السيناريوهات المتبقية لإنهاء الحرب في أوكرانيا
بقلم: وليد فارس

الحسم العسكري لا يبدو أنه حل وارد

النشرة الدولية –

بعد أكثر من سنة وثلاثة أشهر على انفجار الحرب في أوكرانيا، وعدم نجاح المبادرات المختلفة لوقف الحرب، يطرح السؤال دولياً حول كيفية إنهاء الصراع بدءاً بإعلان وقف إطلاق نار دائم، فالأزمة الدولية وصلت إلى قمتها الدبلوماسية مع انقسام مجلس الأمن ووضع العقوبات المتبادلة، وتعمقت مع الانهيار الاقتصادي مروراً بأزمة الطاقة والمواد الغذائية، ومن أشد نتائج الحرب الأوكرانية قساوة هي أولاً التدمير الشامل الذي يصيب المناطق المدنية، وليست إطالة الحرب إلا سبباً لتدمير أكبر سيصيب الناس العاديين، أما النتيجة الثانية لإطالة الحرب فباتت تتفشى في عدد من المناطق في العالم، لا سيما أخيراً في السودان مع اندلاع الحرب الأهلية العسكرية، والتصعيد بين إيران وأذربيجان، وضغط الصين على تايوان، والمناورات البحرية الروسية – الإيرانية، والأزمات الأخرى تنذر بتطورات دراماتيكية في نقاط أخرى عدة، لذا، فضرورة إنهاء الحرب باتت حاجة أمنية دولية. والسؤال هو الآن، ما سيناريوهات إنهاء الحرب؟

السيناريوهات العسكرية

التحليل الجيوسياسي استند إلى تطورات الحرب الأوكرانية لـ15 شهراً، وعلى الكر والفر بين الجيشين، وعلى تدفق وإنتاج الأسلحة عند الطرفين، والنتيجة العامة حتى الآن هي التالية، أولاً، لن تتمكن روسيا من احتلال كل أوكرانيا بما فيها العاصمة كييف، بل بالعكس فالقوات الروسية بالكاد تحافظ على الشرق والجنوب، إلا إذا قرر الكرملين اللجوء إلى الأسلحة التكتيكية النووية، وهو أمر مستبعد حتى ولو تم التلويح به، ثانياً، لن تتمكن القوات الأوكرانية من دون دخول القوات الأطلسية إلى أوكرانيا أن تخرج الجيش الروسي من القرم، وإن حشد “الناتو” والأوكرانيون ليخرجوا الجيش الروسي من المناطق التي تتكلم بالروسية، عندها سيأمر الكرملين باستعمال الأسلحة الذرية، وهذا ما لا يمكن للأوروبيين أن يتحملوه، هذا ما لم تحدث أمور صاعقة أو أخطاء في الحسابات.

إذاً الحسم العسكري لا يبدو أنه حل وارد حتى إشعار آخر، لذا فاستمرار الحرب من دون حسم قد يبدو لا منطقياً للطرفين، علماً أن الأمثلة التاريخية كثيرة عن استطالة حروب لسنوات قبل الإقرار بعبثيتها، ومنهاً مثلاً الحرب الإيرانية – العراقية. فهل هناك معادلة إنهاء دبلوماسي؟

الخيار الدبلوماسي

لقد جرت محاولات عدة للتوسط بين موسكو وكييف لوقف المعارك والانتقال إلى المباحثات السياسية لحل الصراع، إلا أن الطرفين رفضا التعاون مع هذه المبادرات وصعدا المواقف وكثفا المطالب، ربما لأن كل طرف شعر أنه منتصر، إذ شعرت موسكو في أول أشهر الحرب أنها قريبة من السيطرة على كل أوكرانيا بما فيها العاصمة، قبل أن يقتنعوا بأن ابتلاع الدولة الأوكرانية غير ممكن من دون السلاح النهائي، ومن ثم وبعد أن شعرت كييف أنها دفعت الروس إلى الوراء وأن قواتها ستسترد كل شبر من أراضيها وبسرعة، بدأت تستوعب أن هدفاً كهذا ليس سهلاً، وإن حصلت على الأسلحة الغربية.

إذاً الطرفان في موقع مماثل يقاتلان بقوة تدميرية ولكن من دون أمل أكبر من وقف إطلاق نار، معادلة كهذه تفتح باب وساطات دبلوماسية للانتقال إلى طاولة المفاوضات، كخيار وحيد في مقابل تحول الحرب إلى مثيلة للحرب الإيرانية – العراقية، ولكن من يقوم بهذه المفاوضات.

مبادرة جماعية

وانطلقت مبادرات منفردة عدة في السنة الماضية، ولا سيما مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ودول أخرى من بينها إسرائيل وفرنسا وصولاً إلى الدور الصيني الحالي، وحاولت بكين أن تتوسط بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كما فعلت بين طهران والرياض ونجحت، إلا أن النظرة الغربية تعتبر الصين، على رغم مسعاها الدبلوماسي، حليفاً استراتيجياً لروسيا، مما يصعب على واشنطن وبروكسل أن يشاهدا طاولة مثلثة تتشارك فيها الصين وروسيا في الضغط على أوكرانيا المعزولة عن أصدقائها.

لذا، فأحد الطروحات الأكثر حظاً في النجاح هو إطلاق إطار تفاوضي تتشارك فيه دول ذات نشاط دبلوماسي دولي وعلى علاقة مع الطرفين بشكل مواز، لإيجاد معادلة دبلوماسية مقبولة من الجميع، وبعد التوصل إلى نتائج جيدة يتم نقل الإطار إلى مجلس الأمن، وقد تضم المبادرة دولاً كالفاتيكان، كممثلة للكنيسة العالمية، والسعودية كممثلة عن العالم الإسلامي، والهند وإسرائيل، وجميع هذه الدول على علاقة مع الطرفين، ومع تقدم المساعي تنضم الصين كقوة عالمية صديقة لروسيا، والولايات المتحدة و”الناتو” كشركاء لأوكرانيا، إلى الإطار هذا من أجل تثبيت وقف الحرب ودعم عملية السلام.

هل تنجح مبادرة متوازنة كهذه؟ لا أحد بإمكانه أن يجزم، ولكن السؤال يبقى: ما لم تطلق مبادرات كهذه… هل يعود السلام؟

Back to top button