بعد “قيصر” أميركا تقر “قانون الكبتاغون” وعلى الطريق “مكافحة التطبيع مع الأسد”
400 مليون دولار لمصر ولبنان والأردن لكبح عمليات التهريب عبر المنافذ الحدودية
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
منذ بدأ التقارب العربي مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، صدرت عن الولايات المتحدة تصريحات وفي أكثر من مناسبة، ولأكثر من شخصية، تدل على عدم رضاها. وبلغ الانزعاج الأميركي أشده، بعد قرار إعادة دمشق لمقعدها في جامعة الدول العربية. وطالبت إدارتها من الدول التي كانت قد بدأت مسار التطبيع مع الأسد، الضغط عليه، لتطبيق الحل وفق قرارات الأمم المتحدة. وكانت الخارجية الأميركية قد أكدت رفضها لهذا المسار، معبرة عن تمسك واشنطن بآلية العقوبات الصارمة ضد هذا النظام. وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل إن الولايات المتحدة “لن تطبع العلاقات مع نظام الأسد، كما أننا لا ندعم تطبيع الآخرين للعلاقات مع دمشق”.
من جهة أخرى، وخلال جلسة استماع في مجلس النواب الأميركي، في أبريل (نيسان) الماضي، والتي جاءت بناء على طلب بعض المنظمات السورية – الأميركية، لبحث الشأن السوري بعد مرور 12 عاماً على انطلاقة الثورة السورية، ولمراجعة تطبيق “قانون قيصر”، وكيفية تطبيق قانون “الكبتاغون” الذي يدخل حيز التنفيذ منتصف يونيو (حزيران)، قال المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جويل ريبرون، إن مسؤولين كباراً في الإدارة الأميركية الحالية أعطوا دولاً عربية الضوء الأخضر للتطبيع مع نظام الأسد ضمناً، وأشار إلى أن إدارة بايدن فضلت التطبيع مع النظام على أن ترعى روسيا “صفقة” بين دمشق وأنقرة.
ووفقاً لما أكده محمد علاء غانم، المسؤول عن التخطيط السياسي في “المجلس السوري – الأميركي” و”التحالف الأميركي لأجل سوريا”، في حديث صحافي، أن ريبرون رد على أسئلة وجهت له حول الانفتاح العربي على النظام وموقف الإدارة الأميركية منه، قائلاً “كنا نعرفه سلفاً (موقف إدارة بايدن من التطبيع العربي مع نظام الأسد)”، مضيفاً “لقد ذكرت مصادر إقليمية أنه حين تساءل مسؤولون عرب عن موقف الولايات المتحدة من الاتصال بالأسد بغرض التطبيع معه، فإن مسؤولين كباراً في الإدارة أعطوهم ضوءاً أخضر ضمنياً، معللين ذلك بأنهم يفضلون أن تطبع الدول العربية مع الأسد، على أن ترعى روسيا صفقة بين دمشق وأنقرة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى هجمات تركية على شركائنا (قوات سوريا الديمقراطية)”.
يذكر أن الإدارة الأميركية الحالية ليست لديها علاقات مع الحكومة السورية، لكن في ظل إدارة دونالد ترمب السابقة، سافر المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن روجر كارستنز سراً إلى دمشق والتقى بمسؤولين سوريين عام 2020. وفي العام الماضي، قال الرئيس جو بايدن إن الإدارة الأميركية تعلم “على وجه اليقين” أن الحكومة السورية تحتجز الصحافي أوستن تايس، ودعا دمشق إلى التعاون في الجهود المبذولة لإطلاق سراحه.
التشريع كخطوة تلزم الإدارة الأميركية بممارسة الضغوط
وعلى خط مواز، عمد نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي والذين ينادون بموقف حازم مع الأسد، للتشريع كخطوة تلزم الإدارة الأميركية قانونياً بممارسة الضغوط وتوظيف أدواتها، وذلك من خلال اقتراح قانون يمنع التطبيع مع النظام، تحت مسمى “مكافحة التطبيع مع الأسد لعام 2023”. ويمنع القانون الحكومة الاتحادية الأميركية من الاعتراف بأي حكومة سورية بقيادة الأسد، الذي يخضع لعقوبات أميركية، أو تطبيع العلاقات معها، كما وسع من مفاعيل “قانون قيصر” الذي يفرض مجموعة عقوبات صارمة على سوريا منذ 2020، حتى عام 2032.
وأقرت لجنة العلاقات الخارجية القانون “على عجل” في مجلس النواب وبغالبية ساحقة، قبل انعقاد “قمة جدة” بأيام قليلة. القانون الذي طرح للتصويت من قبل منظمة “التحالف الأميركي لأجل سوريا”، بعد أيام من طرحه فقط، صوت عليه عضو واحد بـ”لا”، لاعتراضه على القواعد الإجرائية لا على نص القانون، وهو ما اعتبر “أمراً نادر الحدوث”، لأن مشاريع القوانين في الكونغرس لا يتم تداولها في أغلب الأحيان إلا بعد شهور من تاريخ طرحها. وقال موظف كبير في الكونغرس عمل على مشروع القانون، مشترطاً عدم الكشف عن هويته، إن مشروع القانون تحذير لتركيا ودول عربية من أنها ستواجه عواقب وخيمة إذا تفاعلت مع حكومة الأسد. كما كان قد أوضح مقترحو مشروع القانون أن “إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية أثار حفيظة أعضاء الكونغرس وكشف الحاجة إلى ضرورة التحرك بسرعة لإرسال إشارة”، وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز”.
وذكر رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى، النائب الجمهوري جو ويلسون، في بيان، أن “الدول التي تختار التطبيع مع مرتكب القتل الجماعي من دون ندم وتاجر المخدرات بشار الأسد تسير في الاتجاه الخطأ”.
وقبل إقرار قانون “مكافحة التطبيع مع الأسد”، كان مجلس النواب الأميركي قد أنجز “قانون الكبتاغون”، الخاص بسوريا، في سبتمبر (أيلول) 2022. وأواخر ديسمبر (كانون الأول)، وقع الرئيس بايدن، على ميزانية الدفاع الأميركية “الضخمة” لعام 2023، بقيمة 858 مليار دولار، والتي تضمنت قانوناً لتفكيك إنتاج النظام السوري لمخدر الكبتاغون.
وينصّ القانون على تطوير التنسيق بين المؤسسات الأميركية المعنية بمكافحة المخدرات المرتبطة بالنظام السوري. كما يفرض على الإدارة الأميركية تقديم استراتيجيتها وعرضها على الكونغرس للاطلاع عليها في فترة زمنية لا تتجاوز 180 يوماً. ويدخل القانون حيز التنفيذ في يونيو المقبل.
وكان صاحب فكرة القانون، السيناتور الجمهوري فرينش هيل قد صرح أن قانون مكافحة المخدرات التي ينتجها النظام السوري سيحد من قدرته على ممارسة الإرهاب ضد السوريين، معتبراً أن توقيت التطبيع مع الأسد خاطئ، وموضحاً أن القانون سيوقف تهريب المخدرات التي يشرف عليها نظام الأسد في المنطقة، ولفت إلى أن الولايات المتحدة ستضع استراتيجية مشتركة مع الدول الحليفة في الخليج العربي وأوروبا للقيام بذلك.
وأشار السيناتور الأميركي إلى أن الهدف من القرار هو قطع الملايين التي تأتي إلى الأسد من تجارة المخدرات والتي يستخدمها من أجل الاستمرار في جرائم الحرب والإرهاب ضد شعبه قائلاً: “تابعت التشريع لأن النظام السوري مسؤول عن جرائم حرب مرعبة ضد شعبه عدا عن كونه جزءاً من تصدير الإرهاب وتوزيعه إلى خارج سوريا”.
واعتبر في مقابلة مع “تلفزيون سوريا” أن قَطع الملايين القادمة إلى خزينة النظام السوري عبر إرسال الكبتاغون إلى الخليج العربي والشرق الأوسط، يعني عملياً تقليص قدرته على القيام بالإرهاب، لأنه يستخدمها كوقود من أجل الاستمرار بالقيام به. وأكد هيل أن هناك توافقاً بين الحزبين الأميركيين، الجمهوري والديمقراطي على القرار، مضيفاً أن هذا التوافق “سيؤدي إلى تفكيك شبكة المخدرات وقطع أموال الكبتاغون عن النظام”.
استراتيجية “قانون الكبتاغون”
يرى بعض المراقبين أن محاربة تصنيع المخدرات وتوزيعها، تشكل عاملاً أساسياً مضافاً إلى عدة عوامل ترتكز عليها إدارة بايدن، لإبعاد الأسد عن أي استراتيجية أو تفاهم في المنطقة. ويتضمن القانون ستة بنود، ويسعى إلى تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات المرتبطة بالأسد، كما والاتجار بها، وذلك خلال مدة لا تتجاوز 180 يوماً من تاريخ إقراره.
ويعتبر قانون تجارة الكبتاغون “المرتبطة بنظام بشار الأسد خطراً أمنياً عابراً للحدود”، ويلزم الإدارة الأميركية بـ”تطوير وتنفيذ استراتيجية تقوم على التعاون بين وكالاتها لمنع إنتاج المخدرات وشبكات التهريب المرتبطة بالأسد وللحطّ من قدرها وتفكيكها”، ويطلب القانون من وزير الدفاع، ووزير الخارجية، ووزير الخزانة، ومدير وكالة مكافحة المخدرات DEA، ومدير الاستخبارات القومية National Intelligence ورؤساء الوكالات الفيدرالية المعنية الأخرى، أن يقدموا للجان المعنية في الكونغرس استراتيجية مكتوبة لتعطيل إنتاج المخدرات وتهريبها، كما استهداف وتعطيل وإضعاف الشبكات التابعة للأسد التي تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر عملية تصنيع المخدرات، من خلال المساعدة والتدريب لأجهزة إنفاذ القانون في الدول التي تتلقى أو تُعتبر نقطة عبور لكميات كبيرة من “الكبتاغون”، وتقديم المعلومات من قبل السلطات القانونية، القائمة على تنفيذ “قانون قيصر”، وقانون “تعيين الشبكات الأجنبية للمخدرات”، وقانون المساعدة الخارجية، من أجل استهداف الأفراد والكيانات المرتبطة بالهيكلية الأساسية لشبكات المخدرات التابعة لجماعات الأسد، ووضع استراتيجية للاستفادة من المؤسسات متعددة الأطراف وللتعاون مع الشركاء الدوليين لتعطيل البنية التحتية لشبكات مخدرات نظام الأسد، واستخدام العلاقات الدبلوماسية العالمية المرتبطة بحملة الضغط الاقتصادي، على النظام، لاستهداف بنيته التحتية المتعلقة بالمخدرات، وتنظيم حملة إعلامية عامة لزيادة الوعي لعلاقة ومدى ارتباط نظام الأسد بتجارة المخدرات غير المشروعة، وتقييم حالة البلدان التي تتلقى شحنات كبيرة من “الكبتاغون” أو تعبرها، وتقييم قدرة مكافحة المخدرات في هذه الدول على اعتراض أو تعطيل تهريب “الكبتاغون”، وبرامج الدعم والتدريب الأميركية الحالية لبناء مثل تلك القدرات في تلك البلدان.
ويخصص “قانون الكبتاغون” 400 مليون دولار أميركي لتعزيز سلطات الجمارك أو حراسة الحدود في الدول العربية التالية: الأردن، لبنان، مصر، وتونس، والتي تعتبر دولاً متأثرة بصادرات “الكبتاغون السوري” كممرٍ أو مستقر. يوجه القانون الجهات المعنية إلى وضع التقرير المطلوب بصورة مفتوحة، على أن يتضمن ملاحق سرية إن لزم الأمر. وينص القانون على أن اللجان المعنية بمتابعة تنفيذ القانون هي اللجان العسكرية والقانونية والخارجية والمالية والموازنة والاستخبارية في كل من مجلس النواب والشيوخ.
في المقابل يرى موالون أو قريبون من النظام، أنه “من الواضح أن “قانون الكبتاغون” يهدف إلى عزل الدولة السورية محلياً وإقليمياً ودولياً، ويستهدف تشديد الحصار على سوريا من خلال مراقبة الحدود السورية، برياً وبحرياً، مع الدول المجاورة، ويهدف إلى وضع سلطات الحدود والجمارك في الدول التي تتعامل مع سوريا تحت المجهر الأميركي بذريعة الكبتاغون. كما يمكن جعل أبسط صلة مع الجيش أو الدولة السورية أو عائلة الأسد ذريعةً لاتهام أي شخص أو شركة في العالم، بالارتباط بـ (مؤسسة الكبتاغون السورية)، ما يعني تخويف التجار والمستثمرين السوريين والعرب والدوليين من التعامل مع سوريا ومؤسساتها، أي أنه قانون حصار لا قانون مخدرات. ويمثل هذا النهج استمراراً لـ “قانون قيصر” ولسياسة الحصار عموماً.
عوائد “خيالية”
وكانت مؤسسة “المجلس الأطلسي” البحثية الأميركية، كشفت في تقرير لها قبل فترة، عن معلومات صادمة عن حجم الأرباح التي يحقّقها نظام الأسد من تجارة وصناعة المخدرات، والتي تحول نظام الأسد إلى أحد أكبر المنتجين والمصدرين للمخدرات والمواد الممنوعة في الشرق الأوسط، وعن “الدورة الإنتاجية” للمخدرات بمناطق سيطرة النظام ابتداءً بالصناعة وانتهاءً بالتصدير.
وقال التقرير، إن القيمة السوقية للكبتاغون السوري عام 2020 وصلت إلى 3.5 مليار دولار، أي خمسة أضعاف قيمة الصادرات المشروعة للبلاد، وهي عائدات المخدرات في سوريا التي يستحوذ عليها الموالون لنظام الأسد الذين يسيطرون على المصانع. بدورها المملكة المتحدة قد فرضت عقوبات على عدد من المسؤولين عن تجارة “الكبتاغون” في سوريا، في مارس (آذار) الماضي، مقدرة قيمتها بما يصل إلى 57 مليار دولار لمصلحة النظام، وهو ما يقارب ثلاثة أضعاف تجارة المخدرات الإجمالية للعصابات المكسيكية.
وقالت الناطقة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، روزي دياز، إن 80 في المئة من إنتاج “الكبتاغون” في العالم يصدر من سوريا، وإن ماهر الأسد (أخ الرئيس) يشرف شخصياً على هذه التجارة في الخارج.
يذكر أن وزراء الخارجية العرب، كانوا قد اتفقوا على عودة مشروطة لسوريا، ومن ضمن شروط العودة التي تمت مناقشتها تهريب المخدرات.
عقوبات جديدة
يذكر أن وزارة الخزانة الأميركية، أعلنت، يوم الثلاثاء، فرض عقوبات جديدة بموجب “قانون قيصر” تتعلق بسوريا، استهدفت ثلاثة أشخاص وشركتي صرافة. وأشارت الوزارة في بيان نشر على موقعها الرسمي إلى أن “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة فرض عقوبات على شركتي “الفاضل” و”الأدهم” للصرافة ومقرهما دمشق. وأضافت أن “الشركتين ساعدتا سراً الأسد و”حزب الله” و”فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني على إمكانية الوصول للنظام المالي الدولي في انتهاك للعقوبات الدولية”.
وتابع البيان أن “العقوبات شملت أيضا ثلاثة أشقاء يمتلكون ويديرون شركة “الفاضل”، وهم فاضل بلوي ومطيع بلوي ومحمد بلوي”، ونقل البيان عن وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية بريان نيلسون القول إن “الأسد يواصل الاعتماد على الخداع لانتهاك عقوبات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، بينما يتجاهل احتياجات الشعب السوري”.