في أزقة نابلس ..قتلونا عزة وحسرة
صالح الراشد
النشرة الدولية –
ولجنا بوابة التاريخ حيث يقف جرزيم وعيبال حارسين على مدينة العز والشجاعة، يقفان شامخان يعانقان السماء وكأنهما يستمدان القوة من خالق الأرض والسماء، في هذه البقعة الطاهرة عشنا لحظات العز لتطال أعناقنا قمة الجبلين، ولحظات الحزن حتى ذابت الدموع في نهر الدماء التي غطت حجارة التاريخ في أزقة مدينة نابلس الفخار والصبر على الوجع، وطريق النصر والحرية.
تنقلنا من حارة لحارة يسبقنا التاريخ بهيبته والحاضر بعزته والمستقبل
برحابته، فنحن في مناطق الشهداء حيث لكل زقاق قصة بطولة واستشهاد، فهنا ارتقى البطل تامر الكيلاني وفي ذاك الزقاق عانق براء ابو نعمة وفراس الشايب ونضال الواوي الموت بعد صراع شديد، ففي هذه الأزقة لا يكون الابطال أهداف سهلة للمحتل الصهيوني حيث تشفع الشوارع والبيوت والحجارة لأهلها الباحثين عن الشهادة كما تبحث الصقور عن طعامها، فهنا الموت هو الحياة لأن الجدران والأزقة تُخلد قطرات الدم المنسكبة على حجارة تجاوز عمرها التاريخ ولا زالت تحمي شباب بعمر الورد والياسمين.
سرنا بهدوء وسكينة في الأزقة حتى لا نزعج قطرات الدماء، سرنا وقد خلعنا ما بقي منا من تعلق بسفاسف الأمور ، وتمنينا أن نخلع أحذيتنا حتى لا نلوث خطوات الابطال وحتى نلتصق بهم، سرنا وكلمات الدكتور سليمان العمد تحيط بنا وتفرض علينا الصمت والسكون لرهبة المواقف وعظمة البطولات، كلماته اعطتنا العزة وأن الأمة لا زالت على قيد الحياة، وفي ذات الوقت جعلتنا نشعر بألم الحاضر من انقسامات وتراجع القضية الفلسطينية على سلم الأولويات العربية.
غادرنا الأزقة وأكملنا الطريق صوب مرقد الشهيد الأردني البطل صالح شويعر ، هذا البطل الذي أجبر قائد الاعداء على آداء التحية لجثمانه الطاهر بعد أن قاتل كالأسود لآخر لحظات عمره، وكانه يقول هذه الأرض لنا ولن نسلمها بسهولة وحصتنا كاملة فيها، فيما حصة العدو جزء من دماء الشرفاء وبعدها سيعتدل التاريخ وتعود فلسطين لأهلها حرة مستقلة نقية.
آخر الكلام:
الابطال يتوالدون فلا يرتقي أسد إلا وتُخرج الارحام العشرات من الأبطال، غادرنا أزقة نابلس وتركنا قلوبنا هناك تنبض معهم وتخفق بحبهم، فمنذ اليوم أصبحت نابلس رفيقة الروح الهائمة في أزقتها بحثاً عن الحُلم وروح الأمل، لتأخذ نابلس منا القلب ولتقتلنا بالعزة مرة وبالحسرة والألم مرات.