المكتبة السينمائية التونسية تحتفي بالنوري بوزيد مخرجا وشاعرا

النشرة الدولية –

العرب – حنان مبروك –

على امتداد أسبوع كامل يبدأ في الثالث عشر من يونيو الجاري وينتهي في الثامن عشر من الشهر نفسه، تسلط المكتبة السينمائية التونسية الضوء على الفنان التونسي النوري بوزيد، وتحديدا تجربته مخرجا سينمائيا وشاعرا، له حضوره الكبير في تاريخ السينما التونسية وأسهم بأعماله في ازدهارها عربيا ودوليا.

يتوزّع البرنامج بين عروض لأشهر أفلام بوزيد وقراءات شعرية لقصائد كتبها السينمائي الشاعر، وذلك في المكتبة السينمائية الواقعة في مدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة تونس.

ينطلق برنامج عروض الأفلام في الثالث عشر من يونيو الجاري مع فيلم “ريح السد” الذي يعود إنتاجه إلى عام 1986، والحاصل على “التانيت الذهبي” لأيام قرطاج السينمائية في العام ذاته.

 

كان هذا الفيلم سبّاقا في مناقشة قضية حساسة في المجتمع التونسي بالنظر إلى فترة عرضه، حيث لم يجرؤ أحد قبل بوزيد على تناول قضية اغتصاب الأطفال، حيث يتناول الفيلم قصة “الهاشمي”، وهو نجار شاب من مدينة صفاقس يتبع نصيحة والديه بالزواج، إلا أنه لا يزال مصدوما منذ الطفولة بعد أن اغتصبه أحد المكلفين بتعليمه المهنة هو وصديقه.

وعن ذلك، سبق أن قال بوزيد “عند خروجي من السجن، كان هناك أمران اثنان يسكنانني، هما جروح الطفولة وجروح الكهولة، وهما جرحان يكوّنان الشاب التونسي. لقد مررنا جميعا بتجربة التحرش. لقد كان الطفل يعوّض غياب المرأة في مجتمعنا، فهم من يبنون شخصيّته وهم من يحطّمونها. في الكتابة الأولى لم تكن شخصيّة ‘فرفط’ موجودة، لكنّي في ما بعد قمت بخلقها من شخصيّة هاشمي لتكون مرآته. لقد قاموا بنقد الفيلم واتهامه بالعديد من التهم جرّاء شخصيّة اليهوديّة، لكنّه كان في الحقيقة أقرب شخصيّة إلى الواقع”.

وأوضح بوزيد في مناسبات عدة أنه “بالنسبة إلى التجربة الشخصيّة، فقد عشت التحرّش في طفولتي، وهي تجربة أرهبتني، إن كان ذلك في الطفولة (في الحمّام) أو في السجن”.

ويُخصّص يوم الرابع عشر من يونيو لحوار يُديره المخرج التونسي مراد بالشيخ عن تجربة بوزيد التي قال عنها “عشت أكثر من أربعين سنة أنتظر لحظة من مساري دون موانع أو حواجز، دون حيل تترصّد أعمالي، دون تعقيم أو إخصاء.. عشت كل المعاكسات في كل المراحل وكل المسارات تشمل كل أنواع الإقصاء، من التعذيب إلى السجن، من المنفى إلى الرقابة المانعة العمياء. عشت حتى الآلام الجسدية، ذهب البعض إلى تغيير أفلامي وتحويل وجهتها ومسارها قبل العرض التلفزيوني”.

ويُضيف “كنت أتصوّر السينما فنا يعتمد على حرية التعبير منافيا لكل ظلامية.. شخصياتي أصبحت تحلم بعهد جديد، هل فرصة عرض أفلامي على شاشة المكتبة السينمائية التونسية ستفتح حياة جديدة للسينمائيين، وخاصة منهم السينمائيين الشبان؟ حلم أصبحت أراه قريبا”.

وفي اليوم ذاته تُعرض مساء أفلام قصيرة، ثم فيلم “صفايح ذهب” الذي يعود إنتاجه إلى عام 1989. وهو فيلم وجودي يبحث في تأثير الثقافات في الإنسان ومدى جدواها في توجيه مساره الحياتي انطلاقا من قصة البطل “يوسف” وهو رجل مثقف في الخامسة والأربعين من العمر يكتشف بعد ثلاثين عامًا من استقلال تونس عن فرنسا، أي في عام 1986، أنه سليل جيل عاش في الأيديولوجيات المتناقلة بين الشرق والغرب، أفلست جميعًا في تحقيق شيء، واعتنق “يوسف” الأيديولوجيا الشيوعية.

ويُخصّص يوم السادس عشر من يونيو الجاري لحلقة قراءات وتحتضنها مكتبة محمد محفوظ المختصة بمدينة الثقافة، يُقدّم فيها بوزيد لمحة عن تجربته الشعرية، فهو معروف في المجتمع التونسي أكثر بهويته السينمائية ويجهل عدد كبير أنه شاعر، كتب بعض أشعاره داخل السجن حين سجنه النظام التونسي بتهمة التآمر على أمن الدولة.

وسيلقي بوزيد الشاعر مجموعة من القصائد التي كتبت في السجن وخارجه، منها: “جدي”، “الميت” و”زليز قديم” وثلاثتها كُتبت في سجن برج الرومي بين 1977 و1979، ويقرأ أيضا “موال المنسيين” و”حصان عربي” ويقدم لجمهوره ديوان “زاير قديم” الصادر عن سلسلة آفاق الإبداع والفنون الصادر عن دار آفاق برسبكتيف للنشر عام 2014.

ويقول بوزيد عن تجربته السجنية “عندما تمّ سجني بتهمة التآمر على أمن الدولة، لم يكن بوسعي أن أقدّم مشروع فيلم للحصول على منحة وزارة الثقافة، فقرّرت كتابة الشعر. استغرب الجميع لذلك، فأجبتهم بأنّي سأكتب شعرا كالسينما، فيه صور وأصوات. لما تغيّرت الظروف، تم قبول أفلامي في لجنة الدّعم، حيث كانوا حينها يقبلون أفلاما حتى ضد السلطة، وقد ساندني حينها الكتاب والمنتجون والجامعة التونسية للسينمائيين الهواة والجامعة التونسية لنوادي السينما والجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي”.

ويتابع “في العلاقة بين الشعر والسينما أذكر مثلا أنّ فيلم ‘صفايح ذهب’ كان مستوحى من قصيدة ‘اُركض يا حصان‘، لأن الحصان كان يربح دوما حروب غيره، كما استوحيت فيلم ‘بزناس’ من قصيدة ‘زاير قديم’”.

ومساء اليوم نفسه، يُعرض للمخرج الشاعر فيلم “آخر فيلم” أو “ميكنع أوف” الحاصل بدوره على “التانيت الذهبي” لأيام قرطاج السينمائية 2006.

هذا الفيلم ناقش فيه بوزيد تأثير التيارات السلفية في المجتمع التونسي ومدى قدرتها على “دمغجة” الشباب وتحويل سلوكياتهم من خلال قصة “بهتة”، وهو شاب عاطل عن العمل ومولع بالرقص، يستسلم للتيار السلفي.

رسم بوزيد في هذا الفيلم صورة لشباب مقموعين تتجاذبهم الرغبة في الحرية والمخارج العقائدية؛ كما دعا المخرج إلى إعادة تقييم دور الإسلام في المجتمع التونسي الحديث.

أما ظهر السابع عشر من يونيو الجاري، فيكون موعد عشاق السينما والراغبين في اكتشاف بوزيد مخرجا سينمائيا وشاعرا مع ثلاثة عروض لأفلام بوزيد وهي: “بنت فاميليا”، يليه “ما نموتش” فـ”بزناس” الذي يعود إنتاجه إلى عام 1992.

وتختتم احتفالية المكتبة السينمائية ببوزيد يوم الأحد 18 يونيو بعرض فيلميْ “عرائس الطين” و”عرائس الخوف”، والأخير هو فيلمه الثامن، والذي تمّ عرضه للمرّة الأولى في مهرجان البندقية السينمائي عام 2019. وواصل فيه بوزيد تحليله وانتقاده للتيارات الفكرية المتشددة ومدى خطورتها على المجتمع التونسي، كذلك يتطرق إلى مسألة المثلية الجنسية، حيث يحكي الفيلم قصة “زينة” و”جو” اللذين يعودان إلى تونس من الجبهة السورية أين تم احتجازهما واغتصابهما. لترافقهما المحامية نادية في رحلة إعادة بناء الذات الطويلة وتطلب من إدريس، وهو شاب مثلي، مساعدة زينة على أمل أن لقاءهما سيسمح لهما بالبوح بأسرارهما لبعض.

بالإضافة إلى كونه مخرجا وشاعرا، ساهم بوزيد في العديد من النجاحات في السينما التونسية مثل “عصفور سطح” لفريد بوغدير

ولد النوري بوزيد في مدينة صفاقس عام 1945، درس المجال السينمائي في بلجيكا في الفترة الممتدة بين 1968 و1972.

بدأت مسيرته الإخراجية بفيلم “ريح السد” عام 1986 الذي تمّ اختياره في مهرجان كان السينمائي ومهرجان نامور وتوّج بـ”التانيت الذهبي” في أيام قرطاج السينمائية في العام ذاته، كما تُوّج في العديد من المهرجانات الأخرى.

عام 1989 تأكّدت موهبة بوزيد من خلال فيلم “صفايح ذهب”، وفي 1993 عُرض فيلمه “بزناس” في قسم نصف شهر المخرجين في مهرجان كان السينمائي، كما تمّ اختيار “بنت فاميليا” في مهرجان نامور في 1997.

وبالإضافة إلى كونه مخرجا وشاعرا، ساهم بوزيد في كتابة العديد من النجاحات في السينما التونسية مثل “عصفور سطح” لفريد بوغدير، و”صمت القصور” و”موسم الرجال” للراحلة مفيدة التلاتلي.

وعن ثنائيته مع التلاتلي يقول بوزيد “أنا ومفيدة نتقاسم الكثير من الأمور، في البداية هناك الاحترام المتبادل، هي تحترم السيناريو وأنا أحترم الإخراج. ثانيا، مفيدة تأتي من قلب السينما، فهي ابنة مدرسة التركيب، لذلك هي لا تخطئ عند التصوير، هي تصور أشياء للبناء. هي بالتالي متخرجة من مدرسة مهمة جدّا، فالتركيب هو أحسن مدرسة للكتابة والإخراج. أما أهمّ ما يجمعنا، هو أنّ الشعور الذي نشتغل به هو الألم. الألم هو مصدر إلهامنا ومصدر طاقتنا أيضا، ألم الشخصيات هو محرك أفلامنا، هذا ما يجمعنا”.

أما في وصفه لتجربته السينمائية فيقول المخرج والشاعر بوزيد “عشقت باولو بازوليني، فيديريكو فيلّيني وباولو بازوليني أهمّ أفضل سينمائيّين بالنسبة إلي. لقد أردت أن أقوم بقطيعة معرفيّة، وتأثرت ببازوليني في هذه النقطة، فهو يدافع دوما عن فكرة وجود شرّ أين تعوّدنا أن نجد الخير، أنا أيضا أؤمن بهذا كثيرا”.

Back to top button