“نساء خوالد” للخضري: مكنون الحبّ الجمريّ على خيول الريح

النشرة الدولية – هالة نهرا –

في ديوان “نساء خوالد” النثريّ للإعلامي الكبير والكاتب والأديب السعوديّ القدير المرموق د. خالد الخضري الصادر عن “دار بسمة للنشر الإلكتروني”، ينسكبُ الشعرُ حيناً، لماماً، صورةً مائيةَ الاشتعالِ أو الاستضاءة، تُلألِىءُ افتتاح رنين المعنى في طبقة النصّ الطافية وإناء روحِ الأديب التي ما فتئت ترتطم بنوستالجيا الجمال والولع اللاعج والعشق الممسوس المُتَشَظّي؛ والنثر حيناً آخَر يتبدّى غالباً ويطغى ويتطاغى في تدفّقه والجريان والهبوب في ما يلامس أفضية البوحِ والمكاشفةِ اللذين يشفّان عن طبعٍ وإحساسٍ أدبيَّين رهيفين يعصفان: “أرتشفُ النورَ مزهواً بكِ/ والقلبُ يهفو ويعترفُ…/ (…)/ أُبحرُ في زورقِ الوجعِ العميقِ/ أشتكي هجراً بمهجتي/ (…)/ وظلمة الغدرِ في غضبةِ الطيشِ/ رهين وحدته/ واختار الحرّيةَ/ (…)/ بقايا رجُلٍ له ماضٍ/ يشتهي ضياء السماوات التي عبَرَتْ/ في خاطرةِ الذكريات…”. كأنّ النصَّ النثريّ ههنا رسالة حبٍّ موجَّهة بعد زمنٍ إلى ملهمته ومعذّبته المجهولة التي لا ولن يعرفها المتلقّي، وإلى القارىء العربيّ الرومانسيّ، ويشفّ في الوقت عينه عن إبثاث الذات مكنونها الجمريّ على خيول الريح.

بالمعنى “الفنّي” في المزاج والحالة والمناخ والخصائص يندرج النصُّ جليّاً في الرومنطيقية الخالصة، ونفْسياً في تدرّجات وسلالم الحبّ يترجّحُ كذلك بين مراتبه المتنوّعة ومنها الجوى الذي اشتدَّ به.

في النصّ النثريّ الثاني “جنّية المساء” يلوحُ طيف الشعر وامضاً خفيفاً مثل البرق الخاطف المُتَشَهَّى في ثنايا النثر: “وحواجز لحظة مجنونة/ أتوسّدُ فيها نزقي/ كي نجلسَ على خيالِنا المتعب”. أمّا نصّ “كلّ هذا الإجرام لا أستحقّه”، فيكتنفُ صلاة العاشقين وبوح الجنون بالفنون. عصبٌ أدبيٌّ واحدٌ مشدودٌ كالوتر (يتمظهر محفوفاً بالدراميّة أحياناً) يصلُ نصوص الديوان كلّها.

ثمّة إصرارٌ جميلٌ ههنا على رفع راية الحبّ والمجاهرة به على اعتباره مُنقذاً من الوحشة واختلال العالم اللامبالي الأصمّ الأجوف: “أنا الفارسُ المهاجرُ/ أجلدُ نفسيَ بالكلمات/ وأجلدُ كبرياءَكِ بصمودي/ وأعلنها صرخةً مدوِّيةً/ في وجهِ الكونِ:/ أحبّكِ.” (صفحة 62).

السياقاتُ المتتابعة للنصوص النثرية منسوجةٌ بخيوطٍ وحبالٍ متماثلةٍ أو متناغمة في إطارِ ثيمةٍ عُليا جامعة دلاليّاً، وثمّة علاماتٌ وكلماتٌ مفتاحية تتكرّرُ أو تترادفُ وتتولّدُ عن أطياف أُخرى ومَراوحها لتأكيد ما أينع كالثمر في لغة القلب وليُكثرَ الأديبُ والكاتبُ المشي حول المعنى؛ إنه التطواف بملهمته الوحيدة والمتكاثرة في آنٍ على صهوةِ الخيالِ الجارف وهو الواحدُ والمتعدّدُ؛ ما يتبدّى في معنى العنوان وأبعاده “نساء خوالد”.

الكتاب نصٌّ سلسٌ رقيقٌ يحتشدُ في “تظاهرة” الحبّ رافعاً يافطاته الجريئة بأسلوبِ السهل الممتنع العذب المبسَّط بلا تفذلُك أو تكلُّف أو أدنى ادّعاءٍ أدبيّ، وأسطُرُه محبَّبة باستوائها وانبساطها، ظلالُها هديلٌ وجسرٌ دوّارٌ يربط بين سفن هواجسه وإفضائه المزدحم بأناه وناياتها وربابتها وكمنجاتها، وبين القرّاء.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى