دعونا نتحول للروبل والتومان!
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

هناك شركة عالمية يعتمد العالم أجمع على قوتها ومنتجاتها، وهي مهيمنة على أسواق الكثير من السلع، وتحظى باحترام وثقة دول العالم، فتودع أموالها لديها، وتستثمر في أسهم الشركات التابعة لها، وفي ما تصدره من سندات!

مشكلة هذه الشركة أن مصاريفها السنوية، ومنذ عقود، أكبر من دخلها، أو أرباحها، فتقوم بتغطية الفرق بالاقتراض من السوق المحلي أو الدولي من خلال إصدار سندات بالدولار، وتقبل الدول والشركات على شرائها، لما تتمتع به من متانة وضمان!

هذه الشركة هي «أميركا»، فالكل يعلم أنها مثقلة بديون تقارب 32.5 تريليون دولار (32.5 + 12 صفراً)، التي تجمعت نتيجة اضطرار الحكومة للاقتراض، لسد الفرق بين ما يتم تحصيله كضرائب وما عليها من التزامات، فتقوم بطبع دولارات جديدة لتغطي التزامات جيوشها، ورواتب الجهات الفدرالية وتكلفة الضمان الصحي ورواتب المتقاعدين، وغير ذلك!

ما الذي يجعل العالم يستمر في ثقته بالدولار، والاستثمار في السندات والأسهم الأميركية، وفي الاقتصاد الأميركي؟

ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال من خلال مقال، لكن يمكن القول إنه ليس أمام العالم إلا «التعايش» مع الوضع الحالي، فأوان القفز من السفينة لم يحن بعد، خصوصاً أن ما يقدمه هذا الاقتصاد من فرص استثمارية مغرية لا يمكن مقاومته، ولا يمكن لأية دولة تقديمه، مع وجود مخاطر أكبر خارج السوق الأميركي، فلا الصيني، غير الحر، ولا الأوروبي المتعدد الأقطاب، ولا الروسي والياباني الصغيران، بإمكانها الحلول محل أميركا، بكل ما تملك من قوة وتقنيات مالية وعسكرية، وحرية اقتصادية وشفافية عالية.

وضع أميركا يشبه وضع الثري، المعتل الصحة نتيجة الإسراف في الصرف على ملذاته، بنسبة أعلى مما يكسب، ومع هذا بإمكانه سد ديونه إن قبل التخلي عن «ملذاته» العسكرية، وشيء من رفاهية شعبه، لكن لصناديق الاقتراع حساباتها.

كما أن هناك تلك «الرغبة» التي تكتنف فؤاد كل فرد في العالم تقريباً لاقتناء العملة الخضراء، فهي الملاذ الآمن، كونها مقبولة في قرى الصين كمجاهل أفريقيا، مروراً بصحارى العرب، لغابات الأمازون، ولشوارع موسكو وبومبي وبكين!

***

يشكل الاقتصاد الأميركي نحو %24 من الناتج الإجمالي للعالم، أي ان ما ينتجه 300 مليون شخص يشكل ربع ما ينتجه كل البشر، وعددهم 8 مليارات! كما يبلغ الناتج القومي الأميركي 25 تريليون دولار سنوياً تقريباً (روسيا 1.8 تريليون فقط)، وهذه النسب بحد ذاتها كفيلة بالثقة بالاقتصاد الأميركي، بسبب غنى الدولة وتقدمها الصناعي والتعليمي والتجاري، واحتياطياتها الرهيبة من كل شيء، وثرائها العلمي والثقافي غير المحدود، وقدرتها على خلق اختراعات جديدة كل يوم، وسلسلة مختبراتها وجامعاتها العريقة. وبالتالي، فإن مشكلتها «إدارية» أكثر مما هي عجز اقتصادي أو صناعي أو فقر بيئي حقيقي، واتفاق أمني أو تجاري واحد مع الصين كفيل بأن يحدث الانقلاب الإيجابي المنشود. وأغلبية هذه المزايا، وهذا الثراء الطبيعي، لم يتوافر للإمبراطوريات التي سبقتها، مثل بريطانيا!

كما أن أميركا هي أكبر دولة مستوردة، ومصدر للمبادلات التجارية في العالم، وتلعب دوراً مهماً في الاستثمارات العالمية وفي تدفقات رؤوس الأموال، وقراراتها تؤثر في الاقتصاد العالمي، وسيبقى الوضع على حاله، بالرغم مما يشكله من قلق لدى الكثيرين، فلا خيار لأية عملة أخرى أن تحل محل الدولار. وما على غير المطمئنين من صحة وقوة هذه العملة إلا التحول لغيرها، وغالباً لن يفعلوا!

زر الذهاب إلى الأعلى