البيان من عمّان.. والأجوبة في طهران
بقلم: خير الله خير الله
النشرة الدولية –
لنضع تهريب المخدرات، من كبتاغون وما شابه، إلى دول الخليج العربي وإلى أوروبا جانبا. ثمة أسئلة عربيّة لا يستطيع النظام السوري الإجابة عنها. تشمل هذه الأسئلة، على سبيل المثال، لمن القرار النهائي في دمشق. للنظام السوري أم لطهران؟
ذلك هو السؤال الأساسي الذي يفترض في النظام السوري الإجابة عنه، عبر بشّار الأسد أو أي من وزرائه مثل وزير الخارجية فيصل المقداد الذي شارك في الاجتماع الوزاري العربي الذي انعقد في عمّان.
جاء اجتماع عمان بين وزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر والعراق بحضور وزير الخارجية السوري فيصل المقداد استكمالا لإجتماع عقد الشهر الماضي في جدّة. كان في اجتماع جدّة وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون ووزراء الخارجية المصري والأردني والعراقي فضلا عن المقداد.
لا يمكن إلّا التوقف عند ما ورد في البيان الصادر عن اجتماع عمّان الذي يشير إلى وجود مبادرة أردنية تجاه سوريا. تقوم المبادرة الأردنيّة على فكرة “خطوة مقابل خطوة” التي تعني أن أي خطوة إيجابيّة عربيّة تجاه سوريا يجب أن تقابل بخطوة يقدم عليها النظام. هل مثل هذا الأمر وارد؟ الجواب أنّه أمر مستبعد. يعود ذلك إلى أن أي خطوة يمكن أن يقدم عليها النظام في دمشق تحتاج إلى ضوء أخضر من طهران. من هذا المنطلق، يبدو مفيدا، أيضا، عدم إضاعة الوقت والتفاوض مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” مباشرة بدل التفاوض مع النظام السوري القائم. يعرف هذا النظام، قبل غيره، أنّ مصيره مرتبط بالدعم الإيراني وبالميليشيات المذهبيّة التي أرسلها “الحرس الثوري” كي يبقى بشّار الأسد في دمشق.
في كلّ الأحوال، يبقى المنطق الأردني هو المنطق السليم، خصوصا في ظلّ وجود وزير للخارجيّة اسمه ايمن الصفدي يعرف المنطقة والعالم ويعرف سوريا جيدا ويفهم توجيهات الملك عبدالله الثاني بدقة متناهية.
لا تشجّع كلّ التجارب السابقة، بما في ذلك تجارب الماضي القريب، على أي رهان على انفكاك بين “الجمهوريّة الإسلاميّة” والنظام السوري، خصوصا متى تذكرنا أن اغتيال رفيق الحريري في بيروت الرابع عشر من شباط – فبراير 2005، كان عملية مشتركة بين الجانبين. على الرغم من ذلك، يظل في بيان عمّان ما يستأهل التوقف عنده. من المفيد التوقف أوّلا عند الفقرة التي تتضمن إشارة إلى القرار الرقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن في كانون الأوّل – ديسمبر 2015، وهو قرار يكره النظام السوري السماع به من قريب أو بعيد نظرا إلى أنّه يعني أول ما يعني أنه مجرد تمهيد لرحيله. كلّ ما تضمنه القرار الذي اتخذ بإجماع أعضاء مجلس الأمن مرفوض من النظام السوري. يتحدّث القرار عن “فترة انتقالية” تستمر 18 شهرا تليها انتخابات عامة باشراف الأمم المتحدة. كيف لنظام اقلّوي لم يمتلك شرعيّة في أي يوم من الأيام القبول بانتخابات في أجواء شفافة في بلد عبّر شعبه منذ آذار – مارس 2011 عن رفضه الكامل للنظام؟
جاء في الفقرة المتعلّقة بالقرار 2254: “يمثل مثل هذا الاجتماع بداية للقاءات ستتابع لإجراء محادثات تستهدف الوصول إلى حلّ للأزمة السوريّة ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254 ويعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانيّة والسياسيّة والأمنيّة”.
كان مهمّا الإشارة إلى القرار 2254، كذلك كان مهما الإشارة إلى وجود القوات الأجنبية في سوريا الواقعة تحت خمسة احتلالات. جاء في هذا المجال أنّ الوزراء أكّدوا “ضرورة إنهاء أزمة سوريا عبر الحل السياسي وإنهاء وجود الجماعات المسلّحة والإرهابية على الأراضي السورية”… وشددوا على أن “الأولوية هي لإنهاء أزمة سوريا وكل ما سبّبته من قتل وخراب ودمار. والعمل على دعم سوريا لبسط سيطرتها على أراضيها وفرض سيادة القانون وخروج القوات الأجنبية غير المشروعة”.
ليس سرّا أن سوريا تقع تحت خمسة احتلالات هي الإيراني والروسي والتركي والأميركي والإسرائيلي. طبعا، يعتبر الاحتلال الإسرائيلي الأقدم، إذ يعود إلى حرب حزيران – يونيو 1967. لم يعمل النظام السوري يوما بشكلّ جدّي من أجل الإنتهاء من هذا الاحتلال الإسرائيلي الذي كان ورقة استخدمها في تجارة واسعة بدأها منذ اليوم الأول لحصوله، وكان حافظ الأسد لا يزال وزيرا للدفاع.
في هذا السياق ما التفسير الذي سيخرج به النظام لعبارة “خروج القوات الأجنبيّة غير المشروعة”؟ من الآن، سيفسر النظام هذه العبارة بالتفريق بين احتلال حلال وآخر حرام. الإحتلالان التركي والأميركي حرام فيما الإحتلالان الإيراني والروسي حلال، نظرا إلى أنّهما ضمانة أمنيّة للنظام من جهة وضمانة لعدم التطرق إلى القرار 2254 من جهة أخرى. ليس ما يدعو إذا، من وجهة نظر النظام، إلى خروج “القوات المشروعة” الموجودة في الأراضي السوريّة بناء على طلبه…
في ظلّ الحرب الأوكرانيّة، تراجع الدول الروسي في سوريا. كان بشّار الأسد أول من استوعب ذلك. لم يعد من داعم حقيقي للنظام سوى ايران وميليشياتها. بكلام أوضح زاد النفوذ الإيراني وسيزداد اكثر مع وصول مرتقب للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق في زيارة تستهدف تأكيد أهمّية وجود “الجمهوريّة الإسلاميّة” في هذا البلد الذي كان يسمّي نفسه في الماضي “قلب العروبة النابض”!
ليس امام العرب الشرفاء سوى محاولة استعادة سوريا. ستكون مهمتهم صعبة. يبشّر بالخير الإصرار على القرار 2254، لا لشيء سوى لأنّه مطلب أميركي واوروبي أيضا. في النهاية، سيبقى الجواب عن الأسئلة العربيّة الموجهة إلى النظام السوري في طهران وليس في مكان آخر. الطريق إلى خروج النظام السوري من الهيمنة الإيرانيّة طويل ومعقّد، بل طويل جدا ومعقد جدا.
يكفي للتأكّد من ذلك الحجم الحقيقي للديون المترتّبة على سوريا تجاه ايران، وهي ديون سيسعى الإيرانيون إلى تحديد رقم لها مع زيارة رئيسي لدمشق. إضافة إلى هذه الديون، توجد الإستثمارات الإيرانيّة في سوريا… وهي استثمارات ضخمة، تشهد على مدى ارتباط “الجمهوريّة الإسلاميّة” بنظام محدّد من جهة ومدى إصرارها على تغيير التركيبة الديموغرافية لسوريا، من منطلق مذهبي وعرقي، من جهة أخرى.