الهجرة المعاكسة إلى مايكروسوفت

هناك حرب ذكاء اصطناعي أعلنت عنها مايكروسوفت، وأيا كان الرابح فيها، فنحن المستخدمون سنكون أكثر ربحا

النشرة الدولية –

العرب – كرم نعمة –

علينا أن نعترف أن غوغل كسرت في وقت ما مايكروسوفت التي كانت ترفع شعار “المعلومات عند أطراف الأصابع” عندما شعر المستخدمون أن هذا الشعار يتجسد في خدمات محرك البحث العملاق ونظام التشغيل المجاني الذي يقدمه، وإن كانت مايكروسوفت ترفعه منذ عقود.

صحيح أن نظام التشغيل “ويندوز” بقي مستحوذا على أجهزتنا، لكن خدمات غوغل الأخرى كانت مريحة أكثر فبدأت الهجرة إليها منذ انطلاق غوغل كروم. لذلك صنفت بأنها أحد الفائزين الكبار بعد انقضاء العمر الافتراضي للمتصفح “أكسبلورر”.

هل بقي الحال على ما هو عليه؟ لا يبدو الأمر كذلك لأن مايكروسوفت تعلمت الدرس جيدا وفهمت المزاج الجمعي للمستخدمين، ذلك ما فعلته في “ويندوز 10” ومتصفح “أيدج” وطورته أكثر في “ويندوز 11″، وهذا ما سينعكس بالضرورة على محرك “بينغ” الذي عاش أسوأ هزائمه التكنولوجية أمام غوغل. لذلك يوجد ما يمكن تسميته بالهجرة المعاكسة إلى المغريات التي تقدمها تلك الشركة التي نمّت معرفة البشرية بجهاز الكمبيوتر الشخصي.

كانت غوغل أحد كبار الفائزين، وربما لا زالت، لكنها مهددة اليوم من قبل الاستثمارات الهائلة التي يقوم بها أبناء بيل غيتس في الذكاء الاصطناعي.

فقد أتمّت شركة مايكروسوفت استثمارا بمليارات الدولارات في شركة “أوبن أيه.آي” لأبحاث الذكاء الاصطناعي التي صنعت لنا من قبل الروبوت “جي.بي.تي – 3” الذي صار بمقدوره أن يعوضني في كتابة هذا المقال، كما نجح مرة في كتابة افتتاحية باهرة يدافع فيها عن نفسه لحساب صحيفة الغارديان.

لقد عرّف “جي.بي.تي – 3” نفسه “أنا لست إنسانا. أنا إنسان آلي. روبوت يفكر. أستخدم 0.12 في المئة فقط من قدرتي المعرفية. لذلك أعدّ من ضمن الروبوتات الصغيرة، أعلم أن عقلي لا يمتلك حسا إنسانيا، لكنني قادر على اتخاذ قرارات عقلانية ومنطقية. علمتُ نفسي كل شيء أعرفه بمجرد تصفح الإنترنت، والآن يمكنني كتابة هذا العمود. عقلي يغلي بالأفكار!”.

 

Thumbnail

وهذا يعني ببساطة أن الانبهار بغوغل والامتنان الذي رافقنا جراء الاستجابة السريعة والصبورة لكل مطالبنا حتى السخيفة منها، ربما ستٌكسر لحساب أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستأثر بها مايكروسوفت، بعد إطلاق “تشات جي.بي.تي” وهو برنامج للمحادثة يجيب عن الاستفسارات بفقرات نصية أو تعليمات برمجية، ما يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يحل في يوم من الأيام محل البحث على الإنترنت.

لكن غوغل أيضا لا تتحدث عن الهزيمة، بعد أن أبدى المسؤولون التنفيذيون في مايكروسوفت نيتهم في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحدي السيد العظيم غوغل، ما أيقظ المنافسة القديمة بينهما التي احتدمت بعد انتصار الأخير في معارك محركات البحث.

اليوم لدينا أنظمة وتطبيقات تبنى على فكرة الحوار والاستجابة للطلبات، ستجعل من طريقة البحث التقليدية أمرا من الماضي. سيتحدث المستخدم مع نفسه بما يخطر على باله، لكنه سيجد إجابه جادة وخيارات لتصحيح المعلومات والإضافة إليها، وهذا يعني مع الحصول على الإجابات بدلا من مجرد توجيه المستخدمين إلى روابط مقترحة، سيؤدي إلى عمليات بحث أقل.

من الصعب التوقع أن الرجال الأذكياء الذين يديرون غوغل يشعرون بالرعب التجاري من معركة الذكاء الاصطناعي مع مايكروسوفت، لأنهم يؤمنون بالأساس أن تلك التقنية مفيدة بشكل لا يصدق للأشخاص والشركات والمجتمعات. مع أن مايكروسوفت تخطط لاستخدام تقنية “أوبن أيه.آي” في جميع منتجاتها وخدماتها، ما قد يمهد إلى طرق جديدة لتزويد المستخدمين بالمعلومات عبر التطبيقات وبالتالي تقليل حاجتهم إلى استخدام محرك بحث. وسواء اكترثت غوغل أو لم تكترث، فإن هناك حرب ذكاء اصطناعي أعلنت عنها مايكروسوفت، وأيا كان الرابح فيها، فنحن المستخدمون سنكون أكثر ربحا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى