حربٌ بأفق سياسي مسدود
بقلم: خير الله خير الله
النشرة الدولية –
واضح أنّ حكومة بنيامين نتانياهو اختارت التصعيد مع الجانب الفلسطيني. واضح أيضا أنّ تصرفات “حماس” و”الجهاد الإسلامي” تسمح لها بذلك وتوفّر لها كل الفرص من اجل ممارسة سياسة عقيمة. تستهدف سياسة حكومة “بيبي” تكريس الاحتلال للضفّة الغربيّة، بما في ذلك القدس الشرقيّة، وبقاء غزّة تحت الحصار.
ليس ما يمنعها من الاستمرار في هذه السياسة التي يمكن تسميتها بسياسة الأفق المسدود. فعلى هامش التصعيد الإسرائيلي الذي يستهدف حركة “الجهاد الإسلامي”، ثمة ملاحظات عدة يمكن ايرادها. في مقدّم هذه الملاحظات، إضافة بالطبع الموقف الحرج الذي تعاني منه سلطة وطنيّة مترهلة تقيم في رام الله، يأتي موقف حركة “حماس” التي يبدو أن الحرج الذي تشعر به لا يقلّ عن حرج السلطة الوطنيّة. هل تشارك فعلا في اطلاق صواريخ من غزّة أم لا؟
إلى جانب “حماس”، هناك “حزب الله” في لبنان الذي يتوعّد بين حين وآخر بأنّه لن يقف مكتوفا في حال تعرّض الفلسطينيين لعدوان إسرائيلي، إن في الضفة أو في غزّة أو في القدس. ما الذي سيفعله “حزب الله”؟ هل يكرّر ما فعله قبل أسابيع قليلة عندما سمح لـ”حماس” بإطلاق صواريخ من نوب لبنان في اتجاه مستوطنة إسرائيلية؟ لا شكّ أنّ ذلك سيكون مجازفة كبيرة في ظلّ وجود حكومة إسرائيلية تمارس التصعيد… بل تبحث عنه.
هناك مأزقان. مأزق إسرائيلي ومأزق فلسطيني. هناك أيضا مأزق إيراني، قد لا يكون بالفعل مأزقا، خصوصا في ضوء إصرار الرئيس إبراهيم رئيسي في اثناء زيارته الأخيرة لدمشق على استقبال ممثلي الفصائل الفلسطينية التابعة لـ”الحرس الثوري” أو للأجهزة السوريّة. ثمّة رغبة ايرانيّة في استخدام هذه الفصائل الفلسطينية في سياق محدّد. لم يتوقف الجانب الإيراني عن التحدث عن وحدة الجبهات مع إسرائيل. هذا يعني، بصريح الكلام، فتح جبهة جنوب لبنان إلى جانب جبهة غزّة… متى دعت الحاجة!
يمكن للتصعيد الإسرائيلي خدمة جهات أخرى غير حكومة “بيبي” ووزرائه المتطرفين الذين يعتقدون أنّ في استطاعتهم إزالة الشعب الفلسطيني من الوجود. يمكن للتصعيد أن يفيد ايران التي تسعى إلى طمأنة ادواتها في المنطقة، بمن في ذلك النظام السوري و”حماس” و”الجهاد الإسلامي”، إلى أنّ شيئا لم يتغيّر نتيجة توقيعها بيان المصالحة مع المملكة العربيّة السعوديّة برعاية صينيّة في العاشر من آذار – مارس الماضي. كلّ ما تغيّر، أن النظام السوري عاد إلى احتلال مقعده في جامعة الدول العربيّة…
في كلّ الأحوال، يزداد الوضع تعقيدا في المنطقة مع انضمام إسرائيل إلى الدول الفاشلة فيها. مثل هذا الكلام عن تحوّل إسرائيل إلى دولة فاشلة ليس مبالغة، خصوصا إذا اخذنا في الإعتبار أن حكومة “بيبي” لا تمتلك سوى همّ واحد هو انقاذ رئيس الوزراء من الملاحقة القانونيّة عن طريق تغيير النظام القضائي. في مقابل المحافظة على حكومته، يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي مستعدا لتقديم كل التنازلات التي يطلبها اليمين المتطرف الممثل بعدد لا بأس به من الوزراء مثل ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموريتش. نعم، تحولت إسرائيل دولة فاشلة لسبب واضح كلّ الوضوح. يتمثل هذا السبب في أنّها اختارت ألّا تكون هناك خيارات سياسيّة امامها. تستغل صواريخ تنطلق من غزّة بغية شنّ حرب على القطاع الذي يعاني منذ ما قبل استيلاء “حماس” عليه منتصف العام 2007 من فوضى السلاح. ما لا يمكن تجاهله أن إسرائيل سمحت، منذ البداية، أي منذ انسحابها من غزّة في آب – أغسطس من العام 2005، بفوضى السلاح التي ما لبثت أن ارتدت عليها.
منذ اللحظة التي حصل فيها الانسحاب الإسرائيلي من غزّة، وكان انسحابا أحاديّ الجانب، وإسرائيل تسجل نقاطا لمصلحتها. تمثلت النقطة الأولى في ظهور السلاح المتفلت في القطاع تمهيدا لسيطرة “حماس” عليه. تمثلت النقطة الثانية في تكريس الشرخ بين الضفة الغربية والقطاع. صار هناك كيانان فلسطينيان بدل الكيان الواحد منذ قضاء “حماس” على “فتح” في غزّة.
أمّا النقطة الثالثة وهي الأهمّ، فكانت الصواريخ التي راحت “حماس” تطلقها من غزّة. سمحت هذه الصواريخ للحكومات الإسرائيلية المتتالية برفع شعار “عدم وجود طرف فلسطيني يمكن التفاوض معه”. شنت إسرائيل حروبا عدّة على غزّة، لكن الحرب الأخطر كانت تلك التي شنتها “حماس” على المجتمع الفلسطيني في القطاع. أفرغت غزّة من أي قيم حضاريّة. سمحت لإسرائيل بتحويل قطعة ارض ضيقة فيها نحو مليوني مواطن فلسطيني إلى سجن في الهواء الطلق… فيما العالم يتفرّج.
نعم، المأزق إسرائيلي وفلسطيني… وايراني إلى حدّ ما، علما أن “الجمهوريّة الإسلامية” تقاتل بواسطة الآخرين. ما العمل في مواجهة هذا المأزق. ليس هناك ما يمكن عمله، خصوصا في ظلّ الغياب العربي من جهة والموقف الأميركي المائع من جهة أخرى. الأمر الوحيد الأكيد أنّ مزيدا من الدمار سيلحق بغزّة وأهلها الذين يعانون منذ حكم “حماس” منذ 16 عاما!
في النهاية، كان في الإمكان تحويل القطاع لدى انسحاب إسرائيل منه إلى نموذج لما يمكن ان تكون عليه دولة فلسطينية مزدهرة، نسبيا، وقادرة على الاهتمام برفاه شعبها بدل رفع الشعارات الفارغة من نوع “فلسطين وقف إسلامي” أو “تحرير فلسطين البحر إلى النهر”. من يتذكّر أنه كان في غزّة مطار دولي افتتحه الرئيس بيل كلينتون مع ياسر عرفات في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1998؟
لم تخدم الشعارات الفارغة، في نهاية المطاف غير إسرائيل التي ارادت دائما التخلص من عبء غزة. لم تستطع ذلك نظرا إلى أنّها استثمرت في فوضى السلاح في القطاع، مثلها مثلما إيران التي تحولت إلى الطرف الوحيد الذي اغرقها، إنطلاقا من غزّة، في حروب تعرف كيف تدخلها، لكنها تجهل كيف الخروج منها ما دامت مصرّة على أن الشعب الفلسطيني غير موجود!