عودة غير مظفّرة لأردوغان
بقلم: خيرالله خيرالله

النشرة الدولية –

اختار الأتراك، بأكثرية ضئيلة، بقاء رجب طيب أردوغان رئيساً للجمهورية لخمس سنوات أخرى. يظهر أنّهم يرفضون المخاطرة بمجازفات من أي نوع، بما في ذلك انتخاب رئيس بديل من رئيس تعوّدوا عليه… كما تعوّدوا على استبداده وتزمّته وعلى الكوارث التي تسبّب بها. لعلّ أفضل ما يعبّر عن تلك الكوارث، التي ما زالوا يتعايشون معها، فقدان الليرة التركيّة 80 في المئة من قيمتها في السنوات الأخيرة. كان لافتاً استمرار هبوط العملة التركية، قبالة الدولار، بمجرّد الإعلان عن فوز أردوغان.

عملياً، اختارت أكثريّة تركيّة في الدورة الثانيّة للانتخابات الرئاسيّة يوم 28 أيّار (مايو) 2023، المحافظة على حدّ أدنى من الاستقرار التركي، في منطقة تبدو دول عدّة فيها مهدّدة من الداخل. لا شكّ في أنّ شخصية أردوغان ساعدته في التغلّب على كمال كليتشدار اوغلو لاعتبارات عدّة، من بينها أنّ المنافس من الطائفة العلوية، فضلاً عن غياب أي كاريزما لديه. إنّه شخصية سياسيّة أقرب إلى اللون الرمادي أكثر من أي شيء آخر…

في مقدّمة الدول المهدّدة في الجوار التركي، تأتي بالطبع سوريا. لدى رئيس النظام السوري، بشّار الأسد، حساب ذو طابع شخصي، سعى، وما زال يسعى، إلى تصفيته مع أردوغان الذي يتموضع جيشه داخل الأراضي السوريّة.

خسر بشّار رهانه على مرشّح المعارضة التركيّة، علماً أنّ الأخير لم يقدّم أي ضمانات توحي بأنّه سيكون مختلفاً عن أردوغان، خصوصا أنّه أقرب إلى الغرب وحلف شمال الأطلسي من الرئيس التركي الذي أُعيد انتخابه. قرّر بشّار الذي يعرف، في ما يبدو، أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خسر حرب أوكرانيا، تحدّي الأخير في تركيا. رفض الاستجابة لطلب روسي عَقدَ لقاءٍ مع أردوغان قبل موعد الانتخابات التركيّة، خشية استفادة الرئيس التركي من هذا اللقاء.

من هذا المنطلق، ثمّة سؤال سيطرح نفسه قريباً عن العلاقة بين النظام السوري وروسيا، خصوصاً أنّ بوتين سارع إلى تهنئة أردوغان، الذي يعتبره بشّار عدواً شخصياً له. لن يكون من خيار آخر أمام الرئيس السوري سوى مزيد من الإرتماء في الحضن الإيراني. سيُحسب ذلك من بين النتائج التي ستترتب على فوز أردوغان بولاية أخرى.

بعيداً من مستقبل العلاقة بين النظام السوري وروسيا، والخلاف بين رئيس النظام وبوتين في شأن أردوغان، اختار الأتراك بقاء الأخير رئيساً من منطلق معرفتهم به. يعرفون سلبياته كما إيجابياته، ويعرفون شوائب رافقت الانتخابات وتحكّمه بأجهزة الدولة والإعلام. يظلّ عامل البحث عن حدّ أدنى من الاستقرار السبب الأهمّ لبقاء أردوغان في السلطة، على الرغم من كلّ الكوارث التي تسبّب بها، خصوصاً في المجال الاقتصادي والحرّيات العامة وعجز الحكومة عن السيطرة على الفساد وفشلها في معالجة آثار الزلزال الأخير الذي ضرب الجنوب التركي. لكنّه يبقى أنّ الأهمّ من ذلك كلّه، أنّ قسماً كبيراً من الأتراك يريدون، في وقت واحد، التغيير… إلى جانب المحافظة على الإستقرار. هذا ما كشفته نتائج الانتخابات الرئاسيّة.

ستجعل هذه الرغبة في التغيير، خصوصاً لدى الشباب التركي، من أردوغان رئيساً مقيّداً إلى حدّ ما. لن يتمكن، قبل كلّ شيء، من تنفيذ ما يطمح إليه أصلاً. كان طموحه الأصلي القضاء على إرث مصطفى كمال اتاتورك، المتمثل في أنّ تركيا دولة علمانيّة ومدنيّة وليست دولة الإخوان المسلمين الذين ينتمي أردوغان إليهم وإلى تخلّفهم. أكثر من ذلك، سيكتشف أردوغان أنّه لن يعود قادراً على لعب الأدوار التي كان يطمح إليها خارج حدود بلاده. لن يستطيع أن يلعب الدور الذي كان يطمح إليه، وصولاً إلى ليبيا والبحر الأحمر، باستثناء أنّه سيبقى موجوداً في سوريا، وسيبقى متحالفاً مع أذربيجان…

في النهاية، إنّ تحالف القوى الذي سمح ببقاء أردوغان في الرئاسة لا يقتصر على الإسلاميين، بل شمل قوميين متعصبين من نوع سنان أوغان الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف. صحيح أنّ أردوغان يمتلك أكثريّة في مجلس النواب، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ تراجعاً طرأ على حجم هذه الأكثريّة.

خلاصة الأمر، أنّ الرئيس التركي لن يتمكن من بناء مجدٍ خاص به، ينافس به مجد مصطفى كمال اتاتورك، باني الدولة التركيّة الحديثة التي خلفت الأمبراطوريّة العثمانيّة، قبل مئة عام. سيكون عليه في المرحلة المقبلة التركيز على حماية المصالح الخاصة بأسرته والمحيطين به أوّلاً. سيكون عليه اكتشاف أنّ تركيا ليست دولة عظمى، بدليل فشلها في كلّ مكان تدخّلت فيه، بما في ذلك سوريا، حيث صارت لاعباً بين لاعبين آخرين. يعود فشل تركيا، وأردوغان بالذات، إلى أنّها تحزم أمرها سريعاً مع النظام السوري لحظة اندلاع الثورة الشعبيّة في آذار (مارس) 2011. تركت إيران تتدخّل لإنقاذ النظام ثم رضخت للتدخّل الروسي، بدل أن تكون اللاعب الأهمّ في سوريا…

عاد أردوغان. كانت عودة غير مظفرّة على العكس من تلك التي كان يحلم بها. استطاع إنقاذ نفسه لكنه لم يستطع ولن يستطيع إعادة الحياة إلى مشروعه الأصلي، المعادي للقيم الغربيّة، الذي يعيد إلى تركيا أمجاد الدولة العثمانيّة وسلاطينها!

Back to top button