لماذا كل اختراع ثوري يوضع في خانة تدمير المجتمع ثم تتغير النظرة؟
بحسب التاريخ كل جديد يرذل في البدء ويصبح محل تقدير كبير في النهاية
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
تقول المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO (ويبو)، إن الذكاء الاصطناعي أضحى بوتيرة متسارعة جزءاً من حياتنا اليومية. فخلال العقود القليلة الماضية، كان الإنسان وحده قادراً على لعب الشطرنج وقراءة خط اليد، أمّا اليوم، بإمكان الآلات القيام بذلك على نحو روتيني. وكثر الحديث في السنوات الأخيرة، حول الذكاء الاصطناعي، وتأثيراته المستقبلية على عيش الإنسان وعمله، بعد تداول تقارير علمية، تفيد بأنه سيستخدم، بشكل أكبر في تحليل التفاعلات والاتصالات والمساعدة في التنبؤ بالطلب على الخدمات، لتمكين السلطات من اتخاذ قرارات أفضل بشأن استخدام الموارد، واكتشاف الأنماط المتغيرة لسلوك العملاء من خلال تسريع تحليل البيانات.
هو في الأصل نظام علمي، ويقول معظم الباحثين اخترع في البداية لإثارة انتباه الجمهور، ثم أخذ في الانتشار بشكل كبير مع مرور السنوات، وانبثقت منه تقنيات أسهمت في عولمة العالم وتغييره على مدى الستين سنة الماضية. ووفقاً لعدد من الباحثين، “الذكاء الاصطناعي” يشير إلى كيان اصطناعي موهوب بالذكاء، قادر مستقبلاً على منافسة الإنسان. ومن وجهة نظر مبتكري مصطلح الذكاء الاصطناعي، فإن هذا الأخير، يهدف في البداية إلى محاكاة مختلف قدرات الذكاء، بواسطة الآلات، سواء كان الذكاء بشرياً أو حيوانياً أو نباتياً أو اجتماعياً أو تصنيفاً تفرعياً حيوياً. وقد أثار الذكاء الاصطناعي بالفعل الكثير من المخاوف، حول إيجابياته وسلبياته، بخاصة تطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة كبرنامج ChatGPT الذي جعل الكثير من الخبراء يطرحون عدة أسئلة حول مستقبل هذه التقنيات والنواحي الأخلاقية لاستخداماتها.
هذا التطور الهائل والسريع أثار المخاوف من قدرة هذه البرامج، على تطوير ذاتها إلى حد يعجز عن فهمها أو ملاحقتها، الذين صنعوها. ولهذا الغرض، أنتجت العشرات من أفلام الخيال العلمي وكتبت مئات الكتب والمقالات، محذرة من السيطرة المرتقبة لهذه البرامج على العالم، كما حدث في مجال الأدب والفن والرسم وكيف اخترقته هذه البرامج الذكية الجديدة.
ومن بين برامج الذكاء الاصطناعي المقلقة في الوقت الحالي، البرنامج الجديد، الذي أطلق عليه اسم (GPT-3) (Generative Pre-trained Transformer 3) وهو برنامج لمعالجة اللغة، يتفاعل مع المستخدم من خلال الحوار كتابة على الموقع الإلكتروني الخاص به.
هذا البرنامج الجديد، أطلق في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، ويعمل وفق آلية “تعلم الآلة”، لكن الإيجابيات التي يظهرها، في نظر البعض أقل من السلبيات التي يخفيها. البرنامج من إنتاج شركة OpenAI التي أسست عام 2015 بمشاركة كل من إيلون ماسك وجريج بروكمان وإيليا سوتسكيفر ووجسيخ زاريمبا وسام ألتمان.
سباق الرقمنة
وكان الملياردير الأميركي بيل غيتس قد وصف تكنولوجيا روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بأنها طفرة تكنولوجية لا تقل أهمية عن اختراع الحاسوب والإنترنت والهاتف. ودعا العديد من الباحثين وقادة قطاع التكنولوجيا إلى وقف تطوير الذكاء الاصطناعي، مشيرين إلى “مخاطره العميقة على المجتمع”. ووقع أكثر من 1000 من قادة التكنولوجيا والباحثين، من بينهم الرئيس التنفيذي لـ”تويتر” و”تيسلا” إيلون ماسك، على رسالة مفتوحة يحثون فيها على “وقف السباق الخارج عن السيطرة” لتطوير ذكاء اصطناعي أكثر تقدماً، وذلك من خلال وضع حواجز الحماية ووقف موقت لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. وتطرقت الرسالة، الصادرة عن معهد Future of Life، إلى أن المطورين “محاصَرون في سباق خارج نطاق السيطرة لتطوير ونشر عقول رقمية أكثر قوة لا يمكن لأي شخص، ولا حتى منشئيها، فهمها أو التنبؤ بها أو التحكم فيها بشكل موثوق”. ومن بين الآخرين الذين وقعوا الرسالة ستيف وزنياك، أحد مؤسسي شركة “أبل”، إضافة إلى رجل الأعمال والمرشح الرئاسي السابق أندرو يانغ ورئيسة نشرة علماء الذرة راشيل برونسون. وتساءلت الرسالة المفتوحة التي وقعها رواد التكنولوجيا عن طبيعة المنافسة بين البشر والذكاء الاصطناعي في المهام العامة، إذ قالت: “هل يجب أن ندع الآلات تغمر قنوات المعلومات لدينا بالدعاية والكذب وهل يجب أن نطور عقولاً غير بشرية قد تفوقنا عدداً وذكاءً في النهاية وتتفوق علينا وتحل محلنا، هل يجب أن نجازف بفقدان السيطرة على حضارتنا؟”. وهذه ليست المرة الأولى التي يطلب فيها الناس وضع حواجز حماية للذكاء الاصطناعي. ومع زيادة تعقيد الذكاء الاصطناعي، فإن الدعوات إلى الحذر تتزايد بدورها. وقال الموقعون على الرسالة إنه “يجب عدم تفويض مثل هذه القرارات لقادة للتكنولوجيا غير منتخبين”، داعين إلى التوقف لمدة ستة أشهر على الأقل عن تدريب وتطوير أنظمة أقوى من روبوت الدردشة ChatGPT-4، وذلك من أجل تنفيذ مجموعة من بروتوكولات السلامة المشتركة لتصميم وتطوير منتجات ذكاء اصطناعي متقدم يدققها ويشرف عليها خبراء خارجيون مستقلون.
الذعر المجتمعي تجاه التكنولوجيا
يقول المتخصص في علم النفس والاجتماع الأكاديمي محمد ترحيني، لـ”اندبندنت عربية”، يبني المرء معرفته عادة على الموروث الاجتماعي، ويحرص على إيجاد التوازن من خلالها في داخله، فإذا طرأ أي جديد على هذا السكون المعرفي الذي عاشه، وتأقلم معه، حاول أن يفعّل سعيه إلى تحقيق هذا التوازن، ويدفعه كسله إلى الهجوم على هذا الطارئ الذي هزّ بنية الثقافة في مجتمعه، وهدد المعرفة التي حصلها منه، فإذا أصبح بعد زمن مقبولاً، ولو بحدود معينة، عمل على التكيف معه، وحوله إلى جزء من منظومته، وأصبح بعد زمن مقدساً على غرار المعرفة التي حل محلها، ليحارب كل جديد مرة أخرى، انطلاقاً من التسليم به”.
“المطبعة ستدمر الكنيسة والدولة”
سبب اختراع المطبعة في أربعينيات القرن الرابع عشر خوفاً مجتمعياً كبيراً. إذ ظنّ المثقفون حينها أن هذا الاختراع الحديث سيؤدي في نهاية الأمر لاندثار الأعمال اليدوية للكتبة الذين يقومون بنسخ المخطوطات باليد. كما أن مكابس الطباعة تعني أن الكتب يمكن أن تُطبع بثمن رخيص وبكميات أكبر من المخطوطات المنسوخة يدوياً. ونشأت مخاوف من أن التعاليم الدينية التقليدية سيتمّ تحريفها وستنشر نسخاً مهولة من الإنجيل المزيف. ووصل الخوف إلى مدى أبعد، ظناً بأن الصحافة المطبوعة ستدمر الكنيسة ومن ثم الدولة أيضاً. وعلى رغم كل الذعر الذي سببه اختراع المطبعة، إلا أنها لعبت دوراً محورياً في تشكيل عصر النهضة.
حتى الرئيس الأميركي خاف من الكهرباء
عندما بدأت الكهرباء تصل لبعض المنازل في دول أوروبا والولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر، كان الكثير من الناس يخافون من استخدامها وعلى رأسهم الرئيس الأميركي السابق بنجامين هاريسون. ففي عام 1889، وبعد فترة قصيرة من اختراع توماس أديسون أول مصباح متوهج قابل للتطبيق التجاري عام 1879، وضعت مصابيح كهربائية دائمة في البيت الأبيض من قبل شركة إديسون العامة للكهرباء. ولكن الرئيس هاريسون تلقى صدمة مدوية من مفاتيح الأضواء وكان يخاف جداً من استخدامها، وبعد ذلك خافت عائلته من لمس المفاتيح. وفي الواقع لم تستخدم السيدة الأولى كارولين هاريسون الأضواء الكهربائية أبداً، وكانت تستعين بالخدم من أجل تشغيل الأنوار وإطفائها ليلاً، وفقاً لموقع Gizmodo.
القطارات تفصل أرحام النساء عن أجسادهن
بعد افتتاح أول خط سكة حديد ستوكتون – دارلنغتون عام 1825، كان هناك قلقٌ كبير لدى المجتمع تجاه هذا الاختراع الجديد، إذ ظن أغلب الناس، أن جسد المرأة لم يُصمم لتحمل سرعة 80 كلم في الساعة. ووصل الحد إلى القلق من أن أرحام السيدات المسافرات على متن القطارات قد تطير خارج أجسامهن بينما تتسارع بهن القطارات. كما ظن آخرون أن القطارات ستؤدي إلى إذابة جسم الإنسان بسبب السرعة العالية.
الهواتف “جاذبة للأرواح الشريرة”
وأثار اختراع الهاتف الكثير من المخاوف في القرن التاسع عشر، عام 1876. فهذه الأصوات غير المجسّمة التي تأتي من السلك نشرت الذعر بين الناس. وكان الخوف الرئيسي هو أن استخدام الهواتف سيمزق نسيج المجتمع عن طريق إزالة الحاجة إلى مقابلة الناس وجهاً لوجه. كما شملت المخاوف الأخرى فكرة أن الهواتف تجعل الناس كسالى، وبمرور الوقت سيصيبهم الصمم التام. ووصل الذعر المجتمعي إلى حدّ اعتبار الهواتف جاذبة للأرواح الشريرة من خلال الرعد والبرق. عام 1876 نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية سلسلة مقالات مثلت هجوماً شرساً على هاتف ألكسندر غراهام بيل بسبب غزوه للخصوصية.
التلفزيون يصيب بالعمى
كما جلب اختراع التلفزيون خوفاً جديداً، وهو الخوف من غسيل الدماغ. إذ اعتقد الكثيرون حينها أن مشاهدة التلفزيون ستجعل الناس أغبياء، كما ألقي باللوم على التلفزيون كونه السبب الرئيسي في تدهور أخلاق الشباب بسبب المحتوى غير الأخلاقي لبعض المحافظين. كما وصل خوف المجتمع من التلفزيون حينها إلى اتهامه بإصدار أشعة ضارة ستسبب العمى للجميع في غضون سنوات قليلة.