العقد الثامن .. عقدة ترعب إسرائيل
بقلم: رجا طلب
النشرة الدولية –
الحديث عن زوال «إسرائيل» لم يعد نبوءة دينية او تصور فلسفي – ميتافيزيقي مثلما كان الحال قبل عقد أو عقدين من الزمن، فاليوم اختلف تماماً التعاطي مع واقع دولة الاحتلال ومستقبلها وهويتها وذلك بحكم التطورات التاريخية التى تراكمت داخلها ومفاعيل تلك التطورات داخل بنيتها الأساسية والتي كان الهدف الاستراتيجي لها بناء «دولة علمانية بطراز أوروبي غربي لها دور وظيفي مرتبط بالمصالح الغربية وتحديدا الاميركية لضمان استمرارية القوة والوجود»، وكان هذا المشروع دائم القلق والتوجس من الواقع الجيوسياسي لدولة الاحتلال وبخاصة ببعده الديمغرافي ولهذا كانت خيارات هذا الكيان ومنذ بداية التاسيس قائمة على ثلاثة عناصر رسمت في غاية الدقة: • العنصر الأول: مزيد من التوسع سواء أكانت الأرض فلسطينية أو عربية.
- العنصر الثاني: مزيد من مراكمة القوة العسكرية للحفاظ على هذه الجغرافيا الواسعة (تم بناء مفاعل ديمونا عام 1964 ويقدر أن تاريخ إنتاج القنبلة النووية الأولى لإسرائيل كان في عام 1967).
- العنصر الثالث: جلب السكان لهذه الجغرافيا المحتلة للبقاء فيها واعطائها شكل الدولة وتحت ذريعة تلمودية – دينية «أرض الميعاد» وكان أغلب هؤلاء من روسيا ودول أوروبا الشرقية والمشكوك أصلاً في كونهم يهوداً وهم في النهاية وفق التصنيف العرقي – الديني للديانة اليهود هم «اشكينازيم» أي يهود غربيين.
ومع اكتمال بناء تلك العناصر الثلاثة المشار اليها ودخول عنصر «السلام» مع العرب «كعنصر وقائي وتكتيكي» وإنجاز اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 وتحييد قوة مصر، كانت المفاجأة في بدء التحول الكبير داخل مجتمع دولة الاحتلال وتحديداً عام 1977 وفوز حزب الليكود بزعامة مناحيم بيغن وتوليه رئاسة الوزراء، وهو التحول الذي فتح الباب على مصراعيه أمام نمو «اليمين الإسرائيلي العلماني» والذي قاد ورعى بصورة أساسية نمو اليمين الديني الصهيوني ووفر له البيئة التي مكنته من التحول لقوة ضاربة داخل المجتمع الإسرائيلي، وفي المقابل كانت الحركة الوطنية الفلسطينية وبخاصة داخل الضفة والقطاع تنمو ولكن ببطء وهذا البطء كان سببه أن فكرة الكفاح المسلح زرعت خارج الأرض الفلسطينية وشهدت تلك الحركة انتكاسات عديدة كان أكثرها قسوة هو الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وإخراج السلاح الفلسطيني منه، غير أن هذا التطور العميق والاستراتيجي سرعان ما تحول إلى أحد أسباب إعادة إنتاج المقاومة ومن داخل الأرض المحتلة وسبباً رئيسياً في «اندلاع الانتفاضة» عام 1987.
من عام 2000 إلى عام 2009 حدث تحولان مهمان، الأول موت «كامب ديفيد 2» قبل أن يولد، والثاني تحول «أوسلو» إلى اتفاق أمني بحت ومن 2009 إلى اليوم نجح نتنياهو في إحداث تغيرين أساسيين شكلا معاً طبيعة مختلفة للصراع وهما: • انهاء أي إمكانية عملية لتطبيق حل الدولتين الذي سيطر على «عقل» العالم كحل ممكن للقضية الفلسطينية وعلى مدى ثلاثة عقود تقريباً.
إضعاف اليسار الإسرائيلي وتحديداً حزب العمل القائد التاريخي لهذا الكيان كما أضعف قوى السلام وحزب ميرتس والأحزاب العربية داخل دولة الاحتلال، وشكل في المقابل بيئة خصبة لولادة «اليمين الصهيوني الحريدي المتطرف».
واقع الحال اليوم داخل دولة الاحتلال يشير بوضوح إلى بدء الصراع الداخلي على أرضية تحديد الهوية الجامعة لسكان هذه الدولة ومستقبلها، وهو واقع لم يحسب له لا بن غوريون ولا حاييم وايزمان ولا شمعون بيريز ولا حتى شارون أي حساب، وهو ما جعل نظرية أو نبوءة «زوال إسرائيل، أو انتهاء إسرائيل وجودياً» تعود إلى الواجهة ولكن ليس ببعدها اللاهوتي أو الديني التي تقول أن «إسرائيل» لا تعيش أكثر من ثمانين عاماً، بل ببعدها السياسي ويمكن التقاط هذا الأمر من خلال ما يلي: أولاً: تصريح نتنياهو نفسه قبل أيام والذي حذر فيه الإسرائيليين من إمكانية «نهاية دولة إسرائيل».
ثانياً: تصريح أيهود باراك الذي حذر فيه هو الآخر وتعليقاً على الحالة السياسية للاحتلال من انهيار الدولة.
ثالثاً: تصريح رئيس دولة الاحتلال الأسبق «افرايم بورغ» بالإضافة للرؤية التي قدمها المؤرخون الجدد لمستقبل الكيان من أمثال أفي شلايم وبيي موريس وغيرهما، والتي كلها تحدثت عن وهن دولة الاحتلال وإمكانية انهيارها خلال العقد القادم.
أما أبرز ظواهر الحالة فهي الهجرة المعاكسة من الكيان للخارج حيث أظهرت دائرة الاحصائيات الإسرائيلية أن أكثر من ثلث الإسرائيليين وتحديداً الشباب يفكرون بالهجرة أو الحصول على جنسية أوروبية أو أميركية ما يعني نهاية «كذبة» أرض الميعاد.