، وسيبدأ العمل مباشرة، لكن بالنسبة إلى تركيا فذلك غير ممكن، والسبب بسيط، أن تركيا لا تزال تحتل أجزاء كبيرة من الأرض السورية، بالتالي يجب التفاهم على هذا الموضوع، من خلال الانسحاب والتنسيق ليس فقط من أجل عودة اللاجئين، بل أيضاً بالنسبة إلى انسحاب الاحتلال التركي من الأراضي السورية”.
ويشير الأحمد إلى أن “هناك جمراً تحت الرماد، ومشكلات معقدة في المجتمع التركي ستبرز بعد الانتخابات مهما كانت النتيجة”.
ما السيناريوهات المنتظرة؟
يعتبر الدبلوماسي بربندي، أن الولايات المتحدة تبقى الدولة الأهم في الأزمة السورية لوجود قوات عسكرية لها في سوريا، ولأنها تفرض عقوبات اقتصادية تمنع أي استثمارات أو دعم مالي للنظام قبل تحقيق شروط القرار الدولي 2254، الذي يعتبره النظام بدعم من روسيا وإيران، أنه غير ملزم لهم، بالتالي ستبقى هذه العقوبات موجودة وستحد كثيراً من أي نوع من المساعدات المباشرة للنظام، تحت أي غطاء إنساني أو أممي، ولن يستطيع أحد تلبية شروط النظام بتأمين الدعم المالي، كشرط مسبق لعودة اللاجئين، ويتابع بربندي “من الصعب تصور وجود حل حقيقي قريب وفاعل لأزمة اللاجئين السوريين في المدى المنظور، إلا إذا غير النظام تركيبته وتفكيره الأمني تجاه شعبه، ولا يوجد أي مؤشرات لذلك حتى اليوم”. ويضيف بربندي، يجب ألا ننسى أن وجود السوري في الدول المحيطة بسوريا يؤمن لهذه الدول سيولة من العملات الصعبة، التي تنفقها منظمات الأمم المتحدة على دعم وجود هذه الشريحة من الناس، ومن الصعب التصور أن هذه الدول تستطيع التخلي عن هذه الأموال بغياب بديل مالي حقيقي عن هذه المساعدات، على رغم كل الضجيج الإعلامي والسياسي الذي نسمعه.
ويشير الباحث السياسي طارق الأحمد، إلى أن القمة ستشكل علامة فارقة في ما يتعلق بقضية اللاجئين، كونها أصبحت تشكل عبئاً على كل الدول المحيطة وتحدياً أيضاً، وأصبح للدول مصلحة في العلاقة مع الحكومة السورية، ويؤكد أن سوريا تريد إنجاح العلاقات العربية- العربية انطلاقاً من “قمة جدة”، وطبعاً ستحصل اجتماعات يوضع فيها الإطار العام بعيداً من الشعارات والاتهامات.
ويضيف أن سوريا حضرت مؤتمراً للاجئين منذ أربع سنوات، أصبح يعقد كل سنة، ودعيت كل دول العالم في ذلك الوقت، وحضر وزيران من لبنان، بينما قاطعت كل دول العالم ولم تكترث، ويشرح الأحمد أن ما تريده سوريا هو أن يكون هناك عمل حثيث وتقني للعودة. ويتساءل هل يمكن الحديث بلغة إنسانية أن تنقل اللاجئ من مخيم متواجد فيه في لبنان، إلى مخيم قرب بيته المهدم، في حمص أو حلب أو غيرها من المناطق؟ ويتابع أنه يجب تأمين الحاجات الأساسية في المرحلة الأولى.
هل تملك الدولة السورية خطة واضحة؟
يقول السياسي طارق الأحمد، العنوان الأساسي له علاقة بما سيتمخض عن القمة العربية، وخطة سوريا مد اليد والتعاون، ويتحدث عن حمص لأنه من أبنائها، ويشرح أن نصفها تقريباً كان مغلقاً، واليوم عند التجول، كل شوارع حمص أصبحت مفتوحة مع العلم أنه ما زالت هناك مناطق مهدمة، ويشير أنه من الممكن العودة مباشرةً، شرط الجدية، لأن هناك ضغطاً كبيراً على الدولة السورية بالدرجة الأولى بسبب الاحتلال الأميركي، لأهم موارد الاقتصاد السوري من نفط وغاز وقمح وقطن وشعير في المنطقة الشمالية الشرقية، أي المنطقة التي تسيطر عليها “قسد”. ومن ثم الحصار الغربي والأميركي و”قانون قيصر”، الذي هو أشبه بعصر الرقبة للمجتمع السوري، ما يؤثر في إمكانات الدولة السورية، وحتى المواطن السوري الذي يعيش في الخارج.