تمنيت الحصول على نسخة من هذا الكتاب
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
استغرق مني القراءة نحو الساعة تقريباً، أحسست بنشوة الانتصار على شخصية «د.نازل»، فقد أظهرها لنا وببراعة الزميل طالب الرفاعي، بكل دناءتها وإفسادها وانتهازيتها، وهو بالمناسبة بطل القصة والرواية وهذا مزج جديد بالكتابة نجح فيه صاحب «الملتقى الثقافي».
أسلوب ممتع وخفيف لكنه يحمل فكراً مؤثراً إلى جانب طريقة العرض وما يتبعها من أساليب فنية غاية في التشويق.
التقى الصديق طالب الرفاعي مرة بالدكتور «نازل» في ديوانه، طلب منه لقاءه في مكتبه، فبادره بالقول «أريد إنشاء إدارة جديدة في الشركة أسميتها (إدارة لشؤون الكذب العالمي)، فما قصة هذه الإدارة، لنترك النص الوارد في القصة يتكلم بنفسه دون تدخل مني، يسرد فيها الدكتور «نازل» فلسفته بالكذب ويصغي إليه الكاتب طالب الرفاعي، وأحياناً يعلق على ما قاله:
«العالم من أقصاه إلى أقصاه يكذب بعضه على بعض، المفكرون الفلاسفة، المسؤولون، دكاترة الجامعة، الكتاب، الصحافيون، وممثلو هوليوود».
كان يتوقف عند كل فئة وكأنه يتأكد من موافقتي لصمتي:
«رجال الاقتصاد والسياسة، والرياضيون، وبعض رجال الدين، يكذبون في لقاءاتهم وكتبهم وخطبهم وجملهم على تويتر وفيسبوك وإنستغرام، وهم ذاتهم يكذبون بشكل طازج، حين يجلسون مع عوائلهم وأقربائهم، ويكسب كذبهم لوناً مغايراً أمام كاميرات التلفزيون، أو في الحفلات العامة!».
سكت فجأة ليشعل سيجارة جديدة، ويبدأ التدخين قائلاً: «من منا لا يكذب؟!»، عرفته منذ مطلع شبابي، وأعجبت به، لسانه الطلق، وهيبة حضوره وهندامه، ونظرة عينيه، ونبرة صوته العميقة، وقدرته حين يتحدث على جذب انتباه جميع من يستمع إليه.
«طردك مديرك لأنك صادق!»، فاجأني بجملته: «هذا خطأ منك، فلا مانع أبداً من بعض الكذب والتزوير»، أسند ظهره لمقعده، وراح يتكلم بهدوء، وفجأة سألني: «اذكر لي شخصاً واحدا صادقاً»، ولأني بقيت ساكتاً، أكمل: «هي طبيعة البشر، الطفل يتعلم الكذب في البيت والمدرسة، يكذب خوفاً وكسباً لمراده، وما يلبث أن يكتشف فضيلة الكذب وأهميته، فيصادقه ويعيش به طوال حياته».
«الكذب منقصة». نطقت.
«هذه عبارة كاذبة ما عادت تصلح لعصرنا! الكذب ملح الحدث الدائر!»، تناقشنا لأكثر من نصف ساعة، وفجأة سكت، أشعل سيجارة جديدة، وعاد يسألني: «هل أنا صادق في كل ما أقول وأروي؟».
تحرجت أن أرد عليه.
«تكلم، قل. أنا سأجيبك: كلا».
استأذنته غير مقتنع بفكرته، لكنه قال: «لنا جلسة أخرى».
في لقائنا الثاني تناقشنا لوقت أقصر، شعرت أن له بعض الحق في الأمثلة التي ذكرها، وبعد جلستنا الثالثة، وافقت، ووقعت عقد عملي لدى الشركة، وفوراً بدأت برسم الهيكل التنظيمي للإدارة الجديدة، وريثما رفعت شركتنا كتاباً للمؤسسة الأم شرحت فيه الحاجة لإنشاء «إدارة شؤون الكذب العالمي»، والأقسام التابعة لها، وعدد الموظفين المطلوبين، وأن الإدارة ستكون تحت قطاع العلاقات العربية والأجنبية.
حضرت أكثر من اجتماع مع مسؤولي الشركة الأم، وكنت أحاول إقناعهم، فأكذب عليهم، ويحاولون تفنيد أقوالي فيكذبون علي، ونمضي ساعات طويلة في اجتماعات ونقاشات ملؤها الكذب.
شرحت لهم: «إن السياسة الروسية تكذب بطريقة تختلف تماما عن الطريقة الأميركية، وروسيا وأميركا تكذبان بطريقة تختلف بالضرورة عن الطريقة الصينية، التي اخترعت طريقة الكذب الصامت، وطرق روسيا وأميركا والصين لا تشبه دس سم الكذب الإنكليزي الخبيث، أوالفرنسي الموسيقي الملون، وهذا مجتمع يختلف عن لعلعة وتهويش الكذب العربي».
أخيراً، أرسلت الشركة الأم كتاباً توافق بموجبه على إنشاء إدارة شؤون الكذب العالمي، وتبوأ الدكتور نازل، بالإضافة إلى مناصبه الكثيرة، منصب المدير العام، فالرجل مشهود له بقدرته الفائقة على ترتيب أفكاره الكاذبة، حتى إنه لا يمكن لأي خبير أن يميز صدقه من كذبه، وقد نال شهادته الجامعية من إحدى الجامعات البريطانية العريقة، وكان موضوع أطروحته في الدكتوراه: «أعذب الصدق أكذبه، تحقيق لامية الكذب في فتوح النهب».
انتهى النص المنقول ونترك التعليق لكم.