جبران.. والعبودية الجديدة
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
صدر تقرير عن Walk Free الأميركية غير الربحية، التي تسعى إلى القضاء على كل أشكال العبودية الحديثة، بيّن أن هناك 10 ملايين شخص جدد، منذ 2018، وقعوا في قبضة نوع ما من العبودية الحديثة، مما رفع العدد الإجمالي إلى 50 مليون إنسان، بمن في ذلك 28 مليوناً يخضعون للعمل القسري، و22 مليوناً للزواج القسري.
تصف Walk Free الأمر بـ«الأزمة»، وتقول إن على رأس أسبابها جائحة Covid-19 وتغيّر المناخ والنزاعات المسلحة والنزعة الاستهلاكية المتفشية، وفشل الحكومات ورجال الاقتصاد في إيجاد البدائل والحلول.
يُعرِّف المؤشر العبودية الحديثة بكونها تشمل «العمل القسري، والزواج الإجباري، والاستعباد، والعقائد ، والاستغلال الجنسي التجاري القسري، والاتجار بالبشر، والممارسات الشبيهة بالرق، وبيع الأطفال واستغلالهم».
كما بيّن التقرير أن الأزمات العالمية دفعت ملايين آخرين إلى نظام السخرة، فعلى سبيل المثال، أدت الزيادة المفاجئة في الطلب على المنتجات الطبية، أثناء «كورونا»، إلى جانب عمليات الإغلاق وفقد الوظائف، إلى خلق بيئة مساعدة على استغلال العمال المهاجرين.
كما أجبر الانكماش الاقتصادي الشديد بعض العائلات على إرسال أطفالها للعمل أو دفع بناتها إلى الزواج، قبل بلوغهن سن الزواج، إما لكسب المال وإما لتوفير الغذاء.
ويضيف التقرير أن الصراع دفع المزيد من الناس إلى هجر منازلهم، وفي بعض الأحيان عبور الحدود إلى بلدان ذات سياسات قاسية تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء.
وفي هذا السياق، ولمواجهة موجة الانتقادات ضد موريتانيا، فقد صدر فيها قانون فرض غرامات مالية كبيرة وأحكاماً بالسجن على كل من شتم علناً شخصاً ووصفه بالعبد. كما استحدثت محاكم متخصصة لمواجهة الرق بقضاة متخصصين، ألزموا بالمحافظة على حقوق الضحايا في التعويض، وتنفيذ الأحكام القضائية التي تتضمن تعويضاً لضحايا العبودية، من دون انتظار الاستئناف.
كما وضع التقرير مآخذ على دول الخليج العربي، واستمرار تبنيها لنظام الكفالة، إذ يعتمد العاملون الوافدون على كفيلهم في عملهم وإقامتهم، فيجردون من حق تغيير عملهم أو مغادرة البلاد، من دون إذن الكفيل. وكيف أن هذا الوضع يعرّض العمال، خصوصاً محدودي الدخل، لسوء المعاملة، بل وللاستغلال والعنف بشتى أنواعه!
من جانب آخر، ذكر مقدّم البرامج اللبناني طوني خليفة أنه تلقى رسالة قبل فترة من أب ثري، يشتكي عقوق أبنائه، وكيف نسوه بعد أن علمهم وصرف عليهم، وكيف كانوا يتلاعبون على ظهره، ووفر لهم أفضل التعليم، وزوجهم، وانتقلوا للعيش في دول مختلفة، ومع هذا بالكاد يتصلون به أو يسألونه عن حاجته!
رددت عليه برسالة رأيت مشاركة القراء فيها:
عزيزي طوني. يعتقد الكثيرون أنهم خلفوا أولادهم لكي يتذكروهم في كبرهم ويهتموا بهم. هذا وهم. فلا أحد طلب منهم الإتيان بهم إلى الحياة وتدليلهم وإطعامهم واللعب معهم، ثم تحميلهم «الفضل والمنة»، ومطالبتهم برد المعروف.. هذا نوع من الأنانية.
صاحبك فعل ما فعل لأنه أب وكريم وطيب، ويجب ألا يتوقع مردوداً لفعله، أو فضله. فنحن نطعم الفقير ونعطي المحتاج لأنهما بحاجة، كما نعطي أبناءنا الحب والحنان والطعام، لأنهم بحاجة.
وبما أنه ليس من حقنا أن نطلب من الفقير والمحتاج ردّ الجميل لنا، بالتالي ليس من المفترض الطلب من أبنائنا ردّ المعروف لنا. نعم نرحب بحنانهم واهتمامهم، لكن لا نفرض ذلك عليهم، ويجب ألا نحزن إن لم يبادلونا الاهتمام والقلق نفسهما.
في الغالب الأعم، تصرّف الأبناء معنا هو رد فعل للكيفية التي تصرفنا بها مع والدينا، ومعهم.
من أكثر أبيات الشعر عدم معقولية بيت شعر للمتنبي، الذي يقول فيه: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته!
هذا بيت يتضمن عبودية وقحة، وكأنه مطلوب من كل من نحسن إليه أن يكون ملكنا!
ما قاله جبران، في هذا الصدد، أكثر دقة وإنسانية: «أولادكم ليسوا لكم. أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليسوا منكم، مع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم».