برغم الهدنة في السودان… هدوء نسبي يتخلله أصوات إطلاق نار في الخرطوم
النشرة الدولية –
شهدت الخرطوم معارك وغارات جوية، ليل الإثنين الثلاثاء، رغم بدء سريان الهدنة التي تمتد أسبوعا بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي من المفترض أن تتيح خروج المدنيين وإدخال مساعدات إنسانية إلى السودان، وفق وكالة “فرانس برس”.
وأفاد شهود بسماع دوي نيران مدفعية في مناطق بالعاصمة السودانية، وتجول مركبات مدرعة في دوريات وتحليق طائرات حربية في سماء الخرطوم، مما يهدد الاتفاق الذي كان يمثل الأمل الأكبر حتى الآن في توقف طرفي الصراع عن القتال، وفقا لـ”رويترز”.
وقال سكان إن الخرطوم شهدت أجواء هادئة نسبية في وقت مبكر من صباح الثلاثاء، غداة بدء سريان وقف إطلاق النار الخاضع لمراقبة من السعودية والولايات المتحدة، والذي يهدف للسماح بتوصيل المساعدات الإنسانية، حسب “رويترز”.
وبعد خمسة أسابيع من الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، اتفق الجانبان السبت على هدنة تستمر سبعة أيام بدءا من الساعة 09:45 مساء بالتوقيت المحلي (19:45 بتوقيت جرينتش)، الإثنين، بهدف تسهيل وصول المساعدات.
وصباح الثلاثاء، قال أحد المقيمين في الخرطوم لوكالة “فرانس برس” إن “قصفا مدفعيا متقطعا” يتردد في العاصمة.
وبعدما دخلت الهدنة حيز التنفيذ رسميا، الإثنين، أفاد سكان آخرون في الخرطوم عن وقوع معارك وعن غارات جوية، وفق “فرانس برس”.
ومن جانبه قال عاطف صلاح الدين (42 عاما)، وهو من سكان الخرطوم “أملنا الوحيد أن تنجح الهدنة حتى نتمكن من العودة إلى حياتنا الطبيعية والشعور بالأمان والعودة إلى العمل مرة أخرى”، حسب تصريحاته لـ”رويترز”.
وأعلن المعسكران أنهما ينويان احترام وقف إطلاق النار هذا، لكن في الخرطوم قال سكان إنهم لا يرون أي استعداد لذلك، وفق ما ذكرت “فرانس برس”.
وأشارت الأمم المتحدة بعد ظهر الإثنين إلى “معارك وتحركات للقوات، بينما تعهد المعسكران عدم استغلال الأمر عسكريا قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ”.
وقال كارل سكمبري من المجلس النروجي للاجئين (NRC) “بعيدا عن التصريحات الرسمية، السودان لا يزال يُقصف وملايين المدنيين في خطر”، مستنكراً عبر “تويتر”، “أكثر من شهر من الوعود الكاذبة”، بينما فشلت حوالي 12 هدنة مع الدقائق الأولى من بدء تطبيقها.
والإثنين، شهد سكان الخرطوم البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة تقريبا قتالا متواصلا لليوم السابع والثلاثين على التوالي، في ظل حر شديد بينما حُرم معظمهم من الماء والكهرباء والاتصالات.
وبالرغم من استمرار القتال خلال سريان فترات سابقة لوقف إطلاق النار، فإن هذا هو أول وقف لإطلاق النار يأتي بناء على اتفاق رسمي بين الجانبين بعد إجراء مفاوضات، حسب “رويترز”.
ويشمل الاتفاق آلية مراقبة يشارك فيها الجيش وقوات الدعم السريع بالإضافة إلى ممثلين عن السعودية والولايات المتحدة، اللتين توسطتا في الاتفاق بعد محادثات في جدة.
وقبل وقت قليل من سريان وقف إطلاق النار، بثت قوات الدعم السريع رسالة صوتية من قائدها، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي”، شكر فيها السعودية والولايات المتحدة، لكنه حث رجاله على الصمود حتى النصر أو الشهادة.
وقال “لن نتراجع إلا بإنهاء هذا الانقلاب ومحاكمة كل من أجرم في حق الشعب السوداني والعودة إلى المسار الديمقراطي”.
“مصير مأساوي”
أعلن الوسطاء الأميركيون والسعوديون أنه تم التوصل، بعد أسبوعين من المفاوضات، إلى هدنة لمدّة أسبوع من أجل استئناف الخدمات وعمل المستشفيات وتأمين المخزونات من الاحتياجات الإنسانية، حسب “فرانس برس”.
وأعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في وقت مبكر الثلاثاء إغلاق مستشفى جديد في الضاحية الكبرى للخرطوم. فقد أُجبر موظفوها على التوقف عن العمل، لا سيما أنهم كانوا في مرمى النيران.
وقالت النقابة “فوجئنا خلال الأيام الماضية ولعدة مرات، بدخول عناصر مسلحة من قوات الدعم السريع إلى المستشفى، قامت بالتعدي على المرضى والمرافقين والكوادر الطبية، وعملت على ترهيبهم بإطلاق النار داخل أروقة المستشفى”.
كما أشارت إلى “حملة الأكاذيب والإشاعات المغرضة” التي يشنها كبار ضباط الجيش ضد الكوادر الطبية والمتطوعين الذين يعملون في المستشفى، والذين تلقوا “تهديدات شخصية”.
في هذه الأثناء، يواصل الأطباء التحذير من مصير مأساوي للمستشفيات. ففي الخرطوم، كما في دارفور، باتت المستشفيات كلها تقريبا خارج الخدمة.
أما المستشفيات التي لم يتم قصفها، فلم يعد لديها ما يكفي من المخزونات أو باتت محتلة من قبل المتحاربين.
وتطالب الطواقم الإنسانية بتأمين ممرات آمنة، فيما أكدت الرياض وواشنطن، أن هذه المرة ستكون هناك “آلية لمراقبة وقف إطلاق النار” تجمع بين ممثلين عن الجانبين بالإضافة إلى ممثلين عن الولايات المتحدة والسعودية.
“كلنا جائعون”
وقال محمود صلاح الدين المقيم في الخرطوم لوكالة “فرانس برس”، الإثنين “ليس هناك ما يشير إلى أن قوات الدعم السريع التي لا تزال تحتل الشوارع، تستعد لمغادرتها”.
ورغم أن الجيش يسيطر جوا، إلا أنه لا يوجد سوى عدد قليل من أفراده في وسط العاصمة، بينما تحتل قوات الدعم السريع على المستوى الميداني في الخرطوم. ويتهمها كثير من السكان بنهب منازلهم أو إقامة مقار لها فيها.
ورغم كل شيء، تأمل ثريا محمد علي في أن تصمت الأسلحة، على الأقل خلال مغادرتها العاصمة. وتقول لـ”فرانس برس” “لو كانت هناك هدنة حقيقية سوف آخذ أبي المريض وأخرج من الخرطوم إلى أي مكان”، مضيفة “بعد هذه الحرب لم تعد الخرطوم مكانا يصلح للحياة فكل شيء تمّ تدميره”.
ويقول سكان آخرون إنهم يريدون زيارة الطبيب، بعد مرور أسابيع من دون حصولهم على استشارة خصوصا للمصابين بأمراض مزمنة، بينما يأمل آخرون في أن يتمكن موظفو الخدمة العامة من إعادة المياه والكهرباء والإنترنت وشبكات الهاتف.
وبينما يحتاج 25 مليون سوداني من أصل 45 مليونا، إلى مساعدات إنسانية وفقا للأمم المتحدة، تزداد ندرة الغذاء بينما أغلقت المصارف أبوابها ودُمّرت أو نُهبت معظم مصانع الأغذية الزراعية.
وتقول سعاد الفاتح، المقيمة في الخرطوم، لفرانس برس “كلنا جائعون، الأطفال وكبار السن، الجميع يعاني من الحرب، لم يعد لدينا ماء”.
تحذير أممي
تبادل الجانبان الاتهامات بمحاولة الاستيلاء على السلطة في بداية الصراع في 15 أبريل.
وزاد اتفاق وقف إطلاق النار الآمال في استراحة من الحرب التي تسببت في نزوح ما يقرب من 1.1 مليون شخص من ديارهم، من بينهم أكثر من 250 ألفا فروا إلى دول مجاورة، وتهدد بزعزعة الاستقرار في منطقة مضطربة بالفعل، حسب “رويترز”.
وبحسب الأمم المتحدة، إذا استمر الصراع فإن مليون سوداني إضافي قد يفرون إلى الدول المجاورة التي تخشى انتقال عدوى العنف إليها.
والإثنين، حذر مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، فولكر بيرتيس، من تزايد “الطابع العرقي” للصراع العسكري ومن تداعياته المحتملة على دول الجوار.
وقال بيرتيس في إفادة بمجلس الأمن الدولي “الطابع العرقي المتزايد للصراع يهدد بإغراق البلاد في صراع طويل الأمد وبامتداد تداعياته إلى المنطقة”.