ومتى كانت كرة القدم عادلة؟
بقلم: كرم نعمة
النشرة الدولية –
العرب –
يمكن اقتباس كلام لاعب وسط ليفربول السابق والمعلق الحالي جيمي ريدناب، عن مدرب مانشستر سيتي بيب غوارديولا، وتحويل قوس الكلام إلى لاعب النادي نفسه المهاجم النرويجي إيرلينغ هالاند، فالحديث عن تحقيق غوارديولا أمورا كان يراها خبراء كرة القدم في السابق مستحيلة، ينطبق على المهاجم الذي يشغل المتابعين ومدربي ولاعبي الفرق الأخرى.
يقول ريدناب “إذا كنت تحب مشاهدة كرة القدم، فإنك بلا شك تحب مشاهدة مانشستر سيتي” هنا الحديث عن الفريق كاملا، لكن الكلام عن هالاند وحده لا يبدو غير عادل وإن كان يُفرط بالانبهار.
فهذا اللاعب يجسّد الكمال في رؤية سيتي المستقبلية، وفق مفاهيم كرة القدم العصية على الثبات، لأنه تحول إلى جزء من آلة فوز لا ترحم، ذلك لأن غوارديولا الجريء وجّهَ فريقه بالكامل صوب مهاجم لم يلعب من قبل في إنجلترا.
ربما يكون أبرز شيء يتعلق بالمهاجم النرويجي هو أنه يجعلك تشعر وكأن ما يفعله شيء بسيط للغاية، حيث يسجل أهدافه من خلال الوقوف على القائم البعيد لاستقبال الكرات العرضية المرسلة إليه، أو من خلال متابعة الكرات في منطقة الجزاء ووضعها داخل الشباك الخالية، بينما يسقط حارس المرمى على الأرض مغشيا عليه، أو استثمار طوله الفارع في ضربات رأس.
تلك قراءة جاهزة تكتفي بالعين وحدها لما يحدث في مجموعة السيتي، بينما الحاجة ماسة هنا إلى العقل لمعرفة ما يحصل. فوجود هذا اللاعب في الفريق يضفي شحنة عاطفية هائلة بين اللاعبين، وصار بمثابة أداة توحيد لا يمكن أن يجد حتى الكارهون له صفة الأنانية التي ارتبطت كثيراً بمهاجمي كرة القدم على مرّ تاريخ اللعبة.
وسنرى بقية اللاعبين يتنافسون لإيصال الكرة إليه لثقتهم التي لا تكسر بأنه مصدر مأمون للتسجيل، وتلك ميزة لم تحدث مع لاعب آخر من قبل.
في الأسابيع الأولى لبداية هالاند مع السيتي رفعت مذكرة من قبل مشجعي الفرق الأخرى طالبت باستبعاده بذريعة أن وجود هذا اللاعب الذي لا يتوقف عن تسجيل الأهداف، أمر غير عادل لبقية الفرق.
من الواضح أن هالاند يمتلك ذكاءً كروياً حاداً، فهو قادر على رؤية الزوايا والمسافات قبل أن يتمكن المنافس من رؤيتها، كما أنه قادر على اكتشاف نقاط الضعف في دفاعات الفرق المنافسة واستغلالها.
مع ذلك لم يرغب الملهم غوارديولا أن يبقي هذا اللاعب مجرد أداة لتسجيل الأهداف، كان يطالبه بالحركة الجماعية ضمن أوركسترا السيتي، كعامل مضاف للتسجيل.
قد يعتقد البعض أن ما يفعله هالاند أمر سهل، لكنه ليس كذلك على الإطلاق، فهو في غاية الصعوبة والتعقيد، وفق الكاتب في صحيفة الغارديان جوناثان ليو. وهذا اللاعب تتويج للمشروع الأكثر جرأة وتعقيداً في كرة القدم الإنجليزية بفضل الشاعر الكروي غوارديولا الذي صنع أوركسترا موسيقية داخل الملعب يتم تجميع مقاطع عزفها ببطء وهدوء وثقة، حتى تصل في نهاية المطاف إلى مستويات مذهلة. من المفيد التذكير هنا للدفاع عن الفكرة الأخيرة، بأن غوارديولا قضى وقتاً مع المخرج وودي ألان ولاعب الشطرنج الروسي غاري كاسباروف. وهذا سبب منطقي يجعله يقضي ست ساعات عمل في مكتبه يوميا، بينما يدرب فريقه بالملعب ساعتين لا أكثر.
فبمجرد أن تصبح الأجزاء المكونة لآلة الفريق في مكانها الصحيح، يشعر غوارديولا بأنه مستعد لإسناد مهمة تسجيل الأهداف إلى لاعب موهوب يقود الفريق. هناك قيادة من نوع آخر لا تقل روعة يقودها البلجيكي كيفن دي بروين.
هكذا تم تعديل كل شيء في صفوف السيتي من أجل هدف واحد فقط، وهو توصيل الكرة إلى هالاند في أقرب نقطة ممكنة من المرمى.