من سلطان إلى الريان ومن الأقدام إلى الإقدام
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

النشرة الدولية –

في عام 1985، صعد الأمير السعودي سلطان بن سلمان بن عبد العزيز إلى الفضاء على المكوك “ديسكفري” والتقط صور تضاريس الجزيرة العربية وأجرى اختبارات على الجسم في حال انعدام الوزن، وكان بذلك أول رائد فضاء عربي يقوم بتلك الرحلة، وبعد 40 عاماً تقريباً، وفي الأسبوع الماضي، عاد رائدا فضاء سعوديان بعد رحلة استغرقت عشرة أيام إلى الفضاء.

السعوديان علي القرني، 31 سنة، وريانة البرناوي، 34 سنة، (تعمدت اختصار اسمها بالعنوان لضرورة السجع) صعدا إلى محطة الفضاء الدولية INTERNATIONAL SPACE STATION والتي تختصر بـISS، وأجريا أبحاثاً هناك تتعلق بتخصصهما، فعلي القرني طيار عسكري بالقوات الجوية السعودية، وريانة متخصصة بالأحياء الطبية وتعمل في مستشفى الملك فيصل التخصصي، وخلال رحلتها للفضاء أجرت أبحاثاً تتعلق بأمراض السرطان والخلايا الجذعية.

قبل سنوات قليلة، وحتى سبتمبر (أيلول) 2017، لم يكن مسموحاً للمرأة السعودية أن تقود السيارة، وكان لا بد أن يقود السيارة بها رجل، وقد توقفهما “الهيئة” لتسأل عن قرابتهما لبعضهما البعض، وهل الذي يقود السيارة محرماً للمرأة أم لا، وغالباً ما تطلب دليلاً ورقياً على صحة قرابتهما وشرعية علاقتهما، لكن “الهيئة” لا تسأل عن علاقتهما إن بدت سحنة السائق أجنبية من جنوب أو شرق آسيا. ومن لا تستطيع أن توفر سائقاً لأي سبب كان، ولا محرم عندها مستعد أن يقود السيارة بها، فإن عليها أن تسير على أقدامها.

لكن المرأة السعودية اليوم -وبفضل إقدام القيادة السعودية على اتخاذ قرارات تاريخية مقدامة- صعدت كأول امرأة عربية مسلمة إلى الفضاء قبل أن تجيد قيادة السيارة، فما بين السماح بقيادة السيارة وما بين الصعود للفضاء فترة قصيرة ربما لم تتمكن أثناءها كثير من السعوديات أن يجدن القيادة، أي إن ما بين الفضاء والسير على الأقدام، قائد مقدام، أدرك تطورات الزمن، ودرس معاناة المرأة بسبب قرارات ذكورية لا تمت للواقع ولا للمنطق بصلة، فتحقق بذلك ما يشبه المعجزة خلال سنوات قليلة يمكن اختصارها بـ”من الأقدام إلى الإقدام”.

ذكرتني قصة المرأة السعودية المنطلقة من الأرض إلى الفضاء بتلك السرعة، بقصة حياة الصديق الطيار وعضو مجلس الشورى السعودي السابق والكاتب والناشط الاجتماعي والناصح الصحي عبدالله السعدون الذي ألف كتاباً يحكي قصة حياته يتيماً منذ طفولته ولم يكن يمتلك حق السيارة، وكان يقود دراجة هوائية وحسب، لكنه بجده واجتهاده ومثابرته حصل على بعثة لتعلم الطيران الحربي إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد أن أنهى دراسته الثانوية، فتعلم الطيران وصار طياراً مغواراً تدرج في عمله إلى أن أصبح قائداً لقاعدة الملك فيصل الجوية التي أبلت بلاء حسناً في حرب “عاصفة الصحراء” الجوية لتحرير بلدي الكويت عام 1991. الشاهد أن عبدالله السعدون قاد الطائرة قبل أن يتعلم قيادة السيارة، فكان عنوان كتابه: “من الدراجة إلى الطائرة”.

اليائسون والبائسون من بعض بني جلدتنا يتهكمون على المنجزات الخليجية الفضائية التي حققتها السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فهم لا يرون في هذه المنجزات سوى رحلات سياحية فضائية مدفوعة الثمن من ثروات دول الخليج، غير مدركين لجهلهم -وربما لحقدهم- أن ريانة وعلي القرني أمضيا سنة تقريباً من التدريب الشاق استعداداً لرحلتهما التاريخية نحو الفضاء، وأن ريانة بحكم تخصصها العلمي كانت تجري اختبارات على الخلايا الجذعية في الفضاء بحثاً عن علاج لسرطانات مختلفة من بينها سرطان الثدي الذي يصيب النساء في الغالب، وأن الاستعدادات والتحضير لتلك الأبحاث استغرق سنين طويلة، ما على المهتم سوى الدخول لموقع “هيئة الفضاء السعودية” ليدرك أن “فوق هام السحب” ليست أغنية وطنية غناها محمد عبده من كلمات الأمير بدر بن عبد المحسن وحسب.

Back to top button