الرواية العربية تشهد تضخما رغم قلة الدراسات وارتباك الجوائز

العراقي كه يلان محمد: العمل الروائي يشترك مع الموسيقى والعمارة

النشرة الدولية –

العرب – كاتيا الطويل –

في إطار تحضيرها لمشروع أطروحة الدكتوراه بعنوان “حول الرواية العربية الجوائز المخصصة لها”، أنجزت الكاتبة والروائية اللبنانية كاتيا الطويل سلسلة من الحوارات مع عدد من المتابعين للحراك النقدي والإبداعي أرادت من خلال أسئلتها تغطية آراء المشاركين من مختلف البلدان العربية. وكان الكاتب العراقي كه يلان محمد مساهما في هذه الحلقة النقاشية بحوار معه.

نسأل بداية الكاتب العراقي كه يلان محمد عن رأيه: أين هي الرواية العربية اليوم من قافلة الإنتاج الروائي العالمي؟ ليجيبنا “الرواية العربية أصبحت حاضرة في مشهد الأدب العالمي وتنافس عناوين عربية مترجمة إلى اللغات الأجنبية على جوائز مرموقة. نعم إن معرفة القارئ الأجنبي بالرواية العربية قد تتطلب وقتا كما أن ذلك يستدعي مزيدا من الاهتمام بالترجمة المعاكسة، ويجب ألا تنحصر الترجمات في أسماء محددة. يصح تفسير اهتمام العالم بالرواية العربية على ضوء ما تشهده المنطقة من أزمات، حيث تحولت البلدان العربية إلى بؤرة للصراعات المحتدمة”.

ويضيف “إذا تصفحت عددا من الروايات التي صدرت في السنوات العشر الأخيرة تجد أن المشترك بينها هو ثيمات الحرب والهجرة والإرهاب والصراعات المذهبية. ونحن نقول ذلك، لا نقصد التعتيم على القيمة الفنية للرواية العربية لأن ثمة مساعي لتجديد البنية والخطاب الروائي من خلال توظيف صياغات وتشكيلات سردية جديدة، هذا إضافة إلى إيجاد قنوات التواصل بين الرواية والفنون الأخرى وبالأخص السينما”.

حول العناصر أو المعايير التي تمنح رواية جودتها وقيمتها، يقول محمد “ما يعطي القيمة لأي عمل أدبي هو التوازن القائم بين الشكل والمحتوى. طبعا، إن ترتيب المعطيات في الرواية وتفادي الوقوع في اللبس على المستوى الزمني عامل مهم في نجاح النص الإبداعي لأن العمل الروائي يشترك مع فن الموسيقى من ناحية التناغم كما يحتاج إلى التنظيم والتصميم مثل العمارة”.

هناك من يقر بأن الجيل الجديد من الكتاب يجرؤ على التجريب وكسر القيود والخروج عن المتعارف عليه، ويوضح الكاتب العراقي أن الروائي العربي اليوم لم يعد مقيدا بأنماط تقليدية في الكتابة، بل يحاول الحفر في تربة بكر، ونجح عدد من المبدعين في توظيف بنية المدونة وسد الثغرات السردية من خلال الصور الفوتوغرافية، وهنا يشير إلى تجربة سلوى جراح في “الرواية الملعونة”، كما أن الروائي العراقي سعد محمد رحيم تمكن من استثمار وعيه الروائي في صياغة عمله المعنون بـ”مقتل بائع الكتب”، كذلك الأمر بالنسبة إلى سنان أنطوان فقد نحت شكلا سرديّا يمزج بين خبرته الحياتية والتاريخ ومشاهداته العيانية للواقع في رواية “فهرس”.

ويتابع “لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل ثمة طموح للدمج بين الفضاء الافتراضي والواقع الحقيقي كما تجد ذلك في رواية الكاتبة العراقية إنعام كجه جي عندما تتناول موضوعة المقبرة الافتراضية في ‘طشاري’، كما اعتمد الروائي الكويتي بسام مسلم في الحوار المتبادل بين شخصياته الروائية على الإيحاءات الإيموجية في عمله المعنون بـ’وادي الشمس’، وخالف الروائي التونسي كمال الرياحي بدوره النمط السائد في تجربته الروائية، فهو يكتب أعماله بوعي الكاتب الحساس الذي يكون على دراية بالمشهدية وبنية المدونة وتطويع الخبرة في البناء الروائي”.

نسأل محمد عن رأيه في الإنتاج الروائي العراقي، وهل يجد أن الرواية العراقية تنافس الروايات العربية الأخرى؟ ليجيبنا “طبعا عرف الوسط الثقافي العراقي بوصفه منصة لانطلاقة تجربة الحداثة الشعرية، لكن الآن إضافة إلى الشعر ثمة تجارب روائية مهمة في العراق استقطبت الاهتمام على المستويين العالمي والعربي”.

ويضيف “صحيح قد تقع على تكرار في الحبكات والثيمات التي تنهض عليها الأعمال السردية وهذا أمر طبيعي، ويؤسس هذا المدّ وعيا ناضجا لصنعة فن الرواية. ونحن نتحدث عن الرواية فلا بد من التنويه بعناوين أصبحت مقروءة على نطاق الواسع: ‘فرانكشتاين في بغداد’، ‘بابا سارتر’، ‘الملك في بجامته’، ‘بيت السودان’، ‘الحفيدة الأميركية’. ولا ننسى أن ثمة جهودا كبيرة لبلورة الوعي الروائي بموازاة الإصدارات الإبداعية، وما قدمته الكاتبة والروائية لطفية الدليمي من خلال ترجماتها يعتبر رافدا مهما على هذا الصعيد”.

الوسط الثقافي العراقي عرف منطلقا لتجربة الحداثة الشعرية لكن الآن إضافة إلى الشعر ثمة تجارب روائية مهمة

وحول تقييمه لحركة النقد الروائي في العالم العربي اليوم، يقول محمد “تراكم الأعمال الإبداعية هو قوام الاشتغالات النقدية. عندما تفاعلت النصوص الروائية مع الاتجاهات الجديدة منذ منتصف القرن الفائت وتصاعدت الإصدارات الروائية شهد الوسط الأدبي حراكا نقديا فأخذ كثير من النقاد بنشر دراساتهم عن أدب نجيب محفوظ ورصد تجربته الإبداعية. يمكن الإشارة في هذا السياق إلى ما قدمه محمود أمين العالم، ونبيل راغب، وعبدالقادر قط، ولطفية الزيات، وحين نشر جمال الغيطاني ‘الزيني بركات’ اتخذه الناقد سعيد يقطين ركيزة لكتابه المؤسس ‘الخطاب الروائي’”.

ويضيف “في العراق دشن الناقد شجاع مسلم عاني مشروعه النقدي بناء على الروايات الصادرة وتقاطعها مع الرواية العالمية ونشر دراسته الرائدة بعنوان ‘البناء الفني في الرواية العربية في العراق’. والغرض من ذكر كل ما سبق هو الإبانة عن دور العمل الإبداعي في النهوض بالدراسات النقدية، لكن اليوم على الرغم من وجود ما يسمى بالتضخم الروائي لا نجد دراسات نوعية في مجال النقد الروائي باستثناء محاولات من هنا وهناك. هنا يجب الإشادة بكتاب لطيف زيتوني ‘الرواية والقيم’ ومساءلته للوعي القائم من خلال تجارب روائية عربية. ولا يمكن فهم هذا التعارض بين الركود النقدي والمد الروائي إلا من خلال إدراك تعاظم دور القارئ الذي يعبر عن انطباعاته حول ما يتابعه ويقرأه دون الرتوش إذا ما عاد الناقد وصيا على القارئ ولا يحتاج المبدع إلى تعميده”.

أما عن طريقة التميز في النص الروائي، فيرى أن ثمة عوامل تلعب دورا مهما في إسباغ الفرادة والتميز على النص الروائي لعل من أهمها الخيال واللغة والرؤية الاستشرافية إضافة إلى البيئة، خصوصا إذا كانت ملهمة وبالتأكيد أينما توفرت مواصفات المدينة من المحتمل أن يتغذى منها المخيال الروائي.

تؤثر علاقات الكاتب أحيانا على نجاح عمله الروائي، نسأل محمد عن أهمية وسائل التواصل الاجتماعي اليوم في عالم الرواية، ليقول “لا شك أن الكاتب لا ينفعه انتظار ما ينشر حول عمله في الصحف والمجلات، فلا بد أن يمتلك ذكاء في الوصول إلى القارئ ويقدر رأي الأخير وينفتح على ما يقوله القراء بشأن أسلوبه في الفضاء الافتراضي. باختصار يجب أن يفهم الكاتب مفردات عصره، ربما تواصله مع القارئ يكون أكثر تأثيرا لترويج مؤلفاته”.

الجوائز الأدبية تغذي الرغبة لمتابعة القراءة رغم بعض التحفظات
نسأله هل يتابع أخبار الجوائز العربية المخصصة للرواية، وأي جوائز يتابع أكثر من غيرها؟ ليجيبنا “في البداية كنت مهتما بمتابعة أخبار الجوائز وقراءة بعض الروايات المرشحة لجائزة بوكر أو جائزة نجيب محفوظ غير أن الموضوع لم يعد يهمني إلا قليلا. لا يجوز تحديد ذائقتنا واختياراتنا بناء على قرارات اللجنة المانحة للجائزة لأن هناك عناوين مهمة لم يقع إنصافها”.

هناك من يشتري رواية عندما يعرف أنها نالت جائزة أدبية، لكن محمد يرى أنه ليس بالضرورة أن يكون ما يحصل على الجائزة عملا من طراز رفيع. لذلك فمن الضروري، في رأيه، أن نحافظ على رغبة الاستكشاف بدلا من الانسياق وراء اعتبارات معينة. ويؤكد أنه قرأ بعض الروايات المتوجة بالجوائز مثل “الطلياني” و”فرنكشتاين في بغداد” “عزازيل”، فهذه الأعمال الثلاثة لا يمكن وصفها إلا بالمتميزة، لكن يوجد ما هو بمستواها لم يفز بالجائزة.

نسأله هل يثق بالجوائز العربية الممنوحة للرواية وهل يرى أنها تملك مصداقية وشفافية؟ ليجيبنا “الجوائز تحوم حولها الشبهات بما فيها جائزة نوبل وهناك اعتبارات تعلب دورا على هذا الصعيد. أحيانا يبدو أن منح الجائزة تكريما للاسم بدلا من أن يكون تقديرا لجودة النص واختراقاته الإبداعية”.

أما عن إيجابيات وجود جوائز أدبية مخصصة للرواية في عالم الأدب العربي اليوم، فيشدد على أنها تغذي الرغبة لمتابعة القراءة رغم بعض التحفظات واللغط حول مقاييسها، لكن في عصر الفضائيات وطغيان الصورة لا بد أن تتوفر دعامات للثقافة والأدب. فبرأيه، الجائزة تمد العمل الأدبي بما يبقيه في الواجهة.

أما عن سلبيات هذه الجوائز، فهي في اعتقاده تكمن في وفرتها وهو ما لا يفيدها، بل يفرغها من قيمتها المعنوية وتصبح علامة تسويقية، كما أن دور الجوائز يكون سلبيا حين يتحول إلى عامل لتكريس أسماء وتنميط الشكل الروائي.

هل يجد أن الجوائز العربية أنصفت الرواية العراقية؟ نسأله ليرد بأنه لم تغب الروايات العراقية عن قائمات الجوائز العربية، حيث هناك أسماء عراقية وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة بوكر أكثر من مرة، كما فاز أحمد سعداوي بجدارة بجائزة بوكر سنة 2014، وفاز الروائيون العراقيون بجوائز أخرى مثل كتارا وغيرها. بالطبع هناك عناوين تستحق الفوز عندما وصلت إلى القائمة القصيرة غير أن للجنة كلمة أخرى.

 

زر الذهاب إلى الأعلى