ماذا تعني شعارات الصحف؟

ما زال للجرائد الورقية رونقها على رغم التطور التقني والتكنولوجي

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

تكتسب كل صحيفة مكانتها المميزة بين قرائها لفرادتها وتخصصها، وعلى رغم التطور التكنولوجي الذي لحق بصناعة الأخبار، والتغيير الذي طرأ على شكل ومضمون الجرائد اليومية، ما زال للصحف الورقية مكانتها بين جيل معين من القراء، ربما لنوستالجيا تربط بين صحيفة معينة وشخصية القارئ، أو لأنه يعتبر أنها الأفضل والأقرب إليه، أو لجاذبية شعار تلك الصحيفة.

سوسن مهنا

الشعار قصة وهدف

يدور كتاب الصحافي الفرنسي المعروف إدوي بلينيل Edwy Plenel، “حماية الشعب.. الصحافة والحرية والديمقراطية”، إصدار مارس (أذار) 2020، حول تاريخ جملة مؤسسة لحرية الصحافة وهي “الإخبار حماية للشعب”، وبرأي الكاتب أن تلك الجملة كانت حاسمة في بناء المتخيل والهوية الفرنسيين، ومن أهم شعارات الثورة الفرنسية 1789، وفي لبنان عندما اعتقلت سلطات الانتداب الفرنسي رجال الاستقلال في “قلعة راشيا” عام 1943 أطلقت صحيفتان إحداهما تحمل شعار علامة الاستفهام (؟)، والأخرى شعار علامتي استفهام (؟؟)، لتعبئة الشعب اللبناني ضد الانتداب، وبالفعل جرى إطلاق سراحهم في الـ22 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1943 الذي أصبح يوم الاستقلال اللبناني، ومن هنا لا بد من التوقف عند بعض شعارات الصحف اللبنانية والعربية والأجنبية، التي كان لبعض منها قصة وهدف.

ديك “النهار”

وفقاً لما جاء بعدد خاص لجريدة “النهار” اللبنانية بعد وفاته، بعنوان “غسان تويني الصحافي الذي أصبح عنواناً للجريدة – غسان تويني – الكلمة 1926 2012″، فإن تويني تسلم الصحيفة رسمياً في الخامس من شهر يناير (كانون الثاني) 1948 (في عيد ميلاده الـ22)، وحمل العدد الصادر يومذاك اسمه كرئيس تحرير للمرة الأولى، إلى جانب اسم والده المؤسس وشقيقه وليد المدير المسؤول… وانغمس غسان، عاشق الكلمة والشعر والصحافة في الجريدة، ونقلها أو انتقلت معه إلى الميدان، إلى جبهة فلسطين عام 1949 بعد توليه رئاسة التحرير بفترة، ودخل الأردن مع الجيش الأردني كمراسل حربي مرتدياً سترة جندي، وراح يراسل “النهار” من هناك.

وكتب العدد أنه “عندما باشر العمل في الجريدة، وضع نصب عينيه هدفين: الأول سياسي تحقق فوراً بحكم الحوادث وما أدخله من تحسينات في طريقة تغطيتها ونقلها، والآخر مهني وكان الأصعب، فكان يريد العودة إلى إصدارها صباحاً عوض الصدور ظهراً، ولم يتحقق ذلك قبل نوفمبر (تشرين الثاني) 1950″، وأنه قرر الانتقال من موقع جريدة “العهد” بسبب الإرث الدستوري وموالاة صحيفة “النهار” لعهد الرئيس بشارة الخوري في ذلك الحين، إلى جريدة “الرأي الحر والنبأ الأكيد”، وهي الصفة التي أطلقها على “النهار” في كل المنشورات الدعائية التي بدأ يصدرها”.

وفي عام 1956 أحدث انقلاباً في “النهار” فاستفتى القراء والصحافيين حول سبل تطويرها، أحرفاً وعناوين وألواناً وطريقة كتابة الأخبار وحجمها وصوراً وزوايا وتعليقات سياسية معارضة. فصدرت “النهار” صباح الثلاثاء الـ16 من أكتوبر (تشرين الأول) بحلة جديدة تماماً، وبإخراج وتبويب مميزين في ثماني صفحات، بعدما كانت صفحاتها لا تتعدى الأربع. ثم حل “الديك” الذي جعله بمثابة “زينة”، كما أحب أن يسميه كي لا يقول شعاراً، وكانت الإعلانات والملصقات تقول و”الديك” منتصب: “كلما صاح الديك طلع النهار”.

صوت “السفير”

صدر العدد الأول من صحيفة “السفير” في الـ26 من مارس (أذار) 1974 قبل سنة من اندلاع الحرب الأهلية (1975-1989)، وكان مقرها الرئيس في بيروت، وتطبع في مطابع السفير التجارية، وعرفت منذ تأسيسها بتأييدها للقومية العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية خلال فترة الحرب الأهلية، من هنا حملت شعار “جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان”، فضلاً عن شعار “صوت الذين لا صوت لهم”. ومنذ بداياتها تعاطف مالك الصحيفة طلال سلمان مع برنامج الحركة الوطنية اللبنانية ووقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية.

عقيدة “الحياة”

تأسست صحيفة “الحياة” على يد كامل مروة، أراد منها أن تكون سياسية عربية دولية مستقلة، وذلك منذ صدور عددها الأول في بيروت في الـ28 من يناير (كانون الثاني) 1946. وهو الخط الذي أكده ناشرها منذ عاودت صدورها عام 1988، واختارت لندن مقراً رئيساً، منذ انطلاقتها حملت شعار “إن الحياة عقيدة وجهاد”، وهو شطر من بيت لأمير الشعراء أحمد شوقي، وكان آخر ما كتبه قبل وفاته، “قف دون رأيك في الحياة مجاهداً، إن الحياة عقيدة وجهاد”، يذكر أن المقالة الأول لمروة في “الحياة”، كانت بعنوان “قل كلمتك… وامش” ومن ثم أصبحت عنوان الزاوية.

أغلبية “النداء”

تأسست صحيفة “نداء الوطن” بداية التسعينيات من القرن الماضي، وكان مالكها هنري صفير، ثم توقفت عن الصدور عام 2000 بسبب مشكلات مادية، ومن ثم عاودت الصدور الأول من يوليو (تموز) 2019، إذ تعرف عن نفسها بأنها جريدة سياسية سيادية ومستقلة هدفها توفير المعلومة والخبر اليقين، فضلاً عن أداء دور ريادي في نشر مبادئ الحرية والسيادة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتسعى إلى نقل الصوت الحر عبر منبرها إلى المعنيين من سياسيين ورجال أعمال واقتصاديين ورواد الحقول المختلفة، كما تضع الجريدة في سلم أولوياتها الاهتمام بقضايا المواطنين وهمومهم فتنبري دفاعاً عن حقوق المهمشين أو المغبونين ومختلف شرائح المجتمع لتصبح بذلك صوت “الأغلبية الصامتة”، تلك التي تؤمن بالوطن والمتمسكة بالبقاء في ربوعه والمصرة على المضي في مسيرة الإصلاح وبناء الدولة.

صمت “الجمهورية”

صحيفة “الجمهورية” اللبنانية تأسست عام 1924 على يد الصحافي سجيع الأسمر، توقفت عن الإصدار في بداية الحرب الأهلية عام 1975، وجرت محاولة لاستئناف العمل عام 1985 إلا أنها لم تكتمل بسبب الحرب، وكذلك محاولة ثانية في عام 2005 على يد إلياس المر (شغل منصب وزير الداخلية والبلديات بين عامي 2000 و2004، ووزير الدفاع بين عامي 2005 و2011 وهو نجل النائب ميشال المر)، لكنها توقفت إثر محاولة اغتياله التي أدت إلى إصابته بجروح خطرة، وفي الـ28 من فبراير (شباط) 2011، أعاد إطلاقها بالتوازي مع حملة دعائية كبيرة تحمل شعار الصحيفة “عندما أصبح الصمت خيانة، تحدثت الجمهورية”.

حقيقة “الديار” و”البيرق”

ومن بعض شعارات الصحف اللبنانية العريقة، صحيفة “الديار” ونشرت للمرة الأولى في عام 1941 لتغلق من بعد ذلك عام 1990 بسبب تعارضها مع سياسات رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، الذي كان حينها رئيساً لمجلس الوزراء وقائداً للجيش. استأنفت الصحيفة نشاطها لاحقاً، وشعارها “الحقيقة في كل دار”.

وصحيفة “البيرق” التي تأسست عام 1911 ونشرتها دار “ألف ليلة وليلة”، شعارها “علمتني الحقيقة أن أكرهها فما استطعت”، وضعه والد نقيب المحررين الراحل ملحم كرم، الروائي كرم ملحم كرم، وظل الشعار الشهير يتصدر صدر الصحيفة حتى يوم إقفالها في مايو (أيار) 2011.

أهرام مصر

ومن الصحف العربية العريقة “الأهرام” المصرية التي صدر العدد الأول منها نهار الخامس من أغسطس (أب) 1876، وكانت تصدر كجريدة أسبوعية، ثم تطورت بعد ذلك إلى جريدة يومية بدءاً من يناير (كانون الثاني) عام 1881 وما زالت تصدر حتى اليوم. الملفت في الموضوع أنها تأسست على يد اللبنانيين بشارة باشا تقلا وشقيقه سليم تقلا، وعام 1892 كانت تعلو الجريدة الكلمات “جريدة سياسية وعلمية وتجارية”.

أصالة الرياض

أما صحيفة “الرياض”، وهي أول صحيفة تصدر في السعودية باللغة العربية، وتأسست في شهر مايو من عام 1965، فيمثل شعارها النخلة التي ترمز إلى الأصالة، وجناحين يرمزان للتطور المستمر، وهو نهج تستمر عليه جيلاً بعد جيل.

“الدستور” و”الشرق الأوسط”

ومن الصحف الأردنية “الدستور” تأسست سنة 1967، ويأتي الاسم لأنه “رمز لكل ما يمثله وجودنا وبلدنا من مبادئ وقيم وأمال وتطلعات… والفيصل بين السلطات لكيلا تطغى إحداها على الأخرى وهو منطلق التطور والتقدم في الحياة الديمقراطية التي اخترناها لأنفسنا…”، كما جاء في افتتاحية العدد الأول.

ومن الصحف العربية الدولية العريقة صحيفة “الشرق الأوسط” التي صدر العدد الأول منها نهار الرابع من شهر يوليو (تموز) 1978 في لندن، وشعارها “جريدة العرب الدولية”.

واشنطن بوست

واتخذت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية التي تأسست في شهر ديسمبر (كانون الأول) 1877، شعار “الديمقراطية تموت في الظلام” شعاراً رسمياً، وتم اعتماده عام 2017، وتم عرض الشعار على موقع الصحيفة في الـ22 من فبراير (شباط) 2017، وأضيف إلى النسخ المطبوعة بعد ذلك بأسبوع، وأثار الشعار لدى إعلانه ردود فعل كبيرة إيجابية وسلبية من مؤسسات إخبارية أخرى وشخصيات إعلامية مختلفة، وكان هذا الشعار أول شعار تتبناه الصحيفة الأميركية، خلال تاريخها الممتد لأكثر من 140 عاماً.

نيويورك تايمز

وأسس صحيفة “نيويورك تايمز” كل من هنري غارفيس رايموند وجورج جونز، في شهر سبتمبر 1851، تحت اسم “نيويورك دايلي تايمز”، ثم تحولت إلى اسمها الحالي عام 1857، تلقب بـ”السيدة الرمادية”، وتتخذ شعار “كل الأخبار التي تناسب الطباعة”، والقائل هو أدولف أوش الذي اشتراها من المؤسسين بعد تعرضها للإفلاس عام 1896، وهو جد الناشر ورئيس الشركة الحالي.

مديح “لوفيغارو”

واتخذت صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية العريقة التي تأسست خلال يناير من عام 1826، شعار “لا يوجد مديح جذاب بلا حرية لإلقاء اللوم”، للموسوعي الفرنسي بيير أوغستن كارون دي بومارشيه، كاتب مسرحية “زواج فيغارو”.

شهداء الصحافة

وفي ذكرى شهداء الصحافة الذي يحل في السادس من مايو (أيار) الجاري، يتذكر لبنان ككل عام شهداء الصحافة الذين علقت مشانقهم في ساحة البرج عام 1916 في عهد العثمانيين، لاتهامهم بالسعي إلى التخلص من الحكم العسكري التركي والالتحاق بالثورة العربية لنيل الاستقلال، وبحسب نقابة الصحافة اللبنانية، بلغ عدد الإعلاميين اللبنانيين الذين قتلوا منذ الأربعينيات وحتى 2017 نحو 108 شهداء، وسقط معظمهم خلال الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، والاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ويشمل هذا الرقم ضحايا وسائل الإعلام كافة من مرئية ومسموعة ومكتوبة، وقضى 12 صحافياً عن طريق الاغتيال المباشر، بينما سقط الباقون ضحايا معارك حربية أو اقتتال أهلي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى