لماذا تشدد الدول المضيفة لهم على قضية العودة الطوعية للاجئون السوريون الآن؟
النشرة الدولية –
بي بي سي – سوزانا قسوس
تشدد القمم والاجتماعات الإقليمية الأخيرة على أهمية وضع العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم كأولوية قصوى.
ركز الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية الأردن ومصر والعراق والسعودية مع نظيرهم السوري الذي عقد في عمّان في أوائل شهر مايو أيار، على عودة السوريين الذين فروا من بلادهم أثناء الحرب، وذلك بالتزامن مع موجة عودة العلاقات مع دمشق، في خطوة تعكس حرص دول المنطقة على عودة السوريين إلى ديارهم.
وأعلن البيان اتفاق وزراء خارجية الدول المشاركة بأن “تبدأ الحكومة السورية وبالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، بتحديد الاحتياجات اللازمة لتحسين الخدمات العامة المقدمة في مناطق عودة اللاجئين، مع توضيح الإجراءات التي ستتخذها لتسهيل عودتهم، بما في ذلك في إطار شمولهم في مراسيم العفو العام”.
وفي قمة جدة في 19 من مايو أيار الجاري، اتفقت الوفود المشاركة وبحضور الرئيس السوري بشار الأسد، مترأساً وفد بلاده بعد 12 عاماً من استبعاد دمشق بسبب الأزمة، على “تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا”.
وهو ما يطرح السؤال التالي: لماذا تكثف الدول المضيفة جهودها الآن لتأمين عودة اللاجئين السوريين إلى موطنهم في أقرب وقت؟
لبنان
رحّلت السلطات اللبنانية حوالي خمسين سورياً الشهر الماضي، وقال وزير شؤون المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عصام شرف الدين، إن العملية ستتكرر لإعادة اللاجئين السوريين من لبنان إلى بلادهم، وإن عودتهم “أمر مشروع وواجب”، وإن لبنان يكثف مطالباته بإعادة اللاجئين السوريين، وهناك مناقشات مع الدولة السورية متمثلة بوزارة الداخلية ووزارة الإدارة المحلية والبيئة، وكانت نتائج الاجتماعات “إيجابية”.
يستضيف لبنان ما بين مليون ومليوني لاجئ سوري، خلال أشهر الصيف الماضي، قالت السلطات اللبنانية إنها مستعدة لبدء تعاون مع الحكومة السورية لإعادة السوريين على دفعات “تصل إلى 15 ألف لاجئ سوري كل شهر”.
أضاف الوزير أن التنسيق مع المفوضية من الجانب السوري هو موضوع عالق بما يخص دفع المساعدات للاجئ السوري عند عودته إلى بلاده: “طلبنا لجنة ثلاثية تضم سوريا ولبنان والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين وتبثق عنه لجان في قرى العودة ويكون هناك وضوح عن حالة السوري العائد إلى سوريا، ما يشجع الباقين أن يعودوا إلى موطنهم أيضاً”.
في سؤاله عن أهمية توقيت تكثيف الجهود الإقليمية لإعادة اللاجئين السوريين، قال الوزير شرف الدين لبي بي سي: “لأنه آن الأوان. آن الأوان لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. 12 عاماً من التشرد ومواجهة الصعوبات. حوالي 90 في المائة منهم يعيشون تحت خط الفقر في لبنان”، مضيفاً أن مساعدات المفوضية “لا تكفي العائلات السورية”، بحسب شرف الدين، الذي قال إن الوضع آمن لعودة اللاجئين إلى سوريا باستثناء المنطقة الشمال الشرقي الذي بها وجود أمريكي غير شرعي”.
أكدت المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد أن المفوضية تحترم حق اللاجئين الأساسي في العودة الطوعية إلى بلادهم و”لا تعيق عودة اللاجئين إلى سوريا”.
وقالت أبو خالد إن “أغلبية اللاجئين السوريين قالوا للمفوضية إنهم يريدون العودة إلى سوريا، والسؤال ليس ما إذا كانوا يرغبون بالعودة، ولكن متى يعودون”.
ويستضيف لبنان ما بين مليون ومليوني لاجئ سوري، خلال أشهر الصيف الماضي قالت السلطات اللبنانية إنها مستعدة لبدء تعاون مع الحكومة السورية لإعادة السوريين على دفعات “تصل إلى 15 ألف لاجئ سوري كل شهر”.
الأردن
قال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي نهاية الأسبوع الماضي، إنّ الأردن تجاوز طاقاته الاستيعابية في استضافة اللاجئين الذين يجب أن تكثف الجهود لتأهيل البنية التحتية في سوريا لتسهيل عودتهم الطوعية إليها، مؤكداً، خلال محادثات موسعة مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن عودة اللاجئين السوريين الطوعية إلى بلدهم في أسرع وقت ممكن “يمثل السبيل الوحيد لحل الأزمة بشكل جذري”.
وأكد الصفدي لمسؤولين أمميين الأسبوع الماضي أن “حل أزمة اللجوء يكون في توفير البيئة اللازمة للعودة الطوعية للاجئين السوريين”، مطالباً بضرورة اتخاذ خطوات فاعلة لمساعدة اللاجئين الذين يختارون العودة، لضمان أمنهم وسلامتهم وتوفير متطلبات العيش الكريم لهم.
تأتي تصريحات الصفدي بينما تعلن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن حصولها على 22 في المائة فقط من متطلباتها المالية للسنة المالية 2023، أي حوالي 88 مليون دولار من أصل ما يقرب من 390 مليون دولار، مشكلاً نسبة 22 في المائة من إجمالي متطلبات المفوضية للعام الحالي .
تركيا
ومن الجانب التركي، صرّح الرئيس رجب طيب أردوغان أن أنقرة تعمل على خطة لعودة اللاجئين السوريين من أجل فهم متى سيكون من الممكن بدء العملية. وقال أردوغان، في مقابلة مع قناة تركية: “في المستقبل القريب، سيتم التخطيط لخارطة طريق لعودة اللاجئين، وسيتم تحليل مدى سرعة ضمان عودتهم”.
وبحسب أردوغان، عاد 450 ألف لاجئ سوري إلى موطنهم، في شمالي سوريا حتى شهر أبريل نيسان الماضي. وتابع أردوغان: “لدينا خطة لإعادة مليون لاجئ آخرين إلى هناك”.
شدد وزير الخارجية التركي على ضرورة الاتصال بالسلطات السورية لمناقشة مسألة إرسال اللاجئين ليس فقط إلى “مناطق آمنة” في شمال سوريا، بل أيضاً إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.
أفادت وكالة الهجرة التركية، في كانون الثاني/ يناير الماضي، أن 3.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا، وفي عام 2022 عاد ما يقرب من 59 ألف شخص إلى المناطق الآمنة في سوريا.
شدد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو أهمية التواصل مع السلطات السورية لمناقشة مسألة إرسال اللاجئين ليس فقط إلى “مناطق آمنة” في الشمال السوري، بل أيضاً إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.
يعلّق الكاتب الصحفي التركي فراس رضوان أوغلو لبي بي سي: “الرؤية التركية لموضوع إعادة اللاجئين هي رؤية شاملة لإنشاء خطة طريق لمحاولة إيجاد خطة طريق لإنهاء مسألة اللاجئين وتعتمد بشكل كبير على العلاقات الثنائية بين الدول المضيفة للاجئين وسوريا وكيف تخطط لتمهيد طريق إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، يبدو أن الأمور والأوضاع الأمنية بدأت تتغير نحو الأفضل. لذا، أظن أن جميع الدول المضيفة للاجئين تسير في هذا الاتجاه وتركيا تريد إعادة قسم كبير من اللاجئين لديها. لكن الترتيبات تحتاج لبعض الوقت وقراءة أكثر تفصيلاً للمشهد”.
يعتقد أوغلو أن الوضع الدولي والإقليمي له أثر كبير، خصوصاً بعد الحرب الروسية على أوكرانيا والتراجع الأمريكي في الملف السوري والشرق أوسطي، جعل الدول المضيفة للاجئين ودول الإقليم “تُعيد الحسابات لمصالحها” من الناحية الأمنية أولاً والاقتصادية تالياً في الوضع الراهن.
ويضيف: “لو كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في سدة الحكم الآن، لكان الوضع مختلفاً ولم نشاهد هذا التبدل السريع بالمواقف، وخصوصاً في ما يخص موضوع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. الإدارة الأمريكية الحالية ساهمت بشكل كبير في تغيير المواقف وفي هذه العودة التدريجية الآن”.
العراق
في العراق، تشير تقارير أممية بأن حوالي 86 بالمئة من سكان المخيمات من اللاجئين يعانون من انعدام الأمن الغذائي أو معرضون لانعدام الأمن الغذائي بسبب تلاحق الصدمات الاجتماعية والاقتصادي.
يستضيف العراق قرابة 260 ألف لاجئ سوري، يقطن الغالبية منهم في إقليم كردستان. يبلغ عدد اللاجئين السوريين في المخيمات ما يقرب من 96 ألف شخص.
ويدعو العراق إلى تسريع كافة الجهود الهادفة لتسريع العودة الأمنة والطوعيَّة للمهاجرين والنازحين إلى أماكنهم وإعادة اعمار المناطق المتضررة، وفق قرار مجلس الأمن 2254.
ملف العودة من منظور الاتحاد الأوروبي
يقول الصحفي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل حسين الوائلي إن عودة اللاجئين السوريين “مشروطة بانتقال سياسي” تتوفر فيه شروط بيان جنيف عام 2012، وكذلك ترسيخاً لقرار الأمم المتحدة 2254 الذي يقضي بضرورة ضمان مستقبل مستقر لسوريا والمنطقة من خلال انخراط لجميع الأطراف السياسية والاجتماعية السورية بالمفاوضات وإبراز حالة من التفاهم والعيش المشترك بين الجميع.
ويضيف: “الآن هذا الشرط لم يتحقق، وطالما لم يتحقق، فعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم محفوفة بمخاطر كثيرة لا تتوفر فيها شروط حقوق الانسان. وهنا نتحدث عن منطلق آخر وهو أنه يجب أن يكون هناك رصد للواقع وهذا ما يعمل عليه الاتحاد الأوروبي مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، والتي تقول إن الشروط لم تتحق لعودة اللاجئين”.
ويشير الوائلي إلى أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية هي “بمثابة علاقات ثنائية بين دول عربية” ويضيف أن التكتل الأوروبي لا يتدخل بالتفاصيل ولكن موقفه واضح من الأزمة السورية وإقصاء بعض ممثلي الفعاليات السياسية المهمة، وفق قوله.
منذ عام 2011، يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات موجهة ضد الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه.
وتستهدف عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا في المقام الأول أفراداً و كيانات على نحو محدد، بحسب التكتل.
رؤية الأمم المتحدة
تحذر المنظمات غير الحكومية بانتظام من عملية “إعادة اللاجئين القسرية” أو الإجبارية إلى سوريا، وقد دعت منظمة العفو الدولية لبنان إلى “وقف عمليات ترحيل اللاجئين غير القانونية” خوفا من تعرضهم “للتعذيب والاضطهاد” من قبل الحكومة السورية عند عودتهم، خاصة أن الشروط الضرورية للعودة الآمنة والسلمية لم تتوفر بعد، بحسب الأمم المتحدة.
تقول الصحفية المعتمدة لدى الأمم المتحدة دينا أبي صعب: “العودة لأي لاجئ في العالم لا يفترض أن تكون قسرية. اللاجئ يجب أن يبقى من حملة صفة اللاجئ طالما تعاني بلاده من حرب وتصنف كدولة تحت الحرب. طالما لم يتم إعلان انتهاء الحرب في سوريا، والسوريون خارج الحدود السورية موجودون بصفة لجوء قسري وعودتهم إلى البلد قد تعني اعتقالهم أو خيارهم الوحيد هو الخروج من بلدهم والعيش في بلد آخر”.
تقول أبي صعب أن الأمم المتحدة تأخذ بعين الاعتبار العديد من الزوايا في حين إعادة اللاجئين، أهمها الخطر على الحياة، خصوصاً اعتماداً على توجهاتهم السياسية في ما يخص الشأن السوري، وألا تتم ممارسة أي شكل من أشكال الضغوط عليهم، وتحاول تأمين الحد الأدنى من المعيشة للاجئين المسجلين في الأمم المتحدة، كالمساعدات المادية، البنى التحتية وخدمات المياه والكهرباء. وتضيف أن زيادة مستوى الفقر في البلدان المضيفة تساهم في تسريع هذه المطالبات بإعادة اللاجئين لدولهم.
وتضيف: “هل ستتعامل دمشق مع ملف اللاجئين بنفس الحماس الذي تتعامل معه بلدان مثل لبنان والأردن وتركيا والعراق؟ ليس لدينا أي معلومة مؤكدة. الآليات للأمم المتحدة هي معاهدات وتصريحات ومناشدات للدول بتخفيف القبضة الأمنية. أما على الأرض، الدول المضيفة معنية بحماية مواطنيها وكل من يلجأ إليها أو يقيم على أراضيها”.