يا شين «غراب البين»!
بقلم: بشار جرار

النشرة الدولية –

الدستور الأردنية –

ظلمنا حتى الغراب. هذا الطائر الأكثر ذكاء في عالم الطيور العصيّ على التدجين، كان أول من وارى سوءة أول قاتل أو مجرم. الكبيرة الأولى التي خطّت أول كلمة في سجل جرائم البشرية، جريمة قتل إنسان لأخيه الإنسان، لأخيه شقيقه الوحيد، لا لشيء إلا لغيرته من إيمان أخيه الذي تقبّل الله قربانه، وفقا لما تعلمناه في الديانات التوحيدية الثلاثة.

ربط بعض أحفاد إبراهيم بين من علّم قابيل (كين) دفن أخيه الصريع هابيل (إيبل)، ربطوا بين الغراب -وما عرف ريشه الأملس سوى السواد- والشرور بأنواعها، بالخراب عموما. تماما كما ظلموا جارحا من الجوارح «المسالمة»، طائر البوم الذي يرمز عند العرب إلى الموت والخراب والشؤم فيما يرمز في الغرب إلى الهدوء، إلى السكون والسكينة، إلى السلام، سلام لا يتحقق إلا بالحكمة التي صارت البومة رمزا لها، وكان بالمناسبة من أحب «الرموز» التي كانت وزيرة الخارجية الأميركية الراحلة مادلين أولبرايت تزيّن فيها هندامها وأناقتها.

ظلمنا الغراب رمز الذكاء والستر، كما ظلمنا البومة رمز السلام والحكمة. لكن الحق، والحق يقال، وتثبت حكمته ولو بعد حين، أن «غراب البين» فيما تبقى من العالم أحادي القطب، قد صار بومة بلاده وكل من تورط بدعم مشيته!

قالت العرب «غراب البين ضيّع المشيتين» كناية عن غراب خانه ذكاؤه وطمع في رشاقة عصفور طيّار! أراد أن يتنقّل «يتنط نط» من غصن إلى غصن، حتى أطاح به وزنه الثقيل ودمه الأثقل وحظه العاثر،ففقد القدرة على مشية الغربان بعد أن استعصت عليه مشية العصافير. ما نابه إلى الشين، غراب البين!

غرابيب السواد تراها كخفافيش الظلام، نهارا جهارا. تصدفها على «كوع» شارع أو على تايم لاين اتسع ليشمل من لا يعرف «كوعه من بوعه» في هذا الزمان. تراهم عكس التيار، شذّاذ عن كل طريق قويم، لا يعرفون إلا أزقّة الطرق الملتوية المعتمة حيث الرطوبة والعفونة. لا نلتفت إلى نعيقهم، لكننا نرصد فحيحهم، نفحمهم ولا نبالي. لسان حالنا يقول همسا: «ماني شايفك»! وإن اقتضى الأمر في بعض التغريدات المسيئة بحق ما نحب ونجلّ تكن الصيحة بصوت عال: تراني شايفك.. بعض المسيئين من أي جنسية كانت، ينبغي التصدي لهم أهليا ونتمنى رسميا عبر القنوات والأدوات المناسبة..

عقوبات الجرائم الإلكترونية مهما كانت رادعة لن تكفي، الأولى هي التوعية والضرب استباقيا ووقائيا إن لزم الأمر لإخراس ألسن تظن أنها قادرة على الضرب تحت الحزام أو العبث تحت جنح الظلام.

وكما تعلمنا الطيور ما زلنا نتحدث عنها تلميحا لا تصريحا، فإن الشاهين إن رصد والعقاب إن ضرب لا يضرب إلا في مقتل.. قطع رأس الأفعى أجدى من تقطيع أوصالها، أو بالأحرى ذنبها.

زر الذهاب إلى الأعلى