“عملة نادرة” دراما تذكر بمشاكل المرأة في الصعيد المصري

النشرة الدولية –

العرب – حنان مبروك –

هرت الممثلة المصرية نيللي كريم هذا العام في ثوب مختلف، حيث ارتدت للمرة الأولى عباءة المرأة الصعيدية، وحملت مشكلاتها ومخاوفها إلى المشاهد المصري والعربي، لتذكر بحقوقها المنسية وأحوالها التي لم يتحسن الكثير منها رغم حضورها الدائم في الدراما المصرية. فكانت تجربتها هذا العام نادرة ومهمة بالنظر إلى مسيرتها الفنية والمواضيع التي اعتادت طرحها على جمهورها.

أظهرت شركات الإنتاج وكتاب القصة والسيناريو منذ سنوات قليلة توجها نحو كتابة وإنتاج أعمال درامية على مقاس البطل الرئيسي أو الأوحد للعمل الدرامي، فأصبحنا نشاهد كل موسم رمضاني عددا كبيرا من المسلسلات، منها ما يطلق عليه في سوق الإعلانات وبين النقاد والصحافيين بمسلسل فلان أو فلانة كأن يقال “مسلسل يسرى”، “مسلسل غادة عبدالرازق”، “مسلسل عمرو سعد” وغيرها من أسماء نجوم الصف الأول.

ولئن كانت هذه العادة متبعة في السينما المصرية والعربية منذ سنوات إلا أنها توسعت في الدراما، وصحيح أنها تدعم سوق العمل والإنتاج وتمنح الكثير من الفرص للنجوم الشباب وممثلين الكومبارس والصف الثاني للمشاركة في أعمال متنوعة، إلا أنها تغرق سوق الدراما في كل موسم رمضاني بأعمال لا يقدر المشاهد على متابعتها، لا خلال الموسم نفسه ولا حتى طوال العام، وتضع الفنانين في مقارنات متفاوتة من حيث المواضيع التي يختارونها كل عام وصولا إلى الأداء التمثيلي.

في الموسم الرمضاني لهذا العام، دخلت الفنانة المصرية نيللي كريم المنافسة الدرامية بمسلسل بعنوان “عملة نادرة” يصنف ضمن الدراما الصعيدية أو دراما الصعيد المصري، وهو “جلباب” تلبسه الممثلة للمرة الأولى في مسيرتها الفنية، فتحدت به نفسها وجمهورها الذي اعتاد متابعتها كل عام في مسلسلات تلفت الانتباه بتناولها قضايا ومواضيع شائكة في المجتمع المصري، وبعضها يكون شرارة لتغيير قوانين تخص الأسرة والطفولة وغيرهما.

قضايا أهل الصعيد

بوكس

تجسد نيللي كريم خلال أحداث مسلسل “عملة نادرة” شخصية نادرة، البنت الصعيدية التي تعيش معاناة الفقر واليتم والتفرقة والحرمان الذي يحاصر المرأة ويمنعها أن ترث الأرض وأن تكون مستقلة في تربية ولدها بعيدا عن سلطة عائلة الأب المتوفي، لكنها كعادتها في أعمالها السابقة، تظهر امرأة قوية تتحدى الجميع، فتفتك حقها بالقوة والحيلة، وتلاعب “كبار النجع” فتواجه المشاكل والتحديات لتغيّر العرف السائد وتنتصر لنفسها وللعديد من النساء اللواتي يشبهنها سواء في المسلسل ذاته أو في الصعيد.

المسلسل هو من تأليف مدحت العدل وإخراج ماندو العدل وإنتاج شركة العدل غروب للمنتج جمال العدل، ويشارك نيللي كريم التمثيل كل من جمال سليمان، جومانا مراد، أحمد عيد، كمال أبورية، فريدة سيف النصر، ندا موسى، محمد لطفي، علي الطيب، مريم الخشت، هشام عاشور، نهى صالح، محمد فهيم، رمزى العدل ووئام مجدي، بالإضافة إلى عدد كبير من الفنانين الشباب.

وجاء صوت الفنان محمد منير الذي غنى شارة المسلسل، من كلمات الشاعر المصري الراحل عبدالرحمن الأبنودي وألحان محمد رحيم، ليعزز الهوية الصعيدية للمسلسل، ويسهم في شهرته بين جمهور “الكينغ”.

تبدأ أحداث مسلسل “عملة نادرة” في التسعينات، وتقدم نيللي كريم من خلاله الدراما الصعيدية للمرة الأولى، ويبدو أنها استعدت لها بالشكل المناسب، حيث بدت مقنعة إلى حد كبير، ومتمكنة من اللهجة كغيرها من الممثلين المشاركين، رغم بعض الهنات أحيانا، ومن أبرزهم جمال سليمان الممثل السوري الذي يعيش في مصر منذ سنوات ويعمل في الدراما المصرية سنويا وعرف بمشاركته في دراما الصعيد حتى أنه أتقن اللهجة وتقمص هيئة الصعيديين وحركاتهم.

جاء المسلسل مميزا وسط الكثير من الأعمال الدرامية التي استسهلت طرح قضايا خيالية واتجه بعضها نحو كوميديا غير مقنعة، وكان العمل في ثلثه الأول ذا سيناريو متماسك، عززه الإخراج المحكم والأداء الجيد للممثلين مع نسق الأحداث السريع، لكنه شهد في ثلثه الثاني تباطؤا أوشك أن يوقعه في فخ الإطالة، لكن العمل سرعان ما استعاد توازنه.

سلطت “نادرة” الضوء على العديد من القضايا، إلى جانب قضية ميراث المرأة الصعيدية، منها كواليس الحياة في النجع وكيف يحتكم أهاليه لـ”كبير” واحد يفرض عليهم بالقوة قوانينه وشروطه.

الحياة في هذه الأماكن الريفية النائية، لطالما حضرت في مسلسلات سابقة وفي هذا المسلسل أيضا، حياة صعبة، المرأة هي الضحية الكبرى فيها، يليها الفقراء والمهمشون، في حين يتحدى كبارها ورجالهم القانون، يتاجرون في الأسلحة والمخدرات والآثار، ويتخفون تحت عباءة البرلمان ليحميهم وعلاقاتهم بكبار قادة الدولة من أي محاكمة أو مساءلة قانونية، ما يولد لدى الشباب نزعة للانتقام ولاسترداد الحقوق نيابة عن أهل النجع.

وعادة ما تكون المشاركة في دراما الصعيد اختبارا صعبا للفنانين، لاسيما في ضوء السمات الخاصة التي تتطلبها تلك الأعمال، بدءا من اللهجة والأزياء والحبكة الدرامية وغير ذلك، لذلك يتجنبها العديد من نجوم الدراما المصرية بينما يحاول آخرون تحدي أنفسهم بخوض التجربة ولو لمرة واحدة طوال مسيرتهم الفنية.

لكن نيللي كريم ترى أن حصر الفنان في أدوار معينة بالنسبة لها أمر غير مقبول، فهي تؤكد في أغلب تصريحاتها أنها تحب التنوع في أدوارها، لذلك اختارت شخصية نادرة كونها شخصية مليئة المشاعر المختلفة المقترنة طوال الوقت بالشموخ والاعتزاز بالنفس والتمسك بالحقوق.

اختيارات نادرة

بدأت نيللي كريم تعرف بفرادة أعمالها الدرامية منذ مسلسل “بنت اسمها ذات” الذي عرض في العام 2013، المأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب صنع الله إبراهيم، والذي رصد التطورات الاجتماعية في مصر انطلاقا من مشاكل فتاة تدعى ذات. ثم مسلسل “سجن النساء” الذي عرض في العام 2014، وناقش الدوافع الاجتماعية والنفسية والاقتصادية لارتكاب الجريمة في صفوف النساء، واللا مساواة بين المرأة والرجل، ففي حين يقبل المجتمع توبة الرجل، فإنه لا يعفو عن المرأة ويرفض إعادة اندماجها في المجتمع فيجبرها على العودة إلى السجن مرة أخرى.

وعملا تلو الآخر، تثبت نيللي كريم جدارتها وموهبتها، وأنها فنانة تتجه أكثر نحو اختيارات ملتزمة بقضايا اجتماعية مهمة، تحاول من خلالها تحريك المياه الراكدة في القوانين والقضاء المصري، وتهتم فيها بواقع المرأة المصرية الذي يشبه في الكثير منه واقع المرأة العربية. وهي من أجل ذلك لم تنسق وراء التجميل المبالغ فيه ولا وراء “الابتسامة الهوليوودية” التي تجعل الكثير من الممثلين غير مقنعين.

وإلى الآن تحتل أعمال نيللي كريم مكانة هامة في الأعمال التلفزيونية المصرية خصوصا أعمال شهر رمضان، ومن أهم أعمالها أيضا مسلسل “تحت السيطرة” (2016) ومسلسل “لأعلى سعر” (2017) ومسلسل “اختفاء” (2018)، وفي حين أنها حاولت التخلي عن التراجيديا وشخصية “الدراما كوين” التي ارتبطت بها عبر المسلسل الكوميدي “بميت وش” الذي عرض في العام 2020، إلا أنها عادت بسرعة إلى “الثوب” الذي ضمن لها النجاح الجماهيري فقدمت في العام 2021 مسلسل “ضد الكسر”، ثم قدمت العام الماضي مسلسل “فاتن أمل حربي” الذي تطرق إلى حياة المرأة المصرية بعد الطلاق وانتقد العديد من القوانين وأحدث ضجة واسعة في الأوساط القضائية والحقوقية المصرية، وحرك البرلمان لسن قوانين لصالح المرأة والطفل، واستفز دار الإفتاء لمناقشة العديد من المسائل الفقهية انطلاقا من روح العصر الراهن.

ورغم نجاح مسلسلها هذا العام وإثباتها عن جدارة أنها “عملة نادرة” في اختيارها لمواضيع أعمالها، إلا أن بعض النقاد رأوا في مسألة الميراث موضوعا مكررا يعيد تناول المشاكل نفسها للصعيد المصري، لذلك يحتاج المؤلفون، وكل من يكتب عن الصعيد، أن يذهبوا ويروا على عين المكان كيف تغيّر الجنوب تماما عن الماضي وكيف ظهرت فيه مساءل جديدة تستحق الطرح. لكن ما يمكن أن يبرر إعادة طرح مسألة الميراث هو أن القوانين لم تنجح في محاربة التقاليد والتي لا تزال تحرم المرأة حقها رغما عنها.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى