رسائل مناورة “حزب الله” العسكرية والسياسية
أتت لافتة في إجرائها بعد أقل من 48 ساعة على "إعلان جدة"
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
أثارت مناورة “حزب الله” العسكرية التي أجراها الأحد، 21 مايو (أيار) الجاري تزامناً مع الذكرى الـ 23 لخروج الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، كثيراً من الردود المستنكرة والمستهجنة والمتسائلة عن توقيت هذه المناورة التي أتت بعد الاتفاق بين السعودية وإيران وبعيد إعلان القمة العربية في جدة، والذي نص في الفقرة السادسة منه على “وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة”.
وأتاح الحزب القيام بجولة في أحد معسكراته في الجنوب بغية إظهار جهوزيته لأية معركة مستقبلية مع إسرائيل، وجرى عرض عسكري استخدمت فيه الذخيرة الحية وبعض عتاد “الحزب” مثل الصواريخ وسلاح القناصة والمدفعية والمسيرات، إضافة إلى محاكاة عمليات نوعية بعنوان “سنعبر”، في إشارة إلى العبور داخل الأراضي الفلسطينية.
توقيت المناورة ورمزيته
هذه ليست المرة الأولى التي ينظم فيها الحزب جولة مماثلة لمناسبة “ذكرى التحرير” الذي يصادف الـ 25 من مايو كل عام، لكن رمزية توقيت المناورة الأخيرة في الظروف الحالية هو ما أثار كثيراً من الأسئلة.
واعتبر مراقبون أن رسالة “الحزب” في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، وعلمه المسبق بأن ذلك سيثير استفزازات وعلامات استفهام على المستويات المحلية والعربية والدولية، موجهة بالدرجة الأولى إلى اللبنانيين وتقتصر على “الدعوة إلى الاستفادة من قوة الحزب، ولا ينبغي أن تثير القلق إلا في صفوف الأعداء، بينما هو لا يرى أن في الداخل أعداء”، وهذا ما عبر عنه مصدر مقرب من الحزب بالقول إن “إحدى رسائل المناورة هي القول إنه فيما ينعم الداخل اللبناني بممارسة حق الاختلاف السياسي، حتى حدود تحويله إلى نقمة”، مشيراً إلى أن الحزب يستعد ويراكم القوة “لتوفير الحماية لكل اللبنانيين من دون تمييز”.
لكن على رغم تشديد “حزب الله” على أن هذه المناورة رمزية بالدرجة الأولى، إلا أن هذا لا يلغي أنها جاءت بقرار واضح من قيادته يهدف إلى إرسال مجموعة من الرسائل إلى من يعنيهم الأمر في هذا التوقيت بالذات.
خطوة مستفزة للبنانيين
وكان مسؤول العلاقات الإعلامية في “الحزب” محمد عفيف أعلن أن “عدداً كبيراً من وسائل الإعلام الأجنبية سيغطي مناورة المقاومة”، مشيراً إلى أن المناورة ستقام “بالذخيرة الحية وستستخدم فيها الصواريخ والدبابات بمشاركة فرق الاقتحام”.
وبعد ردود الفعل المستنكرة لهذه الدعوة، والتي اعتبرت خطوة مستفزة من “حزب الله” لا لإسرائيل، بل للبنانيين الذين تعبوا من منطق الحروب والمعارك وما عادوا قادرين على تحمل تبعاتها وكلفها بعد أن باتوا من أفقر شعوب العالم، استدرك “الحزب” الموضوع وأصدر عفيف بياناً آخر قال فيه إن الإعلاميين بالغوا “عن حسن نية في رفع سقف التوقعات عن النشاط العسكري” المقرر في أحد معسكرات الحزب في الجنوب، “وفي الحقيقة فإن النشاط العسكري المشار إليه المحدود بطبيعته مكاناً وزماناً والذي سوف ينفذ أمام الإعلاميين ووسائل الإعلام حصراً، وبمناسبة عيد المقاومة والتحرير”، لافتاً إلى أن المناورة عينة من قدرات الحزب “لردع العدوان والدفاع عن لبنان”.
لكن المعارضة اللبنانية وعلى لسان أكثر من مسؤول رأت أن “ما قام به الحزب هو رسالة للداخل أكثر منه إلى إسرائيل”، ووصلت إلى حد التهديد “بحمل السلاح علناً”.
واعتبر النائب السابق عن حزب “القوات اللبنانية” إيلي كيروز أن “هذه المناورة أقيمت في توقيت لافت وبوقاحة لافتة، خصوصاً أنها جاءت بعد 48 ساعة على ’إعلان جدة‘ في ختام القمة العربية، والذي شدد على الرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة”.
رسائل سياسية وعسكرية
وبعيداً من “التضخيم الإعلامي” الذي تحدث عنه بيان الحزب، وفي قراءة متأنية للمواقف تظهر أن الحزب قام بمناورة غير مسبوقة من حيث الشكل، فهي المرة الأولى التي يدعو فيها “حزب الله” حشداً اعلامياً محلياً وأجنبياً للاطلاع على تدريبات عناصره وبعض عتاده وسلاحه، مما يطرح كثيراً من الأسئلة عن خلفية الدعوة ومفاعيلها، ويدل على أن المراد من الاستعراض هو ايصال رسائل سياسية وعسكرية، ومنها ووفقاً لمصادر صحافية أن “أية تسوية ستحصل لن تكون على حسابه، وأنه يزداد قوة وقدرة، وأن طهران لن تتنازل قيد أنملة عن معادلة وحدة الساحات”، وهذا ما عبر عنه رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” هاشم صفي الدين من مكان المناورة بالقول إن الحزب اليوم “قوة ممتدة ومحور كامل سيبقى يتطور من غزة والضفة والداخل (الفلسطيني) المحتل ولبنان، انطلاقاً من إيران”، متوجهاً إلى إسرائيل بالقول “صواريخنا الدقيقة ستضرب قلب كيانكم وتفكيك الجبهات بات خيالاً”.
وأثارت المناورة جدلاً في الإعلام العربي والأجنبي، إذ اعتبرت صحيفة “عكاظ” السعودية أن “حزب الله خطف الدولة”، لافتة إلى أنه “في مشهد جديد أسقط كل ما تبقى من أوراق كانت تستر عورات الدولة اللبنانية وهزالة الوضع الذي يتعايش معه اللبنانيون مرغمين، واستعرض ’حزب الله‘ السلاح غير الشرعي التابع له من صواريخ وعتاد على حساب ضعف الدولة التي خطفها في وضح النهار من أمام بلدة عرمتا الجنوبية حيث معسكرات التدريب التابعة لها”.
وليست المرة الأولى التي يقوم فيها “الحزب” بعرض عسكري أو مناورة، فبعيد معركة القصير بسوريا عام 2013 أجرى عرضاً عسكرياً هناك، وقيل حينها إن “الحزب يريد التعبير عن انتصاره”. ويعتبر إعلاميون قريبون منه أن “الحزب يعبر عن انتقاله من جيل إلى آخر بصورة مختلفة كلياً في مناورة 2023، أي بعد عقد كامل من مناوة القصير، وزيادة على ذلك تكمن إضافة الحزب بعلنية مناورته وجعل الإعلام المحلي والعربي والغربي شاهداً على ذلك”.
من جهة أخرى يرى متابعون “أن المناورة أقيمت على أرض جنوب لبنان وهذا صحيح، لكن الحزب حاول عدم القفز فوق القرار الدولي رقم (1701) بإجرائه المناورة خارج منطقة جنوب الليطاني”.
تموضع الحزب في الداخل اللبناني
وردا على استفسار المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا عن المناورة التي قام بها حزب الله قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “إن الحكومة اللبنانية ترفض اي مظهر يشكل انتقاصاً من سلطة الدولة وسيادتها، إلا أن الإشكالية المتعلقة بموضوع سلاح “حزب الله” تحديداً ترتبط بواقع يحتاج إلى وفاق وطني شامل، وهو أمر يجب أن يكون من أولويات المرحلة المقبلة. وفي الوقت الحاضر فإن الحكومة تشدد على الحفاظ على الاستقرار الأمني على كامل الاراضي اللبنانية وعدم القيام باي عمل يتسبب بزعزعته”. واعتبر مصدر سياسي لبناني في حديث إلى “اندبندنت عربية” أن “المناورة جاءت في مرحلة يطوى معها زمن الحقبة السورية كنتيجة للتفاهم السعودي – الإيراني، والحزب العائد من معاركه الإقليمية يريد استعراض قوته وانتصاراته أمام جمهوره قبل فريق المعارضة في الداخل، أو الرسائل التحذيرية التي تحدث عنها ضد إسرائيل”، وهذا ما أشار إليه الإعلام القريب من الحزب الذي أخرج القسم الأكبر من قواته من سوريا ولم يعد يحتفظ هناك إلا ببعض النقاط والمواقع، ولم يعد بحاجة إلى جحافل المقاتلين والآليات والدبابات التي كانت ظهرت سابقاً في أحد العروض العسكرية في منطقة القصير.
ومع ذلك فهناك من فهم أن الحزب تقصّد إظهار قوته التي تحاكي قوة الجيوش النظامية، مما يتعارض مع تقديم نفسه على أنه “مقاومة” ويوجه “رسالة استقواء وتكريس مبدأ الغلبة على الفرقاء في الداخل اللبناني وتمسكه بسلاحه وقوته العسكرية”، وهذا ما جاء في كلمة صفي الدين الذي قال “إن السلاح سيبقى بأيدي المقاومين حتى تحقيق النصر الكامل”.
ويقول المصدر السياسي ذاته إنه “لربما يظن الحزب ألا علاقة له بمسار التهدئة والتوافقات في المنطقة، وبخاصة بعد الحديث عن الغاية من سلاحه بعد التفاهمات الواسعة وتهدئة الصراعات التي تجري في الإقليم، وقد تكون رسالة الحزب هي أنه لا أحد يستطيع في الداخل أو الخارج فرض قراره عليه”.
ويستدرك قائلاً، “لكن بعد التسريبات التي تحدث عنها الإعلام اللبناني قبيل صدور ’إعلان جدة‘ حول أن البيان الختامي سيتضمن التأكيد على حق اللبنانيين في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة، وتأكيد البيان أهمية وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي التي هي حق أقرته المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي، فلربما ما يفهم هنا هو أن العرب متفقون في أن ’حزب الله‘ يعود ويتموضع في الداخل اللبناني، فلا ضير من منحه مساحة للتعبير بخاصة أمام جمهوره، وهذا ما ظهر في استعراض فائض القوة خلال المناورة”.