الاقتصاد التركي على مفترق طرق و”الليرة” لمزيد من التراجع

النشرة الدولية –

المدن – عزة الحاج حسن –

رفعت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا منسوب حالة عدم اليقين حيال الاقتصاد التركي والعملة الوطنية، بعد توجه تركيا إلى جولة ثانية من السباق الانتخابي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومرشح تحالف الشعب كمال كيليتشدار أوغلو.

إرجاء الحسم الرئاسي إلى جولة ثانية في 28 أيار، فتح الباب أمام المتابعين في تركيا وخارجها لرسم سيناريوهات عن مستفبل الاقتصاد التركي والعملة الوطنية، فيما لو فاز أي من المتنافسين المتعارضين بخططهما الاقتصادية.

وقد أثار تقارب الحصيلة الانتخابية لكل من أردوغان وأوغلو العديد من الأسئلة حول مسألة مواصلة تركيا سياساتها الاقتصادية غير التقليدية المعتمدة في عهد أردوغان، مقابل احتمال العودة إلى سابق اقتصادها الحر، وهو ما تعد به المعارضة التركية.

تقلّبات حادة

بعد ان فقدت الليرة التركية قرابة 30 في المئة من قيمتها مقابل الدولار العام الماضي، نتيجة المخاوف المتعلقة بالسياسة النقدية لحكومة أردوغان، وتداعيات الحرب في أوكرانيا، طُرحت الكثير من تساؤلات حول مستقبل الاقتصاد التركي ومصير الليرة مقابل الدولار. وفي حين يعلّق الأتراك آمالهم على انفراجات اقتصادية ونقدية عقب الانتخابات الرئاسية، يرجّح خبراء ومؤسسات دولية بأن يشهد الاقتصاد التركي تقلبات حادة على الأقل في المدى القصير، بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات المرتقبة بدورتها الثانية في 28 أيار الجاري.

أما على المديين المتوسط والبعيد، فقد تشكل الانتخابات الرئاسية شديدة التنافسية مفترق طرق للاقتصاد التركي، مع استبعاد حدوث أي تغييرات جوهرية على مسار الليرة في المدى القريب، مهما كانت نتيجة الإنتخابات.

ويتوقع محللو “جيه.بي مورغان” أنه بصرف النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية في تركيا، سيتم إجراء تعديلات كلية بناء على فرضية مدى الاقتراب من السياسات الأكثر تقليدية، مثل رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم. ويقابل تلك التوقعات فرضية الاستمرار بالسياسة المتشددة حيال الفوائد والتي قد تهوي بالليرة مبدئياً لتسجل نحو 26 ليرة إلى 30 ليرة مقابل الدولار بنهاية العام الحالي، مرتفعة من 20 ليرة للدولار حالياً.

الانقسام في تركيا

يبدو واضحاً الانقسام العامودي في تركيا، المبني على نموذجين اقتصاديين لا يلتقيان، قوامهما السياسة غير التقليدية التي يطبقها ويرسم مستقبلها الحزب الحاكم، وتقوم على تعزيز الانتاج والتصدير وخفض الفوائد، في حين ترسم المعارضة النموذج الثاني المتمثل برفع أسعار الفائدة وفق سياسات أكثر تقليدية، واتباع سياسات نقدية جديدة لمحاربة التضخم وتحرير البنك المركزي من التدخل السياسي.

وفي قراءة اقتصادية لمدى تأثير نتائج الانتخابات الرئاسية على الاقتصاد التركي، لاختلاف السياسة الاقتصادية القائمة حالياً والمعتمدة من قبل حكومة أردوغان عن تلك التي ينادي بها المعارض كمال كيليتشدار أوغلو، يوضح مدير معهد اسطنبول الدكتور باكير اتاجان في حديث إلى “المدن”، أن الحلول الاقتصاية بالنسبة لسياسة أردوغان تختلف عما ينادي به كيليتشدار اوغلو، علماً أن الأخير كان من أشد المعترضين على السياسات الاقتصادية السابقة، والتي كانت معتمدة على مدار الحكومات السابقة برئاسة أردوغان، حين كان علي باباجان وزيراً للاقتصاد وراعياً للسياسة الاقتصادية، “اليوم وبكل أسف يتحالف كيليتشدار مع علي بابا جان نفسه، وينادي بسياسته الاقتصادية. ما يعني أن ما كان ينتقده ويعارضه كيليتشدار أوغلو سابقاً بات اليوم مطلباً وهدفاً لديه”، على ما يقول اتاجان.

من هنا يرى اتاجان أن المشروع الاقتصادي للمعارضة التركية قائم على المغالطات، “فالرئيس أردوغان أحدث تغييرات جوهرية في سياسته الاقتصادية السابقة، واعتمد مؤخراً مسار النهج الصيني، القائم على خفض الفائدة وتعزيز الانتاج المحلي، وتأمين فرص العمل، ومكافحة البطالة، وزيادة مستوى التصدير”.

ويقول أن النهج الاقتصادي الذي كان معتمداً في وقت سابق بالنسبة إلى باباجان وما تنادي به المعارضة التركية اليوم، وعلى رأسها كيليتشدار، فيقوم على فتح باب الاستيراد على حساب الانتاج المحلي، وزيادة الفائدة بما يتماشى مع السياسات المالية العالمية، التي تقضي على الانتاج المحلي. وقد أثبتت إخفاقها مؤخراً، بدليل تداعي البنوك الاميركية بسبب سياسة الفائدة المتصاعدة.

ويصف اتاجان ما تنادي به المعارضة التركية اليوم من اقتصاد حر بـ”الخداع”، مبرّراً تدخل حكومة أردوغان بالسياسة النقدية بالقول: “الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول المتقدمة تتدخل بالمصارف المركزية والسياسة النقدية بشكل مباشر”.

من جهته ينتقد الباحث التركي المعارض اسلام ازكان السياسة الاقتصادية للحكومة التركية، ويقول في حديث لـ”المدن” إن الاقتصاد التركي متأزم حالياً. وهو أمر موثق بأرقام المؤسسات الدولية، وقد تتعمّق الأزمة الاقتصادية أكثر، بحسب أزكان، “في حال فاز فريق أردوغان بالانتخابات الرئاسية بعد أن أثبتت سياساته الإقتصادية فشلها”.

وحسب ازكان “لا أردوغان ولا حزبه، حزب العدالة التنمية، لديهما القدرة على صوغ حل شامل للأزمة الاقتصادية التركية. فكافة تجارب السلطة ومحاولاتها للتخلص من المأزق الاقتصادي الذي تعاني منه تركيا، باءت بالفشل”.

مستقبل الليرة التركية

وعن مستقبل الليرة التركية من وجهة نظر الموالين لحكومة أردوغان، يشير اتاجان إلى التغيرات التي حصلت في تركيا مؤخراً، بناء على السياسات الاقتصادية الجديدة، ستأتي ثمارها مع بداية العام المقبل 2024. فهي تستلزم فترة زمنية كي تثبت جدواها. ومن المتوقع أن يتحسن الاقتصاد التركي بشكل ملفت اعتباراً من العام 2024، فيما لو استمرت سياسة أردوغان الاقتصادية، وهو أمر مؤكد بحسب اتاجان.

أما بالنسبة إلى الليرة التركية، فمن غير المستغرب تراجع قيمتها في الأشهر الماضية. وهو أمر قد يستمر حتى نهاية العام الحالي، قبل أن تبدأ باستعادة قيمتها تدريجياً مطلع العام المقبل. ويختصر اتاجان مرحلة تراجع الليرة بأنها فترة تحول جذري في تركيا، فالخطة الاقتصادية لأردوغان تقضي بالتحول التدريجي إلى سياسة الانتاج وخفض الفوائد.

أما المعارضة التركية، فتحذّر من تأثير فوز أردوغان فيما لو حصل، على مصير العملة الوطنية، ويقول أزكان أن أسواق المال التركية غير متحمسة لاستمرار سياسة أردوغان الاقتصادية. لذلك، التغيير هو الحل الوحيد لخروج الاقتصاد التركي من المأزق الحالي. ويستشهد أزكان بتقييم وقراءة المؤسسات الدولية والمحلية غير المنحازة، لجهة الإخفاق الاقتصادي. وهو أمر لا يقتصر على المعارضة التركية.

وقد تراجعت قيمة الأسهم في البورصة التركية مع تقدم أسهم أردوغان في انتخابات الدورة الأولى. وهذا مؤشر على الانعكاس السلبي لسياسة أردوغان على الاقتصاد التركي، على ما يقول أزكان، مذكراً بأن وضع الليرة التركية اليوم سيء جداً مقابل الدولار بفعل عوامل عدة، إنما تدخّل الحكومة التركية بالسوق، هو ما يلجم ارتفاع الدولار في مقابل الليرة. ومن دون ذلك، لارتفع سعر الدولار إلى مستويات عالية جداً. لذا، يتوقع المعارضون لسياسة أردوغان انهياراً كبيراً بسعر الصرف في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية.

زر الذهاب إلى الأعلى