ماذا تفعل قطر بإرث كلفها 300 مليار دولار لتنظيم كأس العالم؟
النشرة الدولية –
اقتصاد الشرق –
خلال منتدى قطر الاقتصادي، الذي استضافته الدوحة أواخر مايو، لحظ المشاركون عن كثب تطور بنيتها التحتية والخدمية، من المطار إلى شبكة المواصلات الحديثة وصولاً إلى الفنادق الفخمة والكوادر المؤهلة، والتي تمثل ثمار عقدٍ من الزمن أنفقت خلاله الدولة الغنية بالغاز نحو 300 مليار دولار، بحسب تقديرات بلومبرغ، لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022.. لكن السؤال الذي دار في خلد المشاركين: كيف ستبني قطر على هذا الإرث لتحقيق قفزة نوعية في اقتصادها؟
تسير البلاد على الطريق نحو تنويع اقتصادها وفقاً لرؤيتهاً لعام 2030، وتسعى إلى استثمار مكاسب كأس العالم للاستمرار في زخم استضافة الأحداث الكبرى، وخاصة الرياضية منها، وجذب السياحة في ظل بنيتها الحالية المؤهلة لذلك، بحيث يصبح القطاع أحد مصادر الدخل الرئيسية للبلاد.
ناصر فهد الخاطر، الرئيس التنفيذي لكأس العالم قطر 2022، أكد لـ”اقتصاد الشرق”، على هامش منتدى قطر الاقتصادي، أن هناك العديد من الفعاليات العالمية التي تستضيفها قطر خلال الفترة المقبلة، وهي مهيأة بالكامل لذلك، منوّهاً بأن “هناك نموذجاً ناجحاً هو كأس العالم، ويمكن استخدام هذا النموذج في الأحداث الكبرى القادمة”.
وأضاف: “لدينا كأس آسيا هذا العام، وبطولة العالم لكرة السلة، وإكسبو للبستنة”، معلناً أنه من المتوقع أن تتقدم بلاده لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية.
ماذا بنت قطر لأغلى كأس عالم على الإطلاق؟
للفوز بتنظيم كأس العالم، شيّدت قطر 7 ملاعب جديدة، تمّ تصميمها لتكون لاحقاً بمثابة مراكز رياضية وترفيهية للمجتمع المحلي بعد البطولة، إلى جانب تجديد ملعب بالكامل ليصل عدد الصروح الرياضية العملاقة لديها إلى ثمانية.
كانت قطر وعدت بأنها ستقوم بتفكيك أحد الملاعب وتقديمه لإحدى الدول الأفريقية، ويوضح الخاطر أن هناك ملعباً واحداً فقط سيتم تفكيكه..”لم يتم اتخاذ قرار بعد سواء ببيعه أو منحه.. لكن هناك أيضاً أكثر من ملعب سيتم تغييره (نشاطه) لخدمة المجتمع”.
دروس مستفادة
نادراً ما تقدم الأحداث الرياضية الكبرى فوائد اقتصادية عند خصم تكاليف الاستضافة التي تصاعدت في العقود الأخيرة. جرى استضافة معظم الألعاب الأولمبية في مدن هي بالفعل عواصم عالمية بارزة، كما أن كأس العالم يُقام في مدن ومقاطعات متعددة، وأحياناً في عدة دول، مثل كأس العالم 2002 في كوريا الجنوبية واليابان. لذلك، ليس من المستغرب أن يكون لهذه الأحداث تأثير محدود على المناطق التي تُقام بها الفعاليات، وفق شركة “بي دبليو سي”.
بحسب تقرير شركة الاستشارات العالمية، فإن المثال الأقرب إلى قطر هو على الأرجح أولمبياد 1992 في برشلونة، المدينة الإسبانية البالغ عدد سكانها نحو 1.6 مليون نسمة. دائماً ما يتم الاستشهاد بها على نطاق واسع باعتبارها إحدى قصص نجاح الاستضافة مع تأثير اقتصادي كبير ومستدام. الاستعدادات لأولمبياد برشلونة تضمنت تحسينات كبيرة في البنية التحتية، مثل إنشاء طرق دائرية لربط الأماكن وتوسيع المطار وشبكة المترو.
جرى أيضاً بناء آلاف الغرف الفندقية بجانب الشواطئ والمتاحف التي جرى استخدامها بعد ذلك بكثافة مع ارتفاع السياحة. وشهدت إلى حد بعيد أكبر زيادة في عدد السياح بين المدن الأوروبية الكبرى، والتي تضاعفت بين عامي 1990 و2000، بحيث احتلت برشلونة المرتبة السادسة بين المدن الأوروبية الأكثر زيارة، بينما قبل الألعاب الأولمبية لم تكن ضمن المراكز العشرة الأولى.
قطر لديها هيكل اقتصادي مختلف عن برشلونة ومن غير المرجح أن تكرر نتائجها بدقة، كما يفيد تقرير “بي دبليو سي”. مع ذلك، يرى التقرير أن هناك أوجه تشابه كافية بين الحالتين قد يخلص إلى أن إرث كأس العالم في قطر سيبدو أشبه بألعاب برشلونة الأولمبية، مع الفوائد الكبيرة المتأتية من تطوير البنية التحتية المرتبطة بها ومن تعزيز مكانتها العالمية للسياحة والاستثمار.
بينما ستواصل قطر التركيز على الرياضة كأولوية وركيزة أساسية للعلامة التجارية للبلاد، ينبغي عليها استكشاف إمكانية استضافة الأحداث العالمية الكبرى غير الرياضية، مثل المهرجانات الموسيقية والقمم السياسية والاقتصادية والمعارض الدولية، لتشجيع السياحة والاستفادة من مرافقها ذات المستوى العالمي. تُعتبر الأحداث الحالية مثل منتدى الدوحة الاقتصادي ومعرض جنيف للسيارات، مثالين لقطر لمواصلة البناء عليها، بحسب التقرير.
تنويع الاقتصاد
السياحة كانت على رأس أولويات قطر عند التخطيط لاستضافتها كأس العالم، بحسب الخاطر، إذ تسعى البلاد إلى جذب 7 ملايين سائح سنوياً بحلول 2030. لافتاً إلى أن “ما توفره البلاد من تجربة للسائحين خلال فترة تواجدهم في هذه الأحداث الرياضية يدعم تحقيق رؤية البلاد”.
صندوق النقد الدولي أشار في أحدث تقاريره عن قطر إلى أنها في وضع جيد يؤهلها للاستفادة من البنية التحتية التي أسستها على أعلى المستويات، والاعتماد على الزخم الذي اكتسبته، وبروز مكانتها بفضل تنظيم مباريات كأس العالم لكرة القدم. في وقتٍ تشهد فيه دول الخليج العربية تنافساً غير مسبوق على جذب الزوار من المنطقة والعالم، لاسيما مدينة دبي العريقة سياحياً، ودخول المملكة العربية بقوة لتعزيز مكانتها على خارطة السياحة الدولية.
تسير قطر على خطى باقي دول الخليج لتنويع مصادر دخلها بعيداً عن النفط والغاز. وحققت فائضاً في موازنة الربع الأول من العام الحالي قدره 5.4 مليار دولار، بدعم من تراجع المصروفات وزيادة إيرادات الغاز. إنما من المتوقع أن يتباطأ اقتصادها ليسجل نمواً بـ2.4% هذا العام بحسب صندوق النقد، مقابل 3.4% العام الماضي، كان الدافع الأساسي له النمو القوي بمعدل 8% خلال الربع الأخير من العام الماضي الذي استضافت خلاله البلاد فعاليات كأس العالم.
اقتصاد قطر غير النفطي من المتوقع أن ينمو 4.2% هذا العام، وهو مقارب لنمو هذا القطاع في أغلب دول الخليج. ويشير تقرير صادر عن وكالة ترويج الاستثمار أن البلاد استفادت من كأس العالم أيضاً لتحسين بنيتها التحتية الرقمية، ودخلت في شراكات لتعجيل التحول الرقمي وتعزيز الابتكار التكنولوجي على المستوى المحلي، بما في ذلك من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر.
استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة
تُستمد ثروة قطر الطائلة بشكل أساسي من صادرات الغاز الطبيعي المسال، والذي جعلها من أغنى دول العالم قياساً على نصيب الفرد من الناتج. يُقدّر عدد المواطنين القطريين بشكل غير رسمي بنحو 380 ألفاً فقط، في حين أن عدد السكان يُقدّر بثلاثة ملايين، معظمهم من المغتربين الذين يعملون في البلاد، لاسيما في صناعة الغاز والقطاعات المرتبطة بها، والتي بفضلها “ستتمتع الدولة بعام من الازدهار”، وفقاً لـ”ستاندرد أند بورز غلوبال”.
بعد انتهاء كأس العالم، شهدت قطر انخفاضاً ملحوظاً بعدد السكان المغتربين. وتتفق العديد من التقارير البحثية على أنه هناك حاجة للتركيز على الحفاظ على السكان ذوي المهارات العالية من خلال جعل قطر مكاناً جذاباً لأصحاب المهارات العالية، من أجل إجراء عمليات نقل المعرفة مع بناء مهارات المواطنين.
وتتطلع الرؤية الوطنية للدولة إلى استثمار الثروة الهيدروكربونية في بنية تحتية عالمية المستوى وتطوير ريادة الأعمال لتنويع الاقتصاد في “الأنشطة الصناعية والخدمية عالية القيمة”.
قامت البلاد بالكثير في السنوات الأخيرة لبناء الأساس لهذا التنوع، وبقية العقد هو فرصة لتحقيق ذلك، وفق تقرير “بي دبليو سي”، الذي أشار إلى أنه سيتم توفير مزيد من التفاصيل حول الكيفية التي تخطط بها الدولة للقيام بذلك في استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، والتي من المقرر أن تصدر قريباً وسيستمر تنفيذها حتى 2030.