«فارس»… أسعدتنا بكتبك وأبحاثك
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
الجريدة –
سألني: هل تتذكر من أحضره إليك في مركز المعلومات «بالقبس» ووعدك بنسخة من كتابه؟ أجبته: الحقيقة نسيت؟ رد من جديد: هو صديقي ولي معرفة جيدة به وبابنته سارة وعملها في «كونا» و«بلومبيرغ».
كان هذا الحوار مع الزميل ناصر العبدلي بعد نشر مقالتي عن الراحل فارس بن غلوب باشا، والذي أثار فضول البعض، وكان السبب في فتح صفحة جديدة مع «البيولوجي المتخصص بتصنيف الأحياء» الأستاذ أسعد الفارس، الباحث المتعمق في تاريخ العشائر والصحراء وبوادي العرب وصاحب المؤلفات الـ15.
جلسة «عصف ذهني» كما يحلو لبعض المثقفين تسميتها راح يتحدث فيها عن معاناته مع البحث ورحلته مع الوثائق والكتب التي أصدرها، وعدم التقدير الذي يلاقيه، بل يشعر بنوع من الجحود تجاه ما يقدمه وينتجه من أعمال وإصدارات.
يأنس بكونه «ابن الفرات» منتمياً إلى «ريف بوكمال» من عهد جده فارس المحمد، ومنذ أن كانت والدته تحمله على الناقة في بوادي الشام والجزيرة، ثم في رحاب جامعة دمشق والسنوات الطويلة في سلك التربية والتعليم والعمل السياسي والنشاط الثقافي.
نشأ أديبا بالفطرة، وتعلم اللغة العربية في مساجد دمشق، استهوته أخبار البادية العربية بفرسانها وقبائلها،
عاش أيام الوحدة بين سورية ومصر (1958-1961) وأيام الانقلابات إلى أن جاء حزب البعث إلى السلطة عام 1963.
ما يميز أسعد الفارس جرأته ومصداقيته، فلم يكن من راكبي الموجة والانتهازيين والسابحين في جوقة السلاطين والأنظمة، ولو فعل ذلك لكان من «علية القوم»، جاء إلى الكويت أول التسعينيات، وعمل باحثا تربويا في المركز العربي للبحوث لدول الخليج العربية وباحثا بيولوجيا في معهد الكويت للأبحاث العلمية.
من الكتب ذات القيمة المعرفية، «لواء الزور في الوثائق العثمانية» اختار نحو 100 وثيقة من الأرشيف العثماني ووضع لكل وثيقة عنوانا ورقما وتاريخا والتعليق عليها، ألقت الضوء على «إقليم مترامي الأطراف في ظل الحكم العثماني» والوثائق المعروضة اختيرت بانتقائية شديدة لتلقى الضوء على العشائر والقبائل، يؤكد من خلال إحدى الوثائق أن العنصر العربي يشكل 95% من عدد السكان وهذا يكذب الشعبويين الذين يدعون بأن الرقة والجزيرة والفرات هي إقليم خاص بهم.
الكتاب الآخر، «البوكمال في سورية» ويعنى بالجغرافيا البشرية، وهناك في شرق سورية آخر نقطة من الحدود تقع مدينة البوكمال، فعند أقدامها يغادرنا نهر الفرات باتجاه العراق، ففي سهل فسيح ومساحة محددة على ضفتي النهر يعيش «شعب البوكمال» بريفه وحضره، وفي هذا المكان تعاقبت الأمم والأجيال والحضارات وفيها «مدينة ماري الأثرية» وتلال جبل الباغوز وأبراجه في الجنوب الشرقي وتتجاور في الشرق مع مدينة القائم العراقية.
ربما كان كتيب «الأفاعي السود» في البيئة العربية، من الأبحاث العلمية ذات الفائدة الكبيرة للناس والمهتمين، فهذا النوع عكس الاعتقاد الشائع من مجموعة الأفاعي غير السامة، واسمه «العربيد الفراتي» كما درج على ذلك أبناء المنطقة، يأتي هذا البحث ليوضح مكانته وأهميته كحيوان صديق للفلاح، ولتبديد الوهم المتراكم عنه في أذهان الناس، هو حية سوداء ليست من ذوات السموم.
ليس الهدف من هذا المقال الترويج لإصدارات الباحث الجاد، بقدر ما نود التعريف بأهم الكتب التي أنتجها، وماذا أضافت من معلومات للمكتبة العربية، فكتابه «مشاهدات في بوادي العرب» للرحالة روجر د. أبتون، كانت أول ترجمة عربية لرحلة ضابط الفرسان البريطاني، إلى شمال الجزيرة العربية عام 1875، تسلط الأنظار على جوانب متعددة من تاريخ المنطقة والحياة الاجتماعية والاقتصادية السائدة في ذلك الوقت، مع الربط بين القبائل العربية القديمة التي تسكن الجزيرة والقبائل التي تحدرت منها وهاجرت إلى الشمال، إضافة إلى الجزء الخاص بتاريخ الحصان العربي وهو أثمن وأدق ما كتب عن تراث هذا الجواد العربي الأصيل.
أسعد الفارس، أحد الكتاب والباحثين الذين اشتغلوا على تاريخ منطقة الفرات الأوسط، وهو كما وصفه المرحوم الزميل عدنان فرزات بأنه «الخيمة الأصيلة المتبقية في حياتنا المدنية»، له مكانته، ليس فقط عند أبناء منطقة «دير الزور» بل في الكويت والجزيرة العربية والشرق العربي، وقبل ذلك قرأت له كتاب «الكولونيل ليشمان والدرب الطويل إلى بغداد» والملقب بـ«بنجامين الفرات»، كذلك كتابه «في الطريق إلى الملك عبدالعزيز».
أسعد الفارس باحث عربي يستحق وصفه بالرجل الموسوعي وصاحب المؤلفات في علم الأحياء، والبادية، والقبائل، وعلم الطيور، وأسرار الرحالة وغيرها.