محكمة العدل العليا البريطانية تنصف أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
حكمت محكمة العدل العليا البريطانية في شهر فبراير (شباط) الماضي لصالح ثلاث عائلات فقدت أقارب لها ضحية انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من أغسطس (آب) عام 2020 في دعوى مدنية قدمت من أربع ضحايا (واحدة منهم لا تزال على قيد الحياة ومصابة بضرر دائم) ضد شركة “سافارو” المحدودة (Savaro) لتجارة المواد الكيماوية المسجلة في المملكة المتحدة.
واعتبر القرار القضائي الأول الذي سمى أحد الأطراف المسؤولين عن الجريمة، وهي شركة “سافارو”، مما شكل واقعة ثابتة قضائياً، وفتح الباب لملاحقة متورطين آخرين في القضية، خصوصاً أن المحاكمة كانت كشفت عن مستندات ووقائع، مما يمهد لإجراءات أخرى في لبنان والخارج. وكانت تلك الشركة قد أدخلت حمولة ما يقارب 2750 طناً من نيترات الأمونيوم، على متن الباخرة “روسوس” خزنت في ظروف خطرة في مرفأ بيروت لأكثر من ست سنوات، قبل أن تتسبب تلك الحمولة بتفجير المرفأ الكارثي الذي قتل 220 شخصاً في الأقل، وجرح أكثر من سبعة آلاف آخرين، عدا عن إلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات.
تحديد قيمة التعويضات
وحددت المحكمة العليا البريطانية في 13 يونيو (حزيران) الجاري في قرار لها قيمة التعويضات المادية المستحقة لهؤلاء الضحايا، والتي قاربت مليون دولار. وأقرت تعويضاً قدره 100 ألف جنيه استرليني (نحو 125 ألف دولار أميركي) لثلاثة من أهالي ضحايا المرفأ للتعويض عن الضرر المعنوي الذي أصاب العائلة بعد موت ضحاياهم، و500 ألف جنيه استرليني (نحو 625 ألف دولار) لجريحة لا تزال على قيد الحياة ومصابة بضرر جسدي دائم، وذلك تعويضاً عن الضرر الجسدي والمعنوي الذي لحق بها، إضافة إلى تغطية كامل نفقاتها الطبية منذ عام 2020، وتغطية كلفة كل العمليات الجراحية والأدوية التي ستحتاج إليها خلال السنوات المقبلة.
القرار جيد لكنه صعب التنفيذ
وقال أهالي الضحايا في تصاريح متفرقة عبر الإعلام إن “الخطوة إيجابية إنما ليست فعالة وغير كافية، وإن أحداً من أهالي الضحايا لم يقبض لحينه دولاراً واحداً”. وأشار المحامي كميل أبو سليمان، وهو من مكتب “ديكارت للاستشارات القانونية وأعمال المحاماة” (Dechert LLP)، والذي يشرف على قضية الضحايا وعائلاتهم دون مقابل، إلى أن “هذه أول مرة تصدر فيها أي محكمة في أي مكان أحكاماً في شأن المسؤولية والأضرار في انفجار مرفأ بيروت بعد نحو ثلاث سنوات”. ونقلت وكالة “رويترز” في يناير (كانون الثاني) 2021 عن مارينا سيلو، المدرجة في المؤسسة البريطانية المسؤولة عن تسجيل الشركات في بريطانيا (كامبنيز هاوس)، باعتبارها مالكة “سافارو” والمديرة الوحيدة للشركة في عام 2021 أنها تتصرف نيابة عن مالك مستفيد آخر رفضت الكشف عن هويته. ونفت سيلو أن تكون لـ”سافارو” صلة بانفجار لبنان، قائلة إنها تعتقد أنها لم تقم قط بأي نشاط تجاري. وكانت سيلو قد قدمت طلباً خلال عام 2021 إلى “كامبنيز هاوس” لتصفية “سافارو”. وطالبت نقابة المحامين في بيروت السلطات البريطانية بوقف التصفية الطوعية. وكان مكتب الادعاء في نقابة المحامين ببيروت قد تمكن من وقف عملية التصفية التي أطلقتها الشركة في أوائل عام 2021 للتنصل من مسؤوليتها، وفقاً للنقابة. يذكر أن مكتب الادعاء الذي وافق على متابعة هذه الدعوى من دون أي أجر، وخلال عامين ونصف العام، حيث عمل أكثر من سبعة محامين من بيروت بشكل يومي، هم البروفيسور نصري دياب، والمحامي شكري حداد، والمحامي كميل أبو سليمان، والمحامية تمام الساحلي والمحامي موسى خوري ونقيب المحامين السابق ملحم خلف، إلى جانب فريق “ديشيرت أل أل بي” Dechert LLP في بريطانيا المؤلف من مجموعة من المحامين الذين وافقوا على متابعة هذه الدعوى مجاناً.
وأوضحت المحامية سيسيل روكز من لجنة أهالي الضحايا في حديث صحافي أنه من الصعب تنفيذ هذا القرار الصادر عن المحكمة البريطانية، قائلة إنه “في حال رفضت شركة سافارو تنفيذ هذا القرار طوعاً، سيكون التوجه نحو التنفيذ الإجباري، وهذا يعني حجز المحكمة البريطانية على أملاك الشركة وبيعها في المزاد العلني”، لافتة إلى أن “الشركة هي على الأرجح وهمية، بالتالي من الصعب تنفيذ القرار”.
واعتبرت أن “ما جرى في بريطانيا سيشكل بداية لقضايا رفعتها عائلات ضحايا آخرين ضد شركة (سافارو)”.
منفصلة عن الدعاوى في بيروت
يذكر أن هذه الدعوى منفصلة عن الدعاوى اللبنانية الجزائية المرفوعة أمام المحقق العدلي في لبنان طارق البيطار، التي يمثل فيها مكتب الادعاء في بيروت أكثر من 1200 ضحية. وفي وقت سابق من هذا العام اتهم قاضي التحقيق طارق البيطار باغتصاب السلطة بعد أن وجه اتهامات لمسؤولين كبار أمنيين وسياسيين فيما يتعلق بالانفجار. وتسبب قرار استئناف التحقيق بأزمة قضائية في لبنان، حيث اتهم النائب العام غسان عويدات المحقق بيطار بالتمرد على القضاء وقرر منعه من السفر، على خلفية ادعائه عليه إلى جانب ثمانية مسؤولين لبنانيين، من بينهم مدير الأمن العام السابق عباس إبراهيم، ورئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا. وسعى البيطار لاستجواب عدد من كبار السياسيين، من بينهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الوزراء الأسبق حسان دياب الذي كان يشغل المنصب عندما وقع انفجار المرفأ. ونفى هؤلاء جميعاً، بمن فيهم الوزيران السابقان علي حسن خليل وغازي زعيتر، ارتكاب أي مخالفات قائلين إن البيطار لا يمتلك صلاحية استجوابهم بالنظر لتمتعهم بالحصانة، كما عارض “حزب الله” عمل هذا القاضي الذي كان يسعى إلى استجواب عدد من حلفائه.
واعتبرت منظمة “هيومن رايتس واتش” في تقرير لها في فبراير (شباط) الماضي أنه مع انتشار الإفلات من العقاب في لبنان تبحث عائلات الضحايا ومنظمات حقوقية وبرلمانيون لبنانيون عن سبل أخرى لتحقيق العدالة. وشمل ذلك دعاوى مدنية مثل الدعوى الناجحة في المملكة المتحدة والدعوات المستمرة إلى “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” لإنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق في شأن الانفجار. وانضم أكثر من 40 عضواً حالياً في “مجلس النواب” اللبناني إلى أكثر من 162 منظمة حقوقية لبنانية ودولية وناجين وعائلات الضحايا في الدعوة إلى تحقيق دولي.