وليد جنبلاط يستكمل حلقة “التوريث” باستقالته من رئاسة “التقدمي الاشتراكي”

"باقٍ على الضفة" حتى يتحقق طموح الشعب السوري

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

حتى الحلقة الضيقة القريبة جداً من وليد جنبلاط لم تكن على علم بتوقيت تنحيه عن رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي، وفي آخر إطلالة إعلامية لجنبلاط مع قناة “أل بي سي آي” اللبنانية، انسحب بهدوء وبواقعيته المعهودة من لعب أي دور في استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية. هو لا يريد بعد الآن أن يكون “وسيطاً” كي لا يتهم بأنه “وصي”، مسلماً الدفة، ولا “مشكلة لديه”، أن يأخذ جبران باسيل مكانه، “لكن المهم أن يتم الاتفاق على رئيس”. هو حاول، ولم تنجح المحاولة. لمح إلى أن تسوية إقليمية دولية يجري العمل عليها، وأكثر ما يقلق جنبلاط هي التسويات التي لا يكون شريكاً بها، أو في الأقل مطلعاً عليها.

سوسن مهنا

توقيت الاستقالة

وليد جنبلاط هو أول من يسلم زعامة العائلة الدرزية الجنبلاطية، وهو لا يزال على قيد الحياة، والمعروف عن هذه العائلة أن تسلم زعامتها معمدة بالدم، لا يسلمون ولا يتسلمون الزعامة بصورة طبيعية، وليد تسلمها بعد أن قضى والده كمال اغتيالاً، وكذلك جده فؤاد، كما جده الأكبر سعيد جنبلاط، والذي اغتيل بالسم.

“اندبندنت عربية” حاولت أن تستفسر من “بيك المختارة” حول هذا التوقيت لإعلان الاستقالة، وهل من الممكن أن نرى على رأس “الحزب التقدمي” شخصاً لا ينتمي إلى طائفة الموحدين الدروز؟ لكن جنبلاط اعتذر عن الاجابة معللاً ذلك بوجوده خارج الوطن.

ويقول بعض من خصوم جنبلاط إنه أراد أن “يريح” تيمور (ابنه) من عبء مواقفه المتطرفة، بخاصة تلك المواقف ضد النظام السوري، ويزيدون أنه منذ الإعلان عن الاتفاق بين السعودية وإيران، والذي كان مفاجئاً إلى حد ما، قد يكون جنبلاط أحبط على أكثر من مستوى، بقاء النظام السوري برئاسة بشار الأسد وعودته إلى الجامعة العربية والانفتاح العربي تجاهه، وللمفارقات أن تعقد هذه القمة في جدة بالسعودية.

وينفي مصدر محيط بجنبلاط ذلك بشدة ويؤكد أن ما حكي في الإعلام غير دقيق، وأن استقالته كانت قيد التحضير منذ عام 2017 عندما ألبس الكوفية لـ”وريثه” تيمور، وتلا ذلك تنحيه عن خوض الانتخابات النيابية 2022، والآن تأتي استقالته من رئاسة الحزب. ويضيف أن المؤتمر العام للحزب الذي يعقد في 25 يونيو (حزيران) الحالي، كان يحضر له منذ 2020، ولكن بسبب انتشار وباء “كوفيد-19” تأجل، ومن ثم أرجئ، مرة جديدة، بسبب التحضير للانتخابات النيابية 2022، وتأتي هذه الاستقالة كخطوة إضافية، وفي سياقها الطبيعي، لتسلم تيمور مقاليد الزعامة الجنبلاطية.

وعن الانتخابات لرئاسة “الحزب” يشير المصدر نفسه إلى أن جنبلاط الابن، كما الأب، يعتمد الشفافية والمباشرة، وكما عهد “الحزب” دوماً، ومعلوم أن باب الترشيحات قد فتح، ولكن من باب الوضوح نقول “إنه كان من الممكن ترشيح أو تسليم أي شخصية رئاسة الحزب لفترة زمنية، ولكن لن يصدق أحد ذلك. لن نجري انتخابات صورية، ومع تسلم تيمور رئاسة الحزب، تكتمل حلقة التوريث”، وفي المعلومات أن التغيير لن يقتصر على انتخاب رئيس وقيادة جديدة، بل سيطاول قيادات مناطقية ووسطية.

وحول ما قيل بالنسبة لمواقفه ضد “النظام”، يشدد المصدر عينه على أن من يعرف جنبلاط يعرف تماماً أنه لا يخاف من مواقفه، هو القائل “ادفنوا أمواتكم وانهضوا”، مضيفاً أن “وليد جنبلاط حتى لو اتخذ القرار بالابتعاد عن السياسة، فالسياسة نفسها ما تتبعه”، وكان جنبلاط قد علق على عودة سوريا للجامعة العربية بالقول إن “الإنشاء العربي جميل، عاد النظام السوري، لكن أريد أن أعرف أين هو هذا الحضن العربي”. واعتبر “أن الخطأ الكبير هو في عودة سوريا إلى الجامعة العربية من دون تنفيذ الإصلاحات والضمانات الأساسية للشعب السوري”، واصفاً الاتفاق السعودي – الإيراني بـ”الحدث الكبير”.

وكان جنبلاط، خلال إحياء ذكرى اغتيال والده كمال جنبلاط، في 16 مارس (آذار) 2017، مرتدياً كوفية فلسطين، توجه إلى نجله تيمور قائلاً “يا تيمور سر رافع الرأس، واحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط، وأشهر عالياً كوفية فلسطين العربية المحتلة، كوفية لبنان التقدمية، كوفية الأحرار والثوار، كوفية المقاومين لإسرائيل أياً كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة”، ناصحاً نجله تيمور “عند قدوم الساعة، ادفنوا أمواتكم وانهضوا، وسيروا قدماً، فالحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم، لا للضعفاء”.

جنبلاط و”الانقلابات”

ولطالما اتسمت مواقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بالإثارة والمفاجآت الدراماتيكية، وهي صادمة للحلفاء والخصوم على حد سواء، يصل في إطلاق تلك المواقف إلى حدود اللارجعة، لكنه يمتلك الجرأة الأدبية ليعترف بأخطائه وليبررها. ووصف بـ”الزئبقي”، ويتحول بتغريدة واحدة من زعيم درزي، إلى زعيم وطني، إلى قائد ثورة، ومن ثم بتغريدة أخرى، يعود زعيماً لقصر المختارة ومحيطه الدرزي، متقوقعاً من جديد “همي هو الجبل، الوحدة، التعايش، منع التوتر، واستقرار لبنان”.

في ذكرى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، في 15 فبراير (شباط) 2006، وقف وليد جنبلاط في وسط بيروت أو ما كان يعرف حينها (وبعد انتفاضة 14 مارس) “ساحة الحرية”، وتوجه إلى رئيس النظام السوري قائلاً “جئنا لنقول لك يا حاكم دمشق، يا طاغية الشام ولرفاقك وحلفائك، نحن لسنا قلة عابرة، نحن لسنا أكثرية وهمية، أنت قلة عابرة مجرمة، حاقدة، وهم قداسة وهمية، ولا قداسة ولا قدسية إلا الوطن، الوطن لبنان…”. وتابع “وجئنا لنقول إنه إذا كان النسيان مستحيلاً فإن التسامح مستحيل، ومستحيل ومستحيل…”، مضيفاً “يا بيروت بدنا الثار من لحود والبشار…”، وأحدث خطابه يومها زلزالاً حقيقياً على الصعيد الإعلامي والسياسي والمواقف الدولية، لكن وبعد الانتخابات النيابية 2009، في الثامن من أغسطس (آب) تحديداً، فجر “الزعيم الدرزي” قنبلة أعادت خلط أوراق التحالفات السياسية، بإعلانه أن تحالف الحزب التقدمي الاشتراكي مع فريق “14 مارس”، “كان بحكم الضرورة الموضوعية التي حكمت البلاد آنذاك، وهذا لا يمكن أن يستمر”، وبالكلمة نفسها شدد على ضرورة إقامة “علاقات مميزة مع سوريا ومن خلالها مع العالم العربي”، معتبراً أن “عهد الوصاية السورية ولى والجيش السوري انسحب فكفانا بكاء على الأطلال”.

وقال “ذهبنا إلى اللامعقول عندما التقينا مع المحافظين الجدد موضوعياً في واشنطن من أجل حماية ما يسمى ثورة السيادة والحرية والاستقلال”. ورأى أن هذا الالتقاء “جاء في غير طبيعته وفي غير سياقه التاريخي، وفي غير التموضع التاريخي للحزب التقدمي الاشتراكي أن نلتقي مع الذين عمموا الفوضى في منطقة الشرق، والذين دمروا العراق وفلسطين”، مضيفاً “لست هنا لأبرر، كان همنا الأساس هو موضوع المحكمة”، قيل حينها إن جنبلاط استشعر بأن هناك ما يحاك من خلف ظهره، وإن اتفاقاً يجري بين سعد الحريري (رئيس الحكومة الأسبق) والأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، بظل التوافق السعودي – السوري، أو ما اصطلح على تسميته لبنانياً بالـ”سين-سين”، وذهب آخرون للقول إن انعطافة جنبلاط أتت بعد الأحداث المذهبية التي ضربت بيروت والجبل (أي مكان إقامة ومسقط رأس جنبلاط) والتي عرفت بأحداث السابع من مايو (أيار) عام 2008، حيث اجتاح حينها “حزب الله” العاصمة بيروت وبعض مناطق الجبل عسكرياً، وحسم الوضع ميدانياً بالسيطرة على أحياء في لعاصمة، وحاصر السراي الحكومية واحتل مقار “تيار المستقبل”، وطاولت بعض رشقات الرصاص مبنى السفارة السعودية حينها، كما حرق أحد مباني تلفزيون المستقبل وهو ملاصق لمبنى السفارة.

وعلى وقع الرصاص ومحاصرة منزل سعد الحريري، سافر المسؤولون اللبنانيون إلى قطر، ليوقعوا “اتفاق الدوحة”، الذي اعتبر هزيمة لفريق “14 آذار” و”تيار المستقبل”، وتعد تلك الأحداث الأكثر خطورة وعنفاً منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، لكن جنبلاط عاد واعترف أنه هو من افتعل تلك الأحداث في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2020. وقال “أنا أخطأت كثيراً والسابع من مايو أحد أخطائي، أنا افتعلت السابع من مايو، أخطأت بالحسابات وهناك من حمسني على ذلك، وحينها توجه لي السيد حسن نصر الله بكلام قاسٍ وتم إنقاذنا باتفاق الدوحة، و(حزب الله) لا يزال قوياً”، جاء ذلك بعد تفجير مرفأ بيروت، الرابع من أغسطس من العام نفسه، وبعد أن تعرقلت مساعي رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بتكليف حكومة، وأوضح حينها أنه لن يسمي الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة لأن اسمه “قد يثير الشارع”، مشيراً إلى أن الحريري سمى نفسه تسمية ذاتية. ورأى أن من الممكن أن يكون الحريري “نظم صفقة لتقاسم الجبن مع النائب جبران باسيل والثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)”.

جنبلاط يزور دمشق “لحظة تخل”

قبل ذلك، وفي شهر مارس 2010، وفيما يشبه الاعتذار من رئيس النظام السوري قال جنبلاط “لقد صدر مني في لحظة غضب كلام غير لائق وغير منطقي في حق الرئيس بشار الأسد في لحظة من التوتر الداخلي الهائل في لبنان والانقسام الهائل”، مضيفاً “كانت لحظة تخل (…) خرجت منها من العام إلى الخاص، لكن، من أجل عودة تحصين العلاقة اللبنانية – السورية بين الشعبين وبين الدولتين وبين الدروز العرب في لبنان وسوريا، هل يمكن له تجاوز تلك اللحظة وفتح صفحة جديدة؟ لست أدري”، قيل حينها إن جنبلاط المسكون بهواجس القلق على “طائفته” ووحدة الجبل، قد يكون مدفوعاً لتلك المواقف، وعلى أثر ذلك توج جنبلاط انقلابه على كل حقبة 2005 وما نتج منها من انتفاضة “14 مارس” أو “ثورة الأرز”، بزيارة إلى دمشق، في شهر مارس 2010، والتقى حينها رئيس النظام السوري، ومن ثم بعد أقل من شهر عاد إلى دمشق في زيارة ثانية، مكرراً الزيارة للمرة الثالثة في شهر أكتوبر من العام نفسه.

عود على بدء “باقٍ على الضفة”

وفي شهر يونيو 2015، وعبر تغريدات نشرها على حسابه الرسمي بموقع “تويتر”، اعتبر جنبلاط أن النظام السوري قد “انتهى” بعد سيطرة المعارضة حينها على مقر “اللواء 52” في درعا (جنوب البلاد). وطالب الطائفة الدرزية في جنوب سوريا بالمصالحة مع المعارضة التي يزداد تقدمها في المنطقة، وغرد أن “النظام انتهى بعد سقوط اللواء 52 وسقوط مناطق شاسعة أخرى في شمال سوريا وغيرها من المناطق”. وأضاف أن “الشعب السوري ينتصر اليوم ويسقط النظام”، مذكراً بمواقفه في دعم الثورة السورية منذ انطلاقتها عام 2011 حين “كانت أولى رسائل التضامن مع الشعب السوري أثناء تصديه السلمي لطغيان النظام”.

ودعا أبناء طائفته (الدروز) في محافظتي درعا والسويداء بسوريا إلى المصالحة مع أهالي المنطقة قائلاً “إلى أهل جبل العرب (غالبيتهم من الدروز) أقول: وحدها المصالحة مع أهل حوران (منطقة تشمل درعا ومحيطها) وعقد الراية تحميكم من الأخطار”، مضيفاً أن هذه المصالحة هي “الحماية والضمانة”. وشدد، في شهر مارس الماضي، على أنه باقٍ على الضفة إلى أن يتحقق طموح الشعب السوري في الحرية والكرامة والعيش الكريم، وعن العلاقة بين المختارة والشام، أكد أنها لن تعود كما كانت في السابق مشدداً على أنه متمسك بالمبادئ.

وفي ذكرى “14 مارس” الأخيرة، اعتبر جنبلاط أن الشعب اللبناني انتصر في إجبار النظام السوري على سحب جيشه، مؤكداً أن علينا إعطاء الحق لهذا الشعب الجبار. وأشار إلى أن قادة “14 آذار” لم يتمكنوا من وضع برنامج سياسي، وأن المجتمع الدولي عبارة عن مصالح كبرى. واعتبر أنه بعد 40 عاماً، دخل النظام السوري على دم كمال جنبلاط وخرج على دم رفيق الحريري وشهداء “14 آذار”، “وهذا ما قصدت به في العدالة الإلهية”، جنبلاط الذي تأمل “عدالة” من المحكمة الدولية خاب أمله وقال عنها “ظننا أن المحكمة الدولية تعطي نتيجة، لكن نتيجتها كانت محدودة”.

الاستحقاق الرئاسي

وفي الاستحقاق الرئاسي، وبعد أن كثر الحديث عن تباينات وصلت إلى حد “خلافات بين جنبلاط ونجله تيمور”، يقول قريبون من وليد جنبلاط إنه يخطئ من يراهن على خلاف بين جنبلاط ونجله، في مقاربتهما الاستحقاق الرئاسي، وأن ذلك من باب التمني، وعار تمام عن الحقيقة، وأن جنبلاط باقٍ على موقفه “لا لمرشح تحدٍّ”.

ويشدد المصدر القريب من “دار المختارة” على أن علاقة عميقة تربط بين تيمور جنبلاط ووالده، ويتشاور معه في كل شاردة وواردة. ويؤكد أن رئيس “التقدمي السابق” كان قد دعا للتوافق على تسوية تؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وأعد لائحة تضمنت أسماء قائد الجيش العماد جوزيف عون والوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين، وفي اللائحة التي طرحها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري كان قد أضاف اسم المرشحة مي ريحاني.

وعما قيل إن أعضاء نواب “اللقاء الديمقراطي” (برئاسة النائب تيمور جنبلاط) ستذهب للتصويت بورقة بيضاء، أشار المصدر إلى أن “اللقاء” سيجتمع نهار الثلاثاء المقبل، وسيحدد عندها موقفه من هذا الاستحقاق والذي يحتاج إلى تفاهم بين مختلف الفرقاء في البلد.

Back to top button